رجال أمن .. بلا رواتب

mainThumb

08-03-2010 12:00 AM

المهندس هشام خريسات

في إحدى المحطات التاريخية لجهاد الشعب الفلسطيني وعندما حدثت مجزرة عيون قارة للعمال الفلسطينيين الذين قتلهم الصهاينة بدم بارد قبل عشرين عاما تفجرت التظاهرات الغاضبة في المخيمات الفلسطينية في الأردن، وكنت وقتها أقطن بجوار أكبر هذه المخيمات وأعرقها، وشاركت بفعالية في معظم تلك المظاهرات التي خرجت أحيانا عن الطور والسيطرة لتمتد خارج المخيمات وتمر ليلا قرب منزلنا الذي تجاوره خمارتان يمتلكهما بعض جيراننا من المسيحيين، وهنا بدأ بعض المراهقين بالتحرش بأصحابهما و رجمهما بالحجارة و المناداة لإحراقهما، في هذه اللحظة الحرجة استنجد بي جاري صاحب الخمارة فخرجت من بيتي مهرولا ممسكا بعصا غليظة و بلباس النوم وصحت بالمتظاهرين موبخا ومعنفا وصرخت فيهم إن الإسلام أمرنا أن ندافع عن أهل الذمة بدمائنا.. فانكفؤوا مولين.
منذ ذلك اليوم وجاري صاحب الخمارة يكن لي كل الاحترام والتقدير ويبدأني بالتحية الحارة عند ذهابي لصلاة الجماعة في المسجد القريب والعودة منه وإلى يومنا هذا رغم انتقالي للعيش في منطقة أخرى ثم ثالثة ورابعة.
وبعد ذلك بسنوات عندما تنادى الإسلاميون وقوى المعارضة الوطنية إلى مهرجان في المحطة منعته حكومة المهندس علي أبي الراغب وأصدرت أمرها بضرب المتظاهرين حتى قياداتهم، فضرب الأستاذ سليمان عرار رحمه الله والدكتور إسحق الفرحان و الدكتور عبد اللطيف عربيات وكلهم من أصحاب المعالي وأدخلوا المستشفيات، حاول بعض المتظاهرين بجانبي الدفاع عن أنفسهم بالحجارة فنهرتهم بعنف ومنعتهم، وكان أهون علي أن أضرب بعصي إخواني رجال الأمن من أن ألقى الله تعالى وقد آذيت مسلما، وكان جزائي في تلك الموقعة أن باغتني عناصر مكافحة الشغب وأرادوا أن ينهالوا علي بهراواتهم لولا أن أطلق المولى ساقيّ في اللحظة المناسبة –ربما لصفاء نيتي- و كنت أخف حملا للحم والشحم من اليوم، وانحزت مع ثلة من المشاركين إلى درج ضيق في شعب من شعاب جبل التاج، وهناك أقمنا مهرجانا مصغرا خطبنا فيه الأستاذ سعود أبو محفوظ، مستذكرين غزوة أحد وما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيها من الأذى.
ولما استشهد أخي في الرضاعة قبل أعوام برصاصة أخطأت هدفها على يد ضابط من ضباط الشرطة، وقامت انتفاضة مصغرة في حي أهله وأغلقت الطرق بالإطارات المشتعلة وتعالت الأصوات بالانتقام، وقع اختيار قيادة جهاز الأمن العام علي لأكون عامل التهدئة المؤثر على الشباب الغاضبين حيث خطبت فيهم وهم متجمهرون في الشارع العام مؤكدا على أن دم رجل الأمن مقدس كدم الشهيد المظلوم، وكنت وسيط الإصلاح مع النواب والوجهاء وشيوخ العشائر الذي يحوز ثقة الكبار المكلومين والأهل المصابين، ووفقت بذلك ولله الحمد.
استذكرت هذه المواقف وأنا أقرأ التعليقات الغاضبة على مقالتي قبل أيام بعنوان "وما نيسان عنا ببعيد" والتي حذرت فيها من خطورة تفجر الغضب الشعبي الذي وصل إلى حد الغليان بسبب السياسات الاقتصادية الحكومية التي أزهقت روح المواطن، وكانت بعض التعليقات وصفت مقالتي بتعدي الخطوط الحمراء والتحريض، بينما نسي المعلقون أن الإسلاميين المعتدلين في الأردن هم الاتجاه الحزبي الأكبر الذي يقف ضد العنف السياسي السلطوي والجماهيري، وكان موقفه واضحا في هبة نيسان عام 1989 وانتفاضات الخبز العديدة التي تلتها، والتي منعت في إحداها من الخطابة المسجدية إلى يومنا هذا.
إن كان أمن الأردن والحفاظ عليه وظيفة للبعض يقوم بها بكل إخلاص فإن أمن الأردن بالنسبة لنا عبادة نتقرب بها إلى الله ونقوم بها بلا مقابل، إننا جميعا رجال أمن.. بلا رواتب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد