صاروخ طائش وتصريح متواضع

mainThumb

29-04-2010 07:07 AM


           التصريح الذي أدلى به دولة رئيس الوزراء في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية يوم الخميس الماضي «بأن الأردن متأكد 100% من أن صاروخ "غراد" الذي أصاب مستودع تبريد شمال العقبة لم ينطلق من الأراضي الاْردنية وأنما سقط من خارج الحدود»، تصريح أراح جميع الأردنيين لسببين :أولهما أن الحادثة نوعاَ ومضمونا غريبة على شعبنا وعلى ساحتنا الأردنية، وأننا لسنا من الذين يعمدون الى حل خلافاتهم الداخلية على طريقة"رامبو". أما السبب الثاني فهو أن التصريح جاء عكس ما عودتنا حكوماتنا من تسطيح لكثير من الأمور التي تجري على ساحتنا الأردنية مثل أعمال العنف بالجامعات ومأساة البورصة وقضايا الفساد والتأخر في أخذ الإجراءات الإستباقية التي تقي البلاد والعباد ويلات الإحباط والإفلاس.



ولا أخفيكم القول بأنني تصورت الكثير من سيناريوهات "التصريحات السطحية" المغايرة لتصريح دولة الرئيس الذي أثلج صدورنا. فقد كنت أتوقع تصريحات وردود أفعال من الحكومة على شاكلة التالي:



أولا: أن تعلن الحكومة من أن الأنفجار كان سببه إسطوانة "غاز" تابعة لأحد المواطنين والذي لم يقم بإتخاذ إجراءات التخزين السليمة، وأن الحكومة بصدد إطلاق حملة سلامة وطنية شاملة تحت شعار "المواطن السليم بالتخزين السليم" لتوعية المواطنيين بأساليب التعامل مع إسطوانات الغاز. وقد تقوم الحكومة بالتعاقد مع إحدى الشركات لتصميم منشور عبارة عن إسطوانة غاز لها أيدي طويلة وعضلات "سوبرمانية" تقوم بربط المنظم (الساعة) وفمها ينطلق منه فقاعة تنتهي بعبارة "إذا أنا بامأن ..عليك الأمأن" . هذا بالإضافة لتصميم إعلان تلفزيوني بعنوان "أم غازي" ، كلفته ثمن مليون إسطوانة غاز هدفه هز وسط الإسطوانة و إظهار مفاتنها وبعث الحياة بها لتتكلم وتقفز بحركات بهلوانية لترشدنا عن كيفية التعامل مع أنابيبنا الوطنية.




ثانيا: أن تخرج علينا الحكومة بتصريح مفاده أن الحادث كان نتيجة إنفجار طنجرة ضغط لم تقم إحدى المواطنات بإغلاقها جيداً أثناء إعداد الطعام. ومن أجل تدعيم هذا التصريح علمياً وعملياَ وإشراك جميع المؤسسات الوطنية ،فإن الحكومة قد توعز للتلفزين الأردني ، بإستضافة أكبر أساتذة جامعاتنا المختصيين بكل فروع الهندسة والفيزياء والكيمياء وغيرها للكلام عن طريقة تشكيل البخار وقوته وعن مكتشف هذه القوة العجيبة .



 وسيستمر البرنامج يتحدث عن فوائد البخار ،وسيقوم معد البرنامج بالتنسيق مع أحد أقربائه للإتصال بالبرنامج ليقترح "تجميع البخار المنبعث من أفواه المواطنين في فصل الشتاء" وتحويلة الى قوة لتحريك التوربينات لتوليد الطاقة .وفي نهاية البرنامج سوف يخرج كل المشاركون بتوصيات لعرضها على الحكومة بتشكيل لجنة وطنية بخارية ،ليس لها علاقة بالإمام البخاري طبعاً، مهمتها الخروج بدراسة علمية شاملة عن كيفية توليد وإستغلال الطاقة البخارية والحد من مخاطر إستخدامها، وإستنهاض كافة الهمم الوطنية والكفاءات العلمية لإنجاح هذا المشروع الوطني وإبتعاث البعض الى دول العالم الأول، للإستفادة من تجربتها في هذا المجال وإبتعاث من يعارض هذا المشروع الى بلاد "الواق واق" بصفته من المتآمرين على الوطن. كما أن اللجنة قد توصي بعقد مهرجان وطني فني ساهر لإستنهاض الهمم في كل المحافظات هدفه تفعيل المشاركة الوطنية وتحت شعارات من نوع: "تبخيرة لكل مواطن"..."إطلق لفمك العنان"..."لا لسياسة تكميم الأفواه البخارية".



الآن...وبعد أن أبعدنا عن أنفسنا صفة "حب تعذيب الذات وجلدها" ، وحتى تظهر نتيجة التحقيقات حول مصدر هذا الغراد "ملعون الحرسي" ، هناك تساؤل كبير أحاول طرده من رأسي ولم أستطيع أن أبتلعة أو أحفظه لا بثلاجة أو طنجرة ضغط ... هذا التساؤول يا دولة الرئيس بسيط وبريء يطرحه المنطق وكل مواطن أردني ألا وهو : "هل من المعقول أن نبادر بالتعامل مع الموقف بالنفي وبحلف الأيمان المغلظة أمام العالم بأننا لم نقم بصفع أنفسنا هذا الكف؟!.



سيدي الرئيس...قد نحتمل التباطؤ والتخبط بالتعامل مع ملفات الفساد لأسباب تقنية أو الفشل المؤقت في التعامل مع من تحايل على الناس وإمتص اموالهم لأسباب خارجة عن قدرة الحكومة ..ولكن عندما يصل الأمر الى دمائنا وكرامتنا فهذا ما نحتمله...لذا فإن التعامل مع مثل هذه الأمور التي تهدد أمننا وشعبنا يجب أن يرقى الى مستوى هكذا أحداث وأن تستغله الحكومة لتعزيز جسور الثقة بينها وبين المواطن، خاصة ونحن نعيش عصر الفضاء المفتوح إضافة الى موقعنا الجغرافي المميز بين أشقاء لنا وعدو يتربص بنا.



عذراً سيدي الرئيس ...فنحن مثلكم نغار على هذا الوطن ولا نسمح بأن نصفع أنفسنا أو يصفعنا أحد " كفاً " حتى ولو كان على سبيل المزاح أو الخطأ.


belalmtahmad@gmail.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد