براءة إختراع

mainThumb

05-05-2010 06:38 PM

براءة اختراع

غمرتني السعادة وأنا أقرأ خبراً مفاده أن شاباً أردنياً أخترع جهازاً لحماية البيئة من مخاطر التلوث بعد أن نجح وبحمد الله في الحصول على موافقة وزارة الصناعة والتجارة، التي كانت مشغولة- الله يكون بعونها- بعدة أمور منها حماية المواطن الأردني من حمى ارتفاع الأسعار، ومعاقبة المتسببين فيه، وبالتالي لايتبقى لها من الوقت مايكفي لتسجيل مثل براءات الاختراع هذه.



الشاب الأردني وصل متأخراً جداً، هناك المئات من براءات الاختراع الأردنية التي ستسجل قريباً في كل وزارات الدنيا، وربما نحصل على المرتبة الأولى "إذا شدينا حيلنا شوي". على سبيل المثال، وخلال سنتين ، أتوقع أن تصبح لدينا وفاة كل ساعة، إما عن طريق حوادث السير، أو عن طريق الطخ، على الطالعة والنازلة، والمشكلات الاجتماعية التي أصبحت حصرياً للعشائر الأردنية، متناسين هذا الإرث العشائري الاجتماعي الحضاري الضارب في جذور الأردن، والمنحوت في نقوش مدينة البتراء ، وجرش ، وأم قيس، وقلاع الكرك وعجلون، وجبال العقبة.



لاننكر أيضاً أن بعض وزاراتنا العتيدة ساهمت في تسجيل براءات اختراع حديثة. فهذه وزارة التربية تسجل براءة إختراع في إزاحة نتائج امتحان الثانوية، ووزارة الزراعة لديها براءة اختراع في الاختلاس من بعض موظفيها الذين اقروا بالواقعة، ولازالت أسماؤهم تظهر بالرموز، في الوقت الذي يظهر به أسماء متهمين آخرين لم تثبت إدانتهم ، بل تمت تبرئتهم حديثاً ،من ثلاثة مقاطع وباللون الأسود، وبالخط العريض. وزارة سياحتنا ساهمت هي الأخرى في تسجيل براءة اختراع في تطفيش السواح العرب قبل الأجانب، بسبب الأسعار الفلكية للخدمات السياحية، وبسبب التسيب في إيجاد أدلاء سياحة مرخصين تابعين لها.



لدينا أيضاً أرقامٌ وإحصائيات مهمة في مجال التدخين وخاصة في المدارس التي وصلت نسبة المدخنين فيها إلى 47%، إضافة إلى أمراض السكري، والضغط والسرطان التي أصبحت كنوبات الأنفلونزا لكثرتها. لاننسى أيضا العدد الكبير من الفتيات اللواتي تخطين سن الزواج، بسبب تكاليف الزواج الباهظة، وغيرها من التكاليف والمصروفات التي لاتنتهي. المأساة الحقيقية ليست في مثل هذه المشكلات المتفاقمة يوما بعد يوم، لأنها قد تحدث حتى في أكثر بلاد العالم تقدما.



 ولكن المأساة الفعلية هي أن المسؤولين يطمئنونك من على شاشات التلفزة، وعلى الأثير ، بأن الوضع" توب" وعال العال" ومو ناقصنا غير رحمة رب العالمين، بعثة الحج و الحجاج الأردنيين عمره ماصار معهم ولا مشكلة، المغتربين الأردنيين تستقبلهم السفارات بكل صدر رحب عند الحاجة، الواسطة معدومة، والشفافية والوضوح مبدأ. الفساد أعوذ بالله " شو فساد ما فساد" ، الوظائف على الدور، وحسب الأولوية ومعيارها الأساسي" الكفالة" قصدي "الكفاءة"، والزراعة "خزيت العين"، كيلو البندورة صار بكذا.



من الجحود نكران ماوصل إليه بلدنا من تفوق في مجالات عديدة بالرغم من قلة إمكاناته، وشح موارده، وندرة مصادره الطبيعية، ناهيك عن الثروة البشرية التي يزخر بها ، والتي تملأ الوطن العربي شرقاً، وغرباً، وتضرب أروع الأمثلة في التفاني، والإخلاص، والعمل الدءوب. هذا كله يزيد العبء على كاهلنا نحن أبناء الأردن، للمضي قُدُماً في ركب التطور والتقدم، ويضاعف الحمل والعبء على وزرائنا ومسؤولينا للحفاظ على هذه المكتسبات، دون الوقوع في مطب المديح المبالغ فيه، والعيش في الأحلام والأوهام، ووصف الأحوال وكأننا في المدينة الفاضلة.



إن حب الوطن، والانتماء له، يعني بالضرورة تعزيز مواطن القوة والتميز فيه ، وتشجيعها ودعمها،وفي المقابل، تحديد مواضع الخلل ، وتحليلها بهدف إيجاد حلول منطقية لها . كل هذا يتطلب رجالاً ومواطنين اقوياء في الحق، أشداء على الظلم، لايكلَون ولا يملَون، يضعون مصلحة الوطن نُصبَ أعينهم ، لا يتورعون عن محاربة فاسد أو محاسبته، ولا يأبهون لمتنفذ، أو صاحب مال. تذكروا ياأبناء وطني أن لدينا براءة إختراع.



 ومنذ أمد طويل في النخوة، والشهامة، والرجولة ،والتسامح،و لدينا ماضٍ عريق في الحب، والود، والوئام، فلم كل هذا التشاجر، والتناحر، والتباغض، والقتل؟ ولم تظهر حالات الفساد ، بالرغم من جهود مكافأتها، اقصد مكافحتها؟ ولم يزداد الغني غنىً، والفقير فقراً؟ لماذا لايرتفع صوت الإصلاح على صوت السلاح؟ دعونا نشيع جثامين الفرقة والاختلاف في نفوسنا بدل جثامين أقاربنا المقتولين في خلافاتنا. دعونا نقدم للعالم براءات اختراع حقيقية ومتميزة كتلك التي قدمها الشاب الأردني.

كل براءة اختراع إن شاء الله وانتم بألف خير.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد