أهل التمثيل وأهل التحصيل .. كلام آخر في الفكر والسياسة .. !!

mainThumb

08-03-2010 12:00 AM

موسى الصبيحي

تتغير حياة الإنسان في مراحل مختلفة من عمره، وفي لحظة ما قد يطرأ تغيير سريع بالمعنى المحسوس دون أن يعني ذلك أنه بلا جذور... التغيير لا يعني دائماً أن ثمّة محركات تدفع باتجاه معين، لكنه فعل ناجم عن تدافع ذاتي، وقد يكون ذلك بأبعاد خارجية، وربما يكون ناجماً عن حالة سكون عميقة في النفس، مدفوعة بقوة هائلة ضاغطة كنتيجة حتمية لفعل السكون الطويل، من الصعب مواجهتها وكبحها أو إبطال مفعولها..

لا أتكلم هنا بفلسفة ونظريات، ولكن عن واقع قد يواجه أي إنسان في لحظة ما، فإنْ لم يكن عارفاً ببعض الحقائق النفسية والإنسانية العامة ذات الصلة بهذا الشـأن، فقد يصاب بانكفاءة بالغة، وقد يترنّح ويسقط من أول مواجهة، والأمر نفسه ينطبق على المجتمعات تماماً كما الأفراد، فالبعض يحب المفاجآت والتغييرات، والبعض يحب الرتابة والسكون، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمعات وهي بكل الأحوال مدفوعة بهواجس البشر وطرائق تفكيرهم..!!

من هنا، نجد أن الفرصة السانحة لبلورة فكرة نافعة في الذهن، قد تكون إحدى البدائل المهمة في توجيه دفة التغيير ومساره، ومع الأسف، الكثيرون لا يعيرون هذا الموضوع الأهمية التي يستحق، ومن هنا نرى أن الكم الهائل من الأفكار التي يتبادلها الناس كل يوم عبر الأثير أو عبر السطور، وتعصف بالأذهان صباح مساء ليست ذات جدوى حقيقية، ولا أثر لها في واقعهم.. في حين أن الفكرة الواحدة، إذا توفرت لها البيئة الملائمة القادرة على احتضانها وتهيئتها وبلورتها وتشكيلها بإيجابية، ستكون مؤهلة لإحداث تغييرات كبيرة في حياة الناس والمجتمعات..!!

مشكلتنا في العالم النامي، أننا لا نعطِ أفكارنا قيمة، وكثيراً ما يتحمل أصحابها وزر تفكيرهم، وأحياناً يحاسبون ويعاقبون على أفكارهم حتى قبل أن تُختبر..!!

قيمة أي إنسان بقدر ما يحمل من أفكار، لا كمّاً وإنما نوعاً، وهذا يمنح فرصاً أوسع لكل أفراد المجتمع للتعبير عن قيمهم وقيمتهم، بصرف النظر عن المكانة الاجتماعية التي يحتلونها بحكم وظائفهم أو ثرواتهم أو شهاداتهم العملية، فالموضوع لا يتصل بالتحصيل بقدر ما يتصل بالتمثيل..!!

هنالك فارق كبير بين منْ يحاول الحصول على القيمة من خلال حصوله على الوظيفة أو الثروة أو الشهادة العلمية، وبين منْ يسعى للحصول على القيمة من خلال تمثيل صادق لموقعه في المجتمع..!!

في مجتمعاتنا ثمة خلط كبير بين الاثنين، أدّى إلى فقدان التوازن المجتمعي فضلاً عن فقدان التوازن الفردي، وأصيب البعض بانتكاسة ورِدّة عنيفة كنتيجة لذلك، بيد أنّ الذين فكّروا بعقلانية، ووزنوا الأمور بهدوء، وعرفوا كيف يمكن تكريس الأفكار لخدمة المجتمع، كانوا الأكثر استحواذاً على القيمة، دون أن يلهثوا وراءها..!!

العدوى انتقلت إلى أهل السياسة، فأصيب سياسيون بارزون بمرض الشهرة، ومع أنهم لم يفيدوا مجتمعاتهم بقدر ما أشبعوا رغباتهم في الشهرة، فقد جلسوا ذات مساء صافِ في فناءات بيوتهم، بعد أن توقفت عدسات الإعلام عن ملاحقتهم، وتساءلوا: أي قيمة أضفناها في الحياة، وهل ما بلغناه من تحصيل كان مفيداً ونافعاً لنا ولمجتمعاتنا..!!؟

البعض امتعض وانتحر.. والبعض فكّر ملياً ثم تراجع واستغفر، والبعض الآخر أخذته غفوة إبليسية فتمادى في الباطل وبطرْ..!!

الدرس: ليس سياسياً منْ تغلبه الشهرة على الفكرة.. وليس وطنياً منْ يُؤْثر التحصيل على التمثيل..

فيا أهل السياسة: احذروا فثمة مطبّات على الطريق قد تطيح بكم في لحظة يتعالى فيها جنون الشهرة على رصانة الفكرة.. فتخسروا، وتخسر أوطانكم..!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد