و?Zظُلْمُ ذ?Z?Zوِي القُرْب?Zى ..

mainThumb

13-03-2010 12:00 AM

الدكتور حسن فالح البكور

بينما كنت ظهيرة ذلك اليوم مسترخيا في حجرتي, تجوّ?Zل خاطري في ذاكرة الزمن وفتّ?Zش في صفحاتها وصور أعلامها والمغمورين منها, فإذا عيناي تذرف دما على من خط?Zّ?Z منهم أسفار التاريخ بأحرف من نور, ما يزال بريق آثارهم خالدا في القلوب والعقول, كلما طُويت الأيام لم ازدد منهم إلا قربا ، فعليكم أحبتي شآبيب الرحمة وقناطير الغفران ، وفجأة يُقرع الجرس ثلاث مرات متتاليات ، ليسرق حبل التواصل مع الراحلين الشرفاء ، فتصمت الذاكرة وذلك السجل الخالد, ليعود في أدراج الملفات الساكنة, ريثما يُستدعى من جديد ، ويستأذن الضيف بالدخول ,ويجلس قُبالتي صامتا, ولكنني استشعرت أن قنبلة الغضب ,تكاد أن تنفجر بين لحظة وأخرى بين يدي, فدعوته إلى شربة ماء باردة, لعلها تطفئ النيران المشتعلة في أحشائه ، بعدها تنهّ?Zد طويلا ، وأذنت له بالحديث ، فشرع يحكي قصة طويلة ,كنت ملما بتفاصيلها ,وعلى علم بأحداثها, وبينما كان يسرد هذه القصة, كان يتوقف عند كل مفصل من مفاصلها, فيجهش بالبكاء المر الذي يعبر عن حرارة داخلية, نابعة من أعماقه المجروحة والمكلومة ,وفيما يلي مشهد من الأحداث التي ساقها :

فوالله يا أخي لا أدري ماذا يريدون بعد ، قضموا من ارضي الكثير ، ونقلوا في ظلمة الليل الحدود بيني وبينهم ,قلت في نفسي سامحهم الله ، وحينما تغافلت عن الحقيقة ، ظنوا أنني مسكين جاهل ، وسوّ?Zلت لهم أنفسهم بقطف ثمار الحمضيات واللوزيات في مزرعتي ، فقلت في نفسي أبناء عمِّي، ادّ?Zخرها عند الله حسنى، فحكوا: خائف من سطوتنا ، وبعد أيام كان صغيري يستظل بفيء شجرة الليمون ، فجاء أبناء العمومة,يستجدون منه الثمار, ولما عرُّوها تأفف الابن, فشجوا رأسه, وجاءني النذير بقميص كله دم ، فشممت الرائحة, وقلت حتى الصغير سوّ?Zلت لهم أنفسهم قتله ، فصبر من الله العظيم جميل ، وأما أم أبنائي, فشرّ?Zحوها على مِقْص?Zل?Zتِهم إربا إربا ، وكذا العفيفات الطاهرات من فلذات قلبي, جلدوهن بسياط القيل والقال ، وهن من أرحامهم لسن ببعيد ,وقطع من أجسادهم,ونسيج جلودهم فأين هم من رحمة الله ؟ ويا ليت الأمر عند هذا الحد كان، ولأنني في كل موقف, أحتسب أمري عند الله، تمادوا في الوقاحة وعلى الملأ قالوا : من أصول هجينة أنت,و من وراء البحار جئت ، فلا أرض, ولا عرض ,ولا قربى بيننا وبينك, فاخرج من حيِّنا ، فأنت الشيطان الرجيم ، وضيّ?Zقوا علي الخناق ، حتى الهواء والماء, حاولوا حجبهما ، فلا والله غير الله لي سند, ونعم الوكيل الله ،وناديت أهلي من هنا ، وأقرب الناس وجيراني ,لعل ضميرا, يستيقظ من غفوته, فلا حياة لمن تنادي,

لقد أسمعت لو ناديت حيا ......... ولكن لا حياة لمن تنادي

وقاطعته, ثم استوقفته, وقلت له:يا هذا إن كنت كما تقول ، فو الله إن لك لأجرا عند ربك عظيما ، اصبر على أذي الناس, يغفر لك الله ، اصبر على ظلمهم, فأنت معدن أصيل, وكنز ثمين ، وقاطعني على الفور ليقول : لو كان م?Zنْ ظلمني مِنْ جيراني والناس مِنْ غير أقاربي, لهان علي الموقف ، لكن الذي سفك دمي ، وأحلّ?Z محارمي ، وانتهب ملكي ، ودنّ?Zس سعادتي ، وطعنني بخناجره في ظهري, هو عمي, وخالي,وأخي , وابن عمي ,وابن خالي ، وأقرب الناس إلي, ومن دمي ولحمي , وأنت يا أخي تدعونني إلى الصبر ، لقد صبرت إلى حدٍّ ملّ?Zني الصبر نفسه ، وضجّ?Zت من تواضعي وتسامحي كل قيم الشرائع السماوية ، فما الحل عندك يا صديقي ؟

قلت معزّيا إياه : لقد كان من قبلك الأنبياء والمرسلون, يتعرضون للأذى من القريب والبعيد ، فقد كان رسولنا الكريم محمد- صلى الله عليه وسلم- غريبا بين قومه ، ويتلقّى الاهانة والسبّ?Z والشتم من أقرب الناس إليه ، فقالوا عنه الشاعر والساحر والكاهن والمجنون ، وتمادوا عليه ليقتلوه ، وتعاونوا عليه لوأد دعوته في مهدها ، وألّبوا عليه الصغار في الأسواق, يلقون عليه الحجارة ويرمونه بالنفايات ،وأخرجوه من مكة المكرمة أحبّ البلاد إليه , ومع ذلك ظل صابرا , وحينما عاد إليها منتصرا ,سامحهم, وعفا عمن أساء إليه ,وقبل سيّدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- كان سيدنا إبراهيم ,وموسى, وعيسى ,ولوط , وجميع الأنبياء الذين حاربهم أهلهم وأقرباؤهم , فما عليك إلا أن تتسلّح بالسلاح الذي حمله الصابرون من قبل, انه الصبر والعفو مهما أساء إليك الآخرون , نعم أخي الكريم إنّ?Z طعنة القريب أشدُّ إيلاما من البعيد , وانّ?Z سهم القريب أكثر فتكا من البعيد , وإذا كانت رصاصات العدو والبعيد مؤلمة في موقعها , فإنّ?Z رصاصات القريب تُخلِّف جروحا لا تندمل , وآثارا يصعب معها شفاؤها , فهي كالحروق, تترك تشوُّهات مهما مرت عليها الأيام, فإن أكثر الأطباء مهارة, والمختصين, لن يتمكنوا من محاولات تجميلها وإخفاء مظاهر قصورها ,لأن الاقارب( نلجأ إليهم بعد الله سبحانه ونستنجد بهم طالبين العون والمساعدة منهم إذا تعرضنا لا سمح الله لأزمة أو مشكلة ما... فهم بدورهم سيلبون النداء ويتسابقون لإنقاذنا ونجدتنا على أكمل وجه، وهم بذلك مأجورون على تجاوبهم السريع مستحقون الثقة بكل جدارة.. لكن ماذا لو تفاجأنا بعكس ذلك تماما.. ماذا لو قوبلت طلباتنا بالرفض دون مبرر لذلك ، وتعرضت لهجمات شرسة وتهميش ومماطلة ربما مخطط لها من قِب?Zل أقاربك! يا لها من صدمة! ويا له من ألم، وأي ألم أشد من هذا، فأشد أنواع الألم إذا كان مصدره شخصا مقربا إليك فلدغة القريب أشد وأقسى ألما من لدغة الغريب)(1)

وقد صدق الشاعر حين قال :

وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّد

نعم إنّ?Z ضربة من السيف, قد تؤثر, وتؤلم, وتجرح, ولكنّ?Z علاجها قد يكون سهلا , وأما الاعتداء على الناس وانتقاص حقوقهم, وأكل أموالهم زورا وبهتانا, والتعرُّض لكرامتهم ,والطعن بأخلاقهم وأمجادهم وأعراضهم وتشويه الحقائق , وتكريم سفهائهم , واستبعاد أتقيائهم وإذلال كرمائهم , وإبعاد أعيانهم ووجهائهم الشرفاء هو الكارثة والظلم , لا سيما إذا كان المعتدي من صلة الأرحام والأقرباء , فوالله إنّ?Z ظلم القريب لقريبه أقسى من أن يُحكم على المرء بنحت الصخر ليل نهار , وأسوأ من نقل الجبال الراسيات على الصدور والظهور , وأصعب من عدِّ حبات الرمال في الفلاة في شهر تموز , وأكثر حرقة من الجمر على الجسد , لا بل وأكثر عذابا من حكم على مجرمٍ بأقسى الأعمال في المناجم تحت الأرض , نعم ولقد تذكّ?Zرت ذلك الصديق الذي حدّ?Zثني في يوم من الأيام حينما قال لي : والله يا أخي جرّ?Zبت كل معاناة في الحياة , لدغتني أفعى وشارفتُ على الموت , واستقرّ?Zت في عنقي رصاصة طائشة ذات يوم , وسقطت من بناية على الأرض مغشّ?Zيا عليّ , وفارقتني فلذات أكبادي إلى الموت , ورحل بعد سنتين الوالدان , وفجأة غيّ?Zب الموت أعزّ?Z صديقٍ إلي , وفي العام ذاته احترقت مزرعتي, وأمّ?Zا شركتي في بلاد الغربة, فأعل?Zن?Zتْ على الملأ إفلاسها, وأغلقت الأبواب , وفي الصباح من ذلك اليوم المشؤوم ,ومع اشتداد حرِّ الشمس, فقد باشرت عملي, وأنا مشتّ?Zت الأفكار في الأتراح والأحزان , وحينما صحوت, فإذا بساعي البريد, يقدِّم لي كتابا على عجل, وردني من وزارة التموين , ظننت أن مساعدات طارئة جاءتني من الوزير , تردّ?Zدت في فتح الكتاب , وأخيرا تجرّ?Zأت على القراءة ,فإذا بنصٍّ يقول : قرّ?Zر معالي الوزير إحالة المذكور على الاستيداع , نعم مررت بهذه التجارب القاسية التي إذا ما قورنت بظلم الأقارب , فإن ظلمهم يبقى الأثقل والأقسى .

وفي الختام, فإنّ?Z الألم يعصرني ,والمعاناة تجرحني , وظلم القريب والبعيد للقريب والبعيد ينشب أظافره في جسدي , ونار الحزن على ما يجري من الخصومات, والمشاجرات, يمزِّق فؤادي, ويكسِّر جوانحي, ويحطِّم آمالي ,وطموحاتي , لأنني- أنا العبد الفقير إلى الله- أشعر بمشاعر المسلمين في كل بقاع الكون , لإيماني بما قال عليه الصلاة والسلام " من لا يهمه أمر المسلمين فليس منهم " ,أسأل المولى تعالى أن يُجيرنا من ظلم الآخرين, وعلى وجه الخصوص الأحبة الأقربين,فسهامهم قاتلة ,وضرباتهم صائبة ,وظلمهم أشدّ من ظلام ليلة باردة عاصفة ذات ريح صرصر عاتية .
ـــــــــــــــــــــــــ
الهوامش

1-

ببليو إسلام

أكبر موقع أكاديمي بحثي إتاحة منشورات عربية وإسلامية مجانية

BiBlioIslam.net/ar/



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد