العمل الخيرى في الاسلام

mainThumb

05-01-2010 12:00 AM

اكرم الخطيب

العمل الخيري في ذاته واحدا من أهم ثمار الإيمان، فضلا عن أن العمل الخيري يضمن للمسلم ما يوثق به العرى بين سبل النجاح في الدنيا والآخرة أيضا. وإذا كان العمل الخيري قد لازم الإنسان منذ أن دب على الأرض وسعى وشقي واستغنى، فإن صوره وأهدافه وأشكاله ومقاصده وغاياته قد تطورت تطورا بارزا يواكب متطلبات المحتاجين، وعوز البائسين، وافتقار الضعفاء والمساكين.

ولئن كان العمل الخيري يمثل في ذاته صورة للتكافل الاجتماعي بين شرائح المجتمع، وعطاء إنسانيا يبذله القادرون عليه، فإن العمل الخيري قد صار في عالم اليوم رافدا من روافد التنمية البشرية، وطاقة خلاقة يبذلها الفضلاء والاكارم في إنكار للذات وحرص على أن يكون البذل خالصا لوجه الله واحتسابا لثوابه ، ورجاء لمثوبته ورضوانه ومن ثم أصبح العمل الخير ى في مجتمعنا المعاصر سمة حضارية بارزة للمجتمعات التي تحرص على التكافل الاجتماعي بين أفرادها وعلى دعم العطاء الإنساني للمحتاجين إليه.
إن تنظيم العمل الخيري في عصر العولمة وما يثيره من تحديات لأمتنا الإسلامية، في التوفيق بين الضوابط الشرعية للعمل الخيري باعتباره انعكاسا للإيمان الراسخ في قلوب المؤمنين وبين متطلبات الواقع الميداني في ساحة العمل الخيري. إن التطلع إلى آفاق رحبة من التعاون بين العناصر الفاعلة في مجالات العمل الخيري على مستوى الأمة بأسرها هو تعاون يستهدف تكريس الطاقات وتوكيد الرؤى وتوفير الإمكانات وتحقيق المقاصد الإنسانية النبيلة، والتغلب على المعوقات وإثراء التجارب الميدانية وتحصينها، وشد أزرها والتطلع بثقة واقتدار لاستشراف آفاق مترامية لدور العمل الخيري في مجتمع أمتنا الإسلامية المعاصرة . يجتاح عالمنا المعاصر تيارات فكرية هادرة، وتطورات مذهلة، وإنجازات علمية غير مسبوقة وصراعات أو حوارات حضارية متشابكة، ومجتمعنا العربي والإسلامي لا يستطيع أن ينأى عن كل هذه الأوضاع العالمية المؤثرة أو أن ينعزل بذاته عن التأثر والتأثير فى خضم هذه الرؤى الملتبسة والقائمة .. والعمل الخيري باعتباره نشاطا إنسانيا خالصا .. ويصدر عن إيمان الفرد بانتمائه لأسرة صغيرة لها متطلباتها الإنسانية التي تفرضها آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بحيث، يكون العمل الخيري في ذاته صورة للإيمان، وترجمة عن مشاعر الإنسان المؤمن ومدى إحساسه بمسئوليته تجاه غيره من المسلمين خاصة المحتاجين .. العمل الخيري بهذا المفهوم الإيماني يمثل تجسيدا للفهم الصحيح لروح الإيمان التى تعبر عنها آيات عديدة من آيات القرآن الكريم منها مثلا (لاّ?Z خ?Zيْر?Z فِي ك?Zثِيرٍ مِّن نّ?Zجْو?Zاهُمْ إِلاّ?Z م?Zنْ أ?Zم?Zر?Z بِص?Zد?Zق?Zةٍ أ?Zوْ م?Zعْرُوفٍ أ?Zوْ إِصْلا?Zحٍ ب?Zيْن?Z النّ?Zاسِ و?Zم?Zن ي?Zفْع?Zلْ ذ?Zلِك?Z ابْت?Zغ?Zاء م?Zرْض?Zاتِ اللّهِ ف?Zس?Zوْف?Z نُؤْتِيهِ أ?Zجْراً ع?Zظِيماً ) ويؤكد القرآن الكريم في موضع آخر على اهمية العمل الخيرى إذ يرى أن من لا يقوم به في أى شكل من أشكاله بمثابة المكذب بالدين: يقول تعالى ( أ?Zر?Zأ?Zيْت?Z الّ?Zذِي يُك?Zذِّبُ بِالدِّينِ ف?Zذ?Zلِك?Z الّ?Zذِي ي?Zدُعُّ الْي?Zتِيم?Z و?Zل?Zا ي?Zحُضُّ ع?Zل?Zى ط?Zع?Zامِ الْمِسْكِينِ )وإذا كان عمل الخير يقوم فى غالبه على المال وكان المال زينة الحياة الدنيا ، وعصب الحياة وقوام معيشة الخلق ، وبه يستمد الكثيرون مكانتهم فى المجتمع ويباح للمسلم أن يدعو ربه بأن يرزقه الغنى ويستعيذه من الفقر .
 إلا أن الإسلام مع هذا كله جعل إنفاقه فى الخير ، ومساعدة المحتاجين إليه ، وعدم البخل به ، وعدم اكتنازه ، جعل ذلك من الواجبات الإسلامية الحتمية على كل مسلم يعاقب المسلم بعذاب أليم إذا اقترف شيئا منها . يقول تعالى فى ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ).. ويقول تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .. وفي اية اخرى يقول تعالى ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) .. ونكتفى بهذا القدر من الآيات الكريمات التى تحض على إنفاق المال الذى هو زينة الحياة الدنيا فى وجوه الخير ومرضاة الله .. وإذا التفتنا إلى الأحاديث النبوية الشريفة رأينا فيضا من الأحاديث والمواقف العملية للرسول الكريم r وصحابته الأخيار يجسدون معنى العمل الخيرى وأهميته في تجسيد الإيمان الصحيح للمسلم. يقول نبينا الكريم "أحب الناس إلى الله انفعهم للناس " (رواه مسلم) .
 ويقول نبينا الكريم أيضا (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ).. وعن أبى هريرة رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله أنفق يا بن آدم أنفق عليك .. والخطاب هنا موجه إلى كل بنى آدم وفيه إطلاق للإنفاق فى كل وجوه الخير . ويقول الرسول الكريم r في موضع آخر : "لأن يمشى أحدكم مع أخيه لقضاء حاجته أفضل من أن يعتكف في مسجدى هذا سبعين يوماً" )وهناك نقطة يجب الإشارة إليها فى مجال دعوة الإسلام إلى الإنفاق فى وجوه الخير وحثه عليه ، فالإنفاق فى الإسلام له ضوابط تتحقق بها مصلحة الفرد والمجتمع .. هذه الضوابط هى الاعتدال والتوسط بين الإسراف والتقتير .. يقول تعالى ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) ..ويستفاد من هذا الحديث أهمية ضبط الإنفاق حتى فى عمل الخير .. فالتصدق كما فى الحديث يكون فى ( غير إسراف ) أو ( بخل وتقتير) بل فى اعتدال وتوسط .. يؤكد هذا قول الحق سبحانه وتعالى فى: " وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " .. فالإسراف منهى عنه حتى حين يخرج المسلم حق الفقراء يوم الحصاد .. ولعل من المهم فى هذا المقام أنه فى الوقت الذى يخاطب فيه الإسلام أتباعه بالبذل والسخاء ، يحذرهم بل ويكاد ينهاهم نهى تحريم عن قبول الصدقات وطلبها .. وهذا هو منطلق الإسلام فى بناء مجتمعه .. يقول الرسول الكريم ( على كل مسلم صدقة قيل أرأيت إن لم يجد ؟ قال يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق ، قيل أرأيت إن لم يستطع ؟ قال يأمر بالمعروف أو الخير .. قيل أرأيت إن لم يفعل ؟ قال يمسك عن الشر فإنه صدقة ) . وليس من العسير أن نفهم موقع العمل الخيري المتميز بين الطاعات التي يحض عليها الإسلام ، ذلك أن العمل الخيري يكتسب هذه الميزة من الثواب على سائر الطاعات الأخرى لأنه يتسم بسمات عديدة منها : - أنه خالص لوجه الله وابتغاء مرضاته لا ينتظر عائدا من البشر ولاجزاء ولا شكورا . - أنه صادر عن نفس سخية وروح أبية لا يحركها إلى العمل إلا حب الخير وحب الضعفاء والمساكين والمحتاجين. - أنه عمل مجرد من هوى النفس وحب الذات والطمع في عاجل الأجر والثواب "بعيدا عن شهوة الشهرة والسمعة" من أجل ذلك يشق علينا أن نجد في القرآن الكريم آية يذكر فيها الإيمان بالله إلا اقترنت بالعمل الصالح الذي يعتبر العمل الخيري جزءا منه. - والحق أن الأديان كلها ورسالات السماء جميعها تؤكد على أهمية العمل الخيرى في تحقيق الأخوة الإنسانية ودعم مشاعر التعاطف والتعاون والتراحم بين بنى البشر. واتسع مفهوم العمل الخيري ليشمل كل عمل يسهم في خدمة المجتمع بأي صورة من الصور .. وتطورت أساليب العمل الخيري فلم يعد محصورا في دائرة الأفراد ومساهماتهم الشخصية للمحتاجين من الأقارب والأرحام والجيران وحدهم، بل أمتد العطاء الإنساني إلى آخرين قد يكونون بعيدين عن دائرة الضوء التي يراها هؤلاء الكرماء الأسخياء. لم يعد العمل الخيري إذن مجرد جهود فردية مبعثرة هنا وهناك، بل صار نشاطا اجتماعيا واعيا يستهدف رعاية (فئة) من فئات المجتمع لها احتياجاتها المتعددة التي لا تستطيع إمكاناتها الذاتية أن تفي بها. اتسعت دائرة العمل الخيري لتتجاوز نطاق المجتمعات المحلية إلى الدائرة الإقليمية التي ما لبثت أن اتسعت بدورها لتصبح دائرة العمل الخيري ممتدة إلى النطاق العالمي.. واخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد