الأقاليم بعيدا عن التسرع والتنجيم

mainThumb

11-04-2009 12:00 AM

قرأت كثيرا مما كتب عن توجه الحكومة إلى تقسيم الأردن إلى ثلاثة أقاليم رئيسة, وبين مؤيد ومعارض اعترف أن أحدا لم يقنعني في حجته.
قررت أن اقرأ أكثر عن تجربة الأقاليم وان استحضر ما اعرف أيضا في هذا الموضوع, وما تختزن ذاكرتي من تجارب حول فكرة الأقاليم الجديدة وتجربة المحافظات الحالية.
وهنا اقول, لقد شهد العقد الماضي بشكل عام اهتماما كبيرا وفي كثير من دول العالم بفكرة الأقاليم خاصة في ضوء التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي أصبحت تشكل تحديات كبيرة على مستوى المحافظات, مما جعل أفضل الحلول وأكثرها قبولا يكون في تشكيل ائتلافات بين دوائر ومحافظات مختلفة تتشابه وتسير في خط جغرافي واحد.
إن هذا الاهتمام والتوجه ليس بالأمر المثالي الذي قد يخلو من الأخطاء أو الهفوات, ولكن دولا كثيرة سبقتنا في هذا التوجه ودرست بتأن موضوع الأقاليم وجاءت بنتائج ايجابية في هذا الموضوع. دانيل برنهام Daniel burnhams وفي العام 1909 وفي كتابه المسمى خطة تشيكاغو أكد على الحاجة إلى تطوير البنية التحتية وتطوير قطاع النقل والاتصال على مستوى الإقليم أكثر من مستوى المدينة.
وإذا ما قال قائل ان شيكاغو بحجم الأردن, فأقول نعم, ولكن إذا كان الحجم والمساحة هي الأساس في التقسيم فثلاث أقاليم أحسن من12 محافظة.
إذن لماذا يجب أن نسير نحو الأقاليم؟ ولماذا يجب أن نرحب بالأقاليم؟ هل لأن الأقاليم جاءت من الحكومة وأصبحت حقيقة صامتة؟ أم أن الاقتصاد الأردني أصبح إقليميا؟ أم لان المدن الأردنية وألويتها وقراها أصبحت متداخلة جدا ولا نكاد نميزها أو نفرقها عن بعضها البعض؟ ما الذي قد نكسبه من الأقاليم وما الذي قد نخسره؟
الم تكن محافظة اربد وحتى منتصف الثمانينات على سبيل المثال لا الحصر تضم أربع محافظات هي المفرق وعجلون وجرش إضافة لاربد ذاتها التي تضم الألوية الآتية: لواء المزار الشمالي والرمثا ولواء بني كنانه, لواء القصبة, لواء بني كنانه, لواء الكورة, لواء الطيبة ولواء الوسطية ولواء الأغوار الشمالية. هل يستطيع الكثير من أبناء اربد مثلا الفصل بين اربد ولواء المزار الشمالي مثلا أو لواء بني عبيد واربد جغرافيا؟ هل يستطيع أبناء اربد وعجلون التمييز والفصل بين حدود المحافظتين؟ كم تبعد المسافة بين لوحة الترحيب بالزائر إلى عجلون ولوحة الأمنيات بالسلامة لمغادر اربد إلى عجلون من جهة المزار الشمالي ؟ ولمن لا يعلم ذلك أقول أن المسافة لا تتجاوز العشرين مترا على ابعد تقدير فضلا عن تداخلها في مواقع ومواضع كثيرة.
الأمر ذاته ينطبق على عمان والزرقاء والسلط وما حولهما فهما يشكلان امتدادا جغرافيا واحدا وأظن أن أحدا لا يستطيع أن ينكر ذلك. الم تكن المنطقة الشمالية من الأردن ومعها جزءا من سوريا تشكل وحدة طبيعية واحدة تعرف بحوران؟
الم نجرب فكرة المحافظات؟ هل جنينا منها مكاسب كثيرة ؟ هل تحسنت الأوضاع الاقتصادية في المحافظات الأردنية؟ هل تحسنت وتطورت الأوضاع السياسية على مستوى المحافظات؟ هل نجحنا في علاج جيوب الفقر وتطوير المحافظات؟
الم تطمع وتطمح كل قرية ولواء في الأردن بان تتحول إلى محافظة ؟ وهل هذا التحول الإداري أمر طبيعي ومنطقي؟ الم يترتب على ذلك أعباء اقتصادية وإدارية وتعليمية واجتماعية كبيرة وكثيرة؟ الم تحاول كل محافظة أن يكون لها جامعتها الخاصة بها على معرفتنا واعتقادنا بعدم منطقية وإمكانية ذلك؟.
إذن ما الجديد الذي قد تقدمه الحكومة وفق التقسيم الاقاليمي الجديد؟ وما الفائدة التي قد تترتب عليه؟ إن النمو الاقتصادي الذي قد يحث جراء تضافر وتوحيد جهود أكثر من بلدية أو محافظة في إقليم واحد قد يؤدي إلى تعزيز التنافس الاقتصادي والتعاون الإقليمي بين بلديات الإقليم. جزء مهم من هذه التنافسية والتنمية الاقتصادية يأتي من الفكرة التقليدية لمزايا الاتحاد والتكتلات, أي تكتل واتحاد أكثر من بلدية وجهة أو مؤسسة لتعمل معا, إذ أن العديد من الجغرافيين ومخططي المدن يقولون بان التكتلات تأتي بنتائج أكثر ايجابية للإقليم.
النظريات الاقتصادية التقليدية تقول, أن الدخل للأقاليم يتقارب, حيث أن الأقاليم الفقيرة تتحسن, فيما الأقاليم الغنية تحافظ على مستواها وإذا صح ذلك فان الأقاليم ستكون الخيار ألأفضل كوحدة اقتصادية تنموية.
إن مثل هذا الأمر يصدق أيضا على أن وجود تفاوت واختلافات في مستوى الدخل أو الموازنة لمعالجة الفقر يجعل الوضع أفضل وأكثر فاعلية على مستوى الأقاليم.
هذا على الصعيد الموضوعي أما على الصعيد الشخصي فإننا نحاول أن نرى العوامل التي قد تظهر لنا ماذا سيفعل قادة الأعمال والاقتصاد أو العاملون في مجال العدالة الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني من اجل تحقيق أهدافهم على مستوى الأقاليم؟ إذ أن من المتوقع أن نرى اهتماما واضحا وكبيرا من القيادات الاقتصادية والقيادات الاجتماعية للاستجابة السريعة للأقاليم.
إن القول أيضا أن الأقاليم ستعزز الإقليمية وتزيد منها قول مردود على قائليه, ويمكن تفنيده, فالإقليمية تنمو وتزداد كلما كثر رموزها وأشكالها. أي إن كثرة عدد المحافظات والألوية والمسميات الأخرى للاماكن في الأردن على صغر مساحتها الجغرافية قد صنع حالة من الاختلاف والإقليمية بين مختلف المحافظات والألوية في الأردن.
كما إن من المهم أن نتذكر التجانس العرقي والديني الذي يمتاز به أبناء الشعب الأردني والأردن عامة عن غيره من الدول الأخرى, والذي يبدد فكرة الإقليمية عن الأقاليم.
إن التجربة العراقية بتقسيم مناطق العراق مثلا إلى أقاليم عرقية أو دينية كالأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب, أمر غير وارد في الأردن لعدم وجود مثل هذه الاختلافات العرقية أو العقدية الدينية كما أسلفت.
كما أن الصراعات الاقتصادية على مصادر الثروة في الأردن غير واردة أيضا على اعتبار أن الأردن من الدول الفقيرة الخالية من الثروات التي قد تتصارع عليها الأقاليم لاحقا وليس كالعراق أيضا والذي تتصارع فيه القوى الإقليمية على النفط والثروات الأخرى. وإذا كنا نتحدث عن بعض الممارسات الفردية الإقليمية الضيقة, فهنا يجب أن نكون منطقيين وموضوعين في هذا المجال ونسال أنفسنا, الم يكن بعض أبناء كل محافظة يقارنون أنفسهم بغيرهم من أبناء المحافظات الأخرى؟ الم تكن مثل هذه المقارنات إقليمية في كثير من الأحيان؟ الم تولد حالة من عدم الرضا والحسد بين أبناء المحافظات؟ الم يشعر بعض أبناء المحافظات بالظلم والدونية؟ الم يكن يشعر بعض أبناء محافظات الكرك والطفيلة ومعان بأنهم اقل حظا من أبناء المحافظات الأخرى أحيانا؟
الم يشعر بعض أبناء اربد أو الشمال بأنهم اقل حظا من أبناء العاصمة عمان؟ الم نكن نمارس العنصرية والإقليمية بعدد المحافظات والألوية وعددها بالمئات؟ عدد الأقاليم 3 وهي اقل بكثير من عدد المحافظات والألوية, وإذا كنا سنفترق لا محالة فانا سنفترق على 3 شعب بدلا من أن نفترق بعدد المحافظات أو أكثر وهذا أفضل.

استطيع أن أتفهم تخوف البعض من تجربة الأقاليم, ولكن وفي الوقت ذاته ينبغي لنا أن لا نحمل الموضوع أكثر مما يحتمل. إن القول أن الأقاليم الجديدة قد تؤدي إلى تقسيم الدولة الأردنية لا سمح الله ولا قدر وإضعاف قوتها وهيبتها تخوف لا أساس له, فالدولة الأردنية أثبتت قوتها وهيبتها في مواقع سابقة كثيرة واثبتت أنها أهل لكل تميز ونجاح وثبات. وحتى لا يعتبر البعض هذا الكلام عاطفيا أقول أن مساحة الأردن الجغرافية الصغيرة لن تكون خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية, ومن يعرف أبجديات الجغرافيا يعرف ذلك يقينا, فالدولة الشاسعة المساحة هي التي يصعب عليها السيطرة على مناطقها وأقاليمها وليس العكس.
كما أن القول أن الأقاليم ستعزز الجهوية والإقليمية أيضا قول يعتريه الشك, فنحن الآن وبصراحة وشفافية دولة تعاني من هذه الأمراض معاناة تعترف بها الحكومة قبل تقسيم الأردن, وبالتالي فهي ليست جديدة ولن تظهر فقط بعد الأقاليم.
إن التخوفات التي أثارتها بعض الشخصيات والأحزاب السياسية من مشروع الأقاليم تخوفات منطقية من حيث الإحساس بالمسئولية والتحوط والانتباه لها, أما من حيث التشخيص للأسباب التي قد أدت أو قد تؤدي لها فهي للأسف ليست صحيحة.
إننا نحن من قد يكرس الإقليمية والجهوية بممارساتنا أو من قد يعالجها سواء أكان الأردن مقسما إلى ثلاثة أقاليم أو اقل أو أكثر. نحن من نصنع النجاح والفشل ولسنا أداة بيد الإخفاق أو الفشل.
اعتقد أن من المهم أن نكون ايجابيين في تعاملنا مع هذا التوجه الجديد, وان نحاول إنجاح هذه التجربة التي نحن ونحن فقط القادرون على إنجاحها أو فشلها لا قدر الله. وأقول لكل من قد يخالفني في طرحي هذا, أتحداك أن تقدم لي مرضا أو هما أو وجعا جديدا قد يعاني منه الأردن بعد الأقاليم لا يعاني منه ألان قبل الأقاليم.
وهنا اسأل أيضا هل نحن مجتمع مثالي الآن؟ وهل التقسيم الجديد والأقاليم الجديدة ستعيدنا إلى الوراء؟ الأردن أمانة بأعناقنا جميعا وعلينا أن نقدم كل ما بوسعنا لإنجاح هذه التجربة وتحويلها إلى أنموذج يحتذي في المنطقة. إن الحكومة الأردنية الموقرة أمام تحد كبير حقا لإنجاح هذه التجربة, وهي مطالبة بالتنفيذ المهني المدروس والمحسوب, وهي مدعوة كذلك للاستفادة من الطاقات الأردنية الخلاقة الصادقة الوطنية بعيدا عن المحسوبية والجهوية والشللية والعشائرية الضيقة التي قد تفشل الموضوع.
في الختام أرجو الله سبحانه وتعالى لأردننا الحبيب الغالي كل تقدم وازدهار, ولقيادتنا الهاشمية المظفرة النصر والسؤدد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد