عذرك يا بتراء .. فالأجدر بالولاء أن يكون شرقيا لا غربيا!

mainThumb

28-05-2010 12:42 AM

تعتبر مدينة البتراء الوردية، تلك المدينة التي بناها الأنباط في العام أربعمائة قبل الميلاد من أكثر المواقع الأثرية عراقة وأدقها تصميما وأبهاها حالا وأزهاها جمالا وأشدها جذبا للزوار من شتى بقاع الأرض. 

ومع بدء رحلات المستشرقين للعالم العربي وفي مطلع القرن التاسع عشر اكتشفها المستشرق السويسري "يوهان لودفيج بركهان" وكان في عام ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين قد ضمّن صور المدينة الوردية كتابة المشهور باسم " رحلات في سوريا والبلاد المقدسة". ثم وفي عام ألف وثمانمائة وثلاثين رسم الرحالة "لابودي" أول خارطة مخطوطة للبتراء كما خلّد "فريت"وفي آثاره صور البتراء في العام ذاته، ثم كانت أول لوحة فنية للبتراء وبالألوان المائية من   صنع الفنان "شرانز" عام ألف وثمانمائة وأربعين. 
            
لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل أن الغرب قد ساهم وفي القرن المعاصر في احترام وإكرام حضارة الأنباط، وكأني بهم يريدون لآثار العرب الأنباط أن تدوم في الذاكرة العالمية وتخلد في الوجدان الإنساني بل ولتكون مزارا للذين يسعون لمعرفة طريق المجد والحضارة،والذين يجعلون من عراقة الماضي سراجا يستضاء به لشق طريق المستقبل.فقد شهدت وبأم عيني مدى الاهتمام الفردي الغربي في التصويت للبتراء وتسويقها عالميا كي تسجّل وفي سفر التاريخ اعجوبة من عجائب الدنيا السبع وأنموذجا عالميا مستمدة مجدها من عزم العرب القدامى.

 ويواصل الغرب احترام إرادة وعزيمة الأنباط العرب ويقرون لهم مجددا ـ ولو من غير قصد ـ بأن آثارهم تستحق الخلود وأن مجدهم فاق قدرة الآلة الميكانيكية أو الآلة الكهربائية. فهذه الشركة المتعددة الجنسيات" قوقل"  تضع وفي صفحة البحث الالكتروني الخاصة بها اسمها وقد اتخذت من الدير وهو احد معالم المدينة الأثرية البارزة خلفية لها. 

لكن السؤال الذي يقلق الخاطر ويؤرق الوجدان هو أين أبناء البتراء ومسئوليها من هذا الاهتمام الغربي والعالمي بالبتراء؟!أليست البتراء مصدرا قوميا للدخل في هذا الوطن؟!ألا تستحق منا وقفة مع الذات؟!  أليس من قبيل الكرامة الربانية أن تحتضن الأردن مدينة أثرية كالبتراء؟!

وبحياد ملؤه الإنصاف نقول: في مرحلة الاقتراع العالمي لاختيار عجائب الدنيا السبع تحرك الإحساس المحلي في الكبار الذين هم في خريف العمر وفي الشيوخ الذين يرقدون على أسرة الموت بل وحتى في الأطفال الأشقياء الأبرياء الذين لا هم لهم سوى إتلاف ألعابهم ليشرى لهم ألعابا جديدة بدلا منها. 

وحسبي أن أذكر في هذا المقام قصة الفتى القابع في أحد صفوف مرحله دراسته الأساسية عندما أحس بنقص تجاه زملائه وأقرانه فأخذ يخبّئ مصروفه المدرسي ليشري به هاتفا نقالا من وراء أهله ليصوت به للبتراء.وفي وقتها وعندما علمت بحال هذا الفتى شدني فضول لسؤال أعرف مسبقا جوابه فسألته: لما فعلت هذا؟ وكيف تدبرت أمر مصروفك المدرسي خلال الفصل الدراسي؟ فقال هذا واجبي أما مصروفي فكفاني به الملك ففي المدرسة يقدمون موزا وتفاحا وبسكويتا.نعم الفتى هذا لقد حمل الهم مبكرا، صمت وتحمّل ولكنه لحق بركب زملائه.

لكن الأمر لم يكن كذلك لدى من تقلدوا المسئولية في البتراء، فقد رصد الشارع في البتراء ومنذ بدايات الاقتراع وحتى لحظة إعلان النتائج  ـ والتي عجت فيها الطرقات بالأهلين وتعالت هتافاتهم باسم الوطن والمليك ـ مدى السبات العميق الذي ألم بالمسئول حتى ظننا أنه سلّم مقاليد السلطة للمجتمع المحلي. وباختصار لم نرقب  ولم نسمع صوت أهزوجة وطنية ولم نرى السماء تزدان بضوء لعبة نارية كالتي تطلق في أعياد الميلاد!!. 

تطوّرت التشريعات وتبدلت المسميات واتسعت الصلاحيات فكان رئيس المفوضين بدلا من رئيس الإقليم وكان المفوض بدلا من عضو المجلس ، إلا أن السبات استمر في الوقت الذي كان الناس يعدونها غفوة المسئول الذي كلّ وملّ، علما بأنه لم يبذل من الجهد ما قلّ ولم يؤدي من الواجب ما دلّ، فالمدينة التي أمست بائسة أضحت يائسة.

من يحمل الهم، فأبناء المدينة الوردية الأنباط الجدد أحفاد الأنباط القدامى يسعون بما أوتوا من عزم لتكون البتراء مزارا، بل أنهم قطعوا شوطا كبيرا في ذلك حتى أنهم تحدوا ظلمة الليل وابتكروا البرامج التي تمكن الزائر من ريادتها ليلا لينعم بعض الوقت برومانسية المكان في جو من هدوء الألحان.

أما المسئول في عمان فقد أتاح للمسئول في البتراء كل السبل للتطوير والبناء لكننا لم نلحظ يوما ما أن هناك برنامجا فاعلا متخصصا للنهوض عالميا بالمكان تحت وطأة تسارع الزمان ولا موقعا الكترونيا فاعلا ولم يرد إلى علمنا أن فتياننا في البتراء قد نظم لهم برنامجا عالميا يجوبون فيه العالم وقد حملوا شعار الحضارة والوطن وارتدوا قمصان رسمت عليها صور البتراء الوردية وقد أحاطت بها كلمة الأردن المدثرة بعباءة العز الهاشمية.

وأخيرا فإننا لا نبحث عن شريان الشر في الآخرين بل نبحث عن شريان الخير لنذكيه، وإن لم يكن ما نريد فلن نرد ما يكون أن لم يكن على ما يجب أن يكون .

مسئولي البتراء!  أعرف أنكم منشغلون حاليا في طلاء المباني كما انشغلتم منذ مدة في بناء الحجارة وهو الأمر الذي سنضعه إن شاء الله في الميزان. ولكن عذركم أيها السادة، فهذا وطني سأكتب لأجله بقلم مداده قطرات دمي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد