في الحادي والعشرين من آذار,عذراً يا أُم?Zي

mainThumb

22-03-2009 12:00 AM

يحتفل العالم في الحادي والعشرين من آذار وفي كل عام بمناسبة عزيزة على قلوبهم يستذكرون فيها دور الأم في تربية الأجيال ، وإعدادهم للنهوض بمسؤولياتهم في الحياة .

ويخصصون لها الندوات والمؤتمرات واللقاءات للإشادة بصنيعها وإسهاماتها وأخلاقها ، وينظمون الإشعار ويسطرون الخواطر والمقالات والخطب عبر الفضائيات والإذاعات والصحف والمجلات وعلى الشاشات تشدو المغنيات بفضائل الأمهات وتنتهي تلك المراسم وتصمت الأفراح وتفطم أقلام الإشادة والتبجيل ، وتصوم الإشعار والمقالات عن سيرة الأمهات ، وتغرق الأمهات في الثاني والعشرين من آذار إلى الحادي والعشرين من آذار المقبل في بحور النسيان وفي مستنقع العقوق وأتون الفراق والجفاء ، وفي مهاوي كبرياء الأبناء ، وفي ظلمات القطيعة والخداع ، وتظل الأيام تلفها بالنكران من فلذات الأكباد ، سوى من الجيران – إن صحا الضمير في الوجدان – يلقون إليها من وراء الجدران فضلات الطعام ، وما تبقى من موائد الرحمن ،و حينما تموت الآمال من وصال الأبناء.

تزج في غياهب دور المسنين ، بدواع يسخر منها الزمان فيحبر في أسفاره مفردات الخزي والعار لحضارة الزيف والنفاق التي عاثت في الأرض الفساد ، فتباً لك من شعوب تفوقت عليك حيوانات الغاب بالوداد والوصال والحنان وأقامت في بيتها العزاء ، وتقاطرت المخلوقات من كل الأرجاء تحمل الحنظل والشوك والفر قد فتنثرها في وجه أقزام المبادئ والأخلاق تلك هي الشعوب اللاهثة وراء سراب الحضارات وتتعامى عن حقيقة الإيمان والإسلام الذي رفع الأم إلى منازل النجوم ، وجعل طاعة الرحمن مقرونة بطاعة الأمهات ليس في الحادي والعشرين من آذار بل على مدى الأيام والسنين ، مصداقا لقوله تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " ويربي الإسلام المجتمعات على تقديم الطاعة للوالدين " الأب وإلام " فيحرّم كلمة أٌفٍّ لهما ، ويأمرنا سبحانه وتعالى إن نذل لهما لقوله تعالى " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " ويدرك ديننا الحنيف إن مكانة الأم المربية الفاضلة لا تعادلها مكانة ، لأنه حمّلها تكليفاً سامياً عليه يتوقف مصير الحياة ، فإن أدت هذه الرسالة بشجاعة واقتدار كانت مدرسة ريادية في إنجاب الأبطال والفرسان الذين يأبون الذل والمهانة ، ويرفعون ألوية الشهامة والكرامة والعزة والشرف والكبرياء المستمدة من دينهم الحنيف .

لهذا كله اعز الإسلام الأم وجعلها منارة دائمة تكلؤها عناية الرحمن وحثنا على الدوام إن تبقى لها السيادة على عروش القلوب لا ينازعها احد على هذه المكانة إلا كانت له النهاية في حضيض الندامة والنذالة .

واليوم نحن الأبناء نقف على مفترق الطرق ، فإما إن نغرق في قطار تاه في سراب الصحراء ، فنعزف على قيثارة ركابه وربانه أناشيد السفور وخصال الرذيلة ، فتقذفنا الأمواج على هامش الحياة جثة لا حياة فيها فنغيب عن كواكب الحقيقة ، ونشارك في تكريم الأم يوما كما في الغرب جرت أخلاقهم وسنة الحياة بينهم والتقاليد والأعراف .

أُمي يا نبع المحبة والكرم ، أمي أنا من بساتينك زهرة ، أنا من رحيقك قطرة ومن سنابلك حبة ، ومن عباءات فضائلك خصلة ، ومن بحار صبرك نقطة ، وحينما ألقيت مرابع الصبا وراء ظهري ، وودعت أيام جهلي وحطمت نوافذ صبابتي ، وألقيت عصا تمردي ، ودحرجت معاول عنادي وتعصبي ، ودونت في بداية السطر حروف نهضتي ، ومحوت من أوراق قلبي كبوتي ، ولاحت في فضاءات مشاعري أعلام سعادتي مع نفسي ، لإطلالة البشرى من نافذتي لأخطو البداية في درب الهداية في زمن أُمي ، في أيام أمي ، في ساعات أمي ، وفي نهار أمي ، وشمس أمي ، ولكن ............ كانت بدايتي نهاية أمي كنت مدللا في عهد أمي معزز الجاه في حضن أمي ، وأقراني من حارة قريتي ومن حارات قريتي هيهات يدخلون من بوابتي ، لان أمي نحتت من صخور قريتي بيتي ، فتاه علما تداعبه نسائم النهر و البحر وأمي تحني كل يوم من الطلوع إلى الليل بالزعتر يدي ، وتربت بيديها الطاهرتين على كتفي الآن في الميدان أنا وغداً فلذة كبدي ، تكمل المشوار وأنا عصا الترحال ألقي ، فيدق ناقوس الخطر فترحل أمي ، ويصمت الكون لرحيل أمي ، وتندب الجبال والتلال والسهل والوعر أمي ، وتنحني سنابل القمح إجلالا لامي ، والزعتر والمرار والخبيز والخرفيش والفطر والشومر والدوم كلها تبحث عن أمي ، ولما طالت غربة أمي وطالت نباتات قريتي أيقنت إن أمي غابت ..... رحلت .... ماتت .... تحت التراب سكنت ..... والزعتر على قبرها يكبر والخبيز والمرار تمتد إلى العمق معانقا يديها فيعود صفر اليدين باكيا .

لم يغب عن ذاكرتي رسمك يا أمي ، وإذا كانوا يحتفلون بك يوما في العام يا أمي فاعذريني وسامحيني فانا لست منهم وعزائي إن ما ظل من شقيقاتك وصاحباتك بعدك هن أمي ، وأياديهن يدا أمي ، وعيونهن عينا أمي وحضنهن الدافئ حضن أمي .

أمي معذرة أطرزها في كتاب يضم بين دفتيه ملايين السطور أبوابه وفصوله وجمله وفقراته عناوينها " مفردة " فقد عرفوك في الحادي والعشرين من آذار من كل عام وألقوك في غيابة الجبِّ يا امي.

أمي لن أهديك باقة ورد كما يفعلون في ذلك اليوم ، ولن احتفل بك يوما ثم أنساك ، ستظلين نبراسا يشق ظلام الليالي الحالكات ، وسأظل وراء أقدامك أتلمس نور الحياة ، لان جنة الله – كما يقول عليه السلام تحت أقدام الأمهات .

أمي إن فكرت روحك بالعودة ثانية إلى الحياة – ولن تعودي – إلى الحياة ، فبالله عليك لا تعودي ، لأنك لو عدت وشاهدت حال الأمهات على مسرح الحياة لعدت إلى حضن قبرك الدافئ .

أيا أمي أما تدرين عن أسماء الأمهات في عصر الحضارة وثورة المعلومات ، هجروا خديجة وعائشة وفاطمة وزينب وكوثر وسارة ورقية وأسماء,واستبدلوها بجاكلين ، ونانسي ، وجويكا ، ونادين ، وريتا ، وهيلاري ، والحبل على الجرار ، وامتهنوا الأمهات في الشوارع والحارات بالصدقات ، وهن على قارعة الطريق وأبواب المدارس والجامعات ومساجد الرحمن يستجدين الصغير والكبير وهن محط سخرية الكبار والصغار . وتدك حصون الرشيد وغزة هاشم وبلاد المسلمين في كل مكان ببوارج الأعداء وتسبى الأمهات وتنتهك الإعراض والحرمات ، والأمهات تتناثر أجسادهن في الشوارع والساحات ويفطم أبناؤهن قبل حين الفطام بآلة مدعي حقوق الإنسان والذين عرفوا الأمهات في الحادي والعشرين من آذار .. فعذرا يا أمي .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد