وجهان لعملة واحدة

وجهان لعملة واحدة

08-04-2010 08:46 PM

قبل عشرين عاما وعندما انتقلت للعمل في إربد من المزار الجنوبي بعث لي  صديقي محمد الخرشه( أبو مجدي ) برسالة عتاب يقول فيها " بلاد العرب أوطاني ....... من الشام لبغدان" ثم يستطرد متسائلا : " لا أدري ما الذي يوجد في إربد ولم تجده في الكرك حتى تتركنا وتنتقل إلى العمل هناك  فاربد لا تختلف كثيرا عن الكرك ولكننا زرعنا في أنفسنا وهم الاختلاف واعتز كل منا بمكانه"

 يا صديقي أبو مجدي لا فرق عندي إن كنت أسكن سفح شيحان أو سهل حوران فأنا أعشق الجنوب مقدار عشقي للشمال وأجد نفسي مرتاحا تحت لهيب الصحراء بمقدار راحتي في ظل بيارات البرتقال في الأغوار.

لقد رضعتُ من تراب هذه الأرض وشربت من مائها وتغذيت على أعشابها وأعرف كل تضاريسها  فهي مرسومة على وجه أمي  وموشومة على شيخوختها . ولقد تعلمتُ في مدارسها وتخرجتُ من جامعاتها وأصدقائي من شيحان وسهول مؤتة والمزار ووادي رم وبيادر وادي السير وغور الأردن وسهول حوران وصحراء المفرق ومخيمات عمان وإربد والزرقاء. ففي كل مكان لي أصدقاء . لم أسأل يوما من هم أو من أين جاؤوا ولكنني رأيت في وجوههم سمرة الأرض فعرفت أنهم تاريخي وحاضري ومستقبلي  فحنتْ لهم نفسي واشتاقت إلى صحبتهم روحي فكانوا نعم الأهل والأصدقاء.

    شموخي من شموخ قلعة الربض وجذوري أرسخ غورا في التاريخ من حجارة البتراء فأنا من بناها  وقد سكنت هذه الأرض قبلها وهي ليست تاريخي كما يقولون بل أنا تاريخها . فإن قالوا بُنيت قبل ألفين من السنين،  فأنا من بناها فأنا مزروع في هذه الأرض  قبل عشرات الآلاف من السنين.

    لم أعرف من أين جاء جدي ولا أريد أن أعرف فتاريخي يبدأ وينتهي هنا. كل ما أعرفه أن أبي أحب هذه الأرض وعاش ومات فيها وأرادني أن اتخذها معاشا ومماتا وأنا أحب أن أنفذ وصية أبي.

    لا يهمني إن كنت من غربي النهر أو من شرقيه فالنهر قد سقانا جميعا لآلاف السنين وسيظل مسكونا فينا لآلاف قادمة. ولكني أعرف أنني وأخي في غربيه وشرقيه كنا أخوة طوال هذه الآلاف من السنين حتى جاء الغريب فأرادنا أن نكون ضيوفا على بعض وليس أهلا.  ثم أوهمنا أن أحدنا يكره الأخر ويريد سلب أرضه لكي ننسى أنه يريد قتلنا كلانا لكي يسلب هو الأرض. لم نكن قبل مجيئه أعداءً ولا نريد أن نكون كذلك الآن.

    يا صديقي أبا مجدي أذكُر كيف كنت تمازحني قائلا إن لزوجتك في القدس قطعة أرض ورثتها عن أهلها فهل سنعيدها لك إن استعدنا القدس. يومها كنت أقول أرد عليك ممازحا: " لك القدس كلها عندما نستعيدها" . نعم يا صديقي لك القدس كلها عندما نستعيدها.

يا صديقي أبا مجدي ربما تأخرتُ عشرين عاما لكي أرد على رسالتك فأرجو أن تعذرني على بطء فهمي فاليوم فقط أدركتُ أنني وأنت وجهان لعملة واحدة نحتاج لتغيير شكلهما إلى أن نصهرهما معا من جديد وحينها سيكون من المستحيل فصلهما عن بعضهما. اليوم أدركت أن بعض الأردن لا يختلف عن بعضه وكذلك بعض الناس لا يختلف عن بعضهم  فنحن نستظل تحت نفس السماء ويتنزّل علينا نفس الماء وربنا واحد سواء فلماذا لا تكون نفوسنا واحدة كما هي الطبيعة والكينونة حولنا؟

 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد