صحيفة السوسنة الأردنية

ايهاب الدهيسات

لم اشاهده منذ زمن بعيد, منذ ان كان يحمل دفتر الغياب و " يدور " بين الصفوف, كان يكتفي بالصمت ازاء تواطؤ الجميع على كلمة واحدة " تام ", واحيانا تام عبد السلام فيعود دون ان يترك ادنى اثر .

اليوم وجدته في السوق, استغرقت الف سنة لأذكر من يكون, ولكني تعرفت عليه عن طريق الصمت, فقد اكتفى بالاشارة الى الكستنة فأجابه التاجر بتأفف " ثلاثة ", وقضى بعض الوقت ليعلم انها ثلاثة دنانير, ومن ثم استدار وعاد من حيث أتى, وبينما كنت اختار من بين حبات التفاح عاد من جديد وسأل بدون تحفظ, " بطلع بنص ليرة ؟ ", فأخذ التاجر نفسا عميقا قبل أن يصدر الحكم بالرفض, فلملم الحيلة بشيء من خيبة الامل وخرج, ولكنه عاد من جديد, وقرر ان يقرر على طريقة الخيميائي فامسك بمجموعة من حبات الكستنة السمراء بيده اليمنى وبسط يده اليسرى بنصف دينار مذهبة, فتجهم التاجر وقال ممتعظا " لا ", وعندها رمى حبات الكستنة بوجه التاجر وبدأ بالسباب والتشهير بكل من ظن بانه متورط في فشل جميع حيله, سب الحكومة مسبات مختلفة وقد خص رئيسها بواحدة منها .

اجتمع الناس من كل صوب, وفي البداية اعتقدوا بوجود مشاجرة, وقبل ان يسالوا بدأ التاجر يدافع عن نفسه وقال " يا اخوان بدو كستنة بنص ليرة !! ", فأصيب الجميع بالنخوة وتبرعوا بشراء الكستنة على حسابهم, الجميع تبرع له, الشباب والشيوخ, النساء والرجال, وحتى الاطفال عرضوا المساعدة, فامسك التاجر بكيس اسود وعبئه بكستنة وفي بث حي ومباشر قدمه للرجل وقال " خذه على حسابي ", ولكن الرجل رفض وذهب بعيدا .

شاهدته تحت المظلة بانتظار الحافلة, فتوقفت بسيارتي وبأشارة مني ركب في المقعد الامامي الى جانبي, في الطريق أردت مواساته والتخفيف عنه, بداية قلت له بأن الصحة فوق كل شيء ووجدتها ثقيلة لو قلت له " ان الكستنة بتروح وبتيجي ", قلت له ان الدم هذه الايام بروح وبجي, فلم يفهم ما قصدته, واراد ان يجاملني فقال " الدم ممكن يتعوض " ولكن اهم شيء الصحة, وبعدها صمتنا الى ان وصلت به الى بيته وهنالك خرجت طفلة لتستقبله بعينين مدهوشتين ثم قالت " بابا جبتلي كستنة ".