الشيخوخة .. و العودة إلى عهد الطفولة .. !!

mainThumb

17-12-2008 12:00 AM

يحكى أنه في الأساطير اليونانية القديمة سيدة تدعى ( سبل ) ... كان جل ما تريد أن تبقى على قيد الحياة و أن تعيش أكبر قدر ٍ من السنين ... فبينما هي تتجول على أحد الشواطئ ... إذ جاءها ملاك على هيئة إنسان ... وسألها عن ما تتمناه في هذه الحياة ... فلم تتردد كثيرا في الإجابة و قالت أنها تتمنى أن تعيش ما دامت الحياة مستمرة ... فطلب منها أن تحفن ما تستطيع من رمل الشاطئ لتعيش بعدد حبات الرمل ... فلم توفر ( سبل ) جهدا في أن تحمل الكثير من حبات الرمل .... وظهرت علامات الفرح على وجهها ... فسألها قبل أن يذهب عن ماذا تريد أيضا ... قالت له أنها لا تريد شيئا بعد ... كرر عليها السؤال و ردت بنفس الجواب .... عاشت ( سبل ) طويلا ... و بدأ ظهرها بالانحناء و ملأت وجهها التجاعيد و أبيّض شعرها و ضعف نظرها ... و ظلت تصغر إلى أن خاف عليها قومها من أن تأكلها القطط فوضعوها في قفص ... كانت هي التي ترشدهم و تحكم بينهم ... كانوا يستشيرونها في كل شيء .. في حروبهم ... رحيلهم ... معاهدتهم ... لأنها الأعرف بتاريخ المناطق حينذاك .... يئست ( سبل ) من الحياة و كان جل ما تريد هو الموت دون سواه ... كانت توسوس فيه كل يوم ... حتى جاء إليها قادة القوم يوما يريدون منها استشارة فوافقت شريطة أن يقتلوها ... رفضوا لكنهم لأحقا حققوا لها ما تريد ... كانت تقول أنها تموت كل يوم مئات المرات لما آلت إليه حياتها .... ربما لم التزم الحرفية في نقل القصة ... و لكن لو كنا مكان ( سبل ) هل نتمنى الموت مع يقيني أننا نسعى للحياة ... و لو أن ( سبل ) طلبت - حينما ُسئلت ماذا تريد أيضا – أن تحافظ على شبابها و جسمها كما هو .. هل كانت سوف تطلب الموت ... ؟؟ ( سبل ) وجدت نفسها في عالم غير عالمها ... الحياة تغيرت و الأفكار تبدلت .. أصبحت وحيدة في علم يكتظ بالسكان ... أصبحت تكلم نفسها كثيرا إذ ليس هناك مشترك من الأمور بينها و بين من حولها ... كم من ( سبل ) اليوم يعيش بيننا ... و لسان حالهم أننا هنا ... مر زمن طويل لم نسمع فيه همسة ... مر زمن و نحن نناظر الباب لعله ُيفتح و يدخل من يجعلنا – على الأقل – نعانق الحياة من جديد و بأننا ما زلنا ننبض بالحياة ... كثيرون هم الذي ماتوا منذ أمد طويل رغم أن أجسادهم تتحرك ... أنهم يرجعون إلى حيث عهد الطفولة ... يحبون امتلاك الأشياء .. يريدون للجميع أن يجتمع حولهم ليوقظ ابتسامة سرق منها الدهر شكلها .. تحتاج شفاههم التي شققها الدهر إلى أن تروى بماء المحبة ... تحتاج عظامهم التي احدودبت إلى الدفء في ليالي تشرين الباردة ... الشيخوخة لا تختلف كثيرا عن عهد الطفولة ... إذ نفس المتطلبات ... و نفس النظرة و الإحساس و السلوكيات ... في حين أننا نمل من الأول و نحتضن الثاني ... ندلل هذا و نتجاهل ذاك ... نستقبل هذا ونودع ذالك ... ننقذ هذا و نقتل ذاك .......... ترى ( ذاك ) لمن أعطى ثمرة عمره ... ولماذا أروى غصنا صغيرا ليكبر و ليخضّر .. و بقي هو يبسا ... قابلت شخصا أثناء العطلة الصيفية في مكان كان يحمل له الكثير من الذكريات الجميلة ... كان المكان مليئا بالشباب ... اقترب مني و بهمس قال لي أنه كان يجب أن يموت منذ سنوات .. تساوت عنده قيمة الحياة مع قيمة الموت ... قال لي أن هذا المكان يذكره بالشباب عندما كان شابا على ظهر الحصان ... يرِدُ الماء .. !!

كان يريد أن يبك لكنه لم يستطع لوجودنا .... أحيانا أن لا تجد أصدقاء الطفولة و الشباب و بالذين يشاطرونك الوجع ... و الحديث و يرددون نفس الأغنية ... أن لا تجدهم يجعلك هذا في مواجهة تيار من المفردات و التقنيات و الأحاديث التي قد لا تروق لك ... تجده يجد نفسه في منائ عن ما يحيط به من عالم ... يقترب منا فنبتعد عنه ... نحاول أن لا يكون في محور الحد ث ... و قدر الإمكان بعيدا عن الأضواء ... متناسين أنه يتحول إلى شخص قد يشعر بأنه ثقيل الظل ... مثلما تشعر انك تربي أبنك في إطلاق حريته ... أنت كذلك تحيي نفسا برعايتك لها لأنك حتما ستؤؤل إلى هكذا نهاية ... لا أعرف و لكني أؤمن تماما بأن مجتمعاتنا نقية وطاهرة ... فيها المحب و الحريص على أن نتواصل مع ماضينا بتواصلنا مع أبائنا و أجدادنا ... ( ثمة من يقطعون غصنا ... و ثمة من يزرعونه ... )



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد