خواطر عائد من مكة

mainThumb

28-05-2010 12:53 AM

  خواطر عائد من مكة

أكرمني الله عز وجل بزيارة بيته الحرام. ولازال المكان ينبئ بذكريات وخواطر كثيرة ومتزاحمة. في مكة كل شيء مختلف. الناس مختلفون، المكان والزمان مختلفان، الأهداف مختلفة ، حتى الماء مختلف.



في مكة..... ليس للسياسة مكان لامن قريب ولا من بعيد، يجتمع الناس على اختلاف مشاربهم، وتوجهاتهم السياسية تحت حزب واحد، حزب الله " أكيد ليس الذي في جنوب لبنان "، هدفهم واحد، ومصيرهم واحد. يخبو صوت السياسة، والخطب والمنابر، ويرتفع صوت المؤذن العذب، وصوت إمام الحرم فوق كل الأصوات.



في مكة .... تنتهي الأزمة المالية العالمية، بل إنها تفشل في منع مسلم مهما كان وضعه الاقتصادي من توفير بعض المال العسير لزيارة بيت الله الحرام. حتى أغنياء القوم، القابعين في فنادق راقية، يتلاقون طوعا أو كرها مع إخوانهم ممن يفترشون ساحات الحرم، يصلون وراء إمام واحد، ويرددون عبارات واحدة، والقبول على الله. سواء جئت بمركبة، أو بطائرة خاصة او عامة، يتوقف الأمر نهاية على إخلاصك، ونيتك.



في مكة.... ماء عذب، يروي الظمأُ ، لاينقطع أبدا لأنه ينساب من لدن عزيز كريم، ولأن وزارات المياه والري لاتتدخل فيه، وإلا لكان الدور كل يوم إثنين من الأسبوع. ماء زمزم طعام وشراب، يرويك ويشبعك ويشفيك بأمر الله. ماء صافٍ عذب منحه الله حصريا لزوار بيته الحرام، والحرم النبوي.



في مكة.... تجارة وشطارة، وحراك اقتصادي لايتوقف. بضاعة من كل مكان، ومن كل الألوان، حتى بلدي الحبيب الأردن أبى إلا أن يجد لنفسه مكان هناك، حيث منتوجات من صناديق خشبية جميلة تغلف بها الهدايا، وسجاد فاخر مصنوع يدويا وتباع الواحدة منه بثمن مرتفع يعادل راتب موظف أردني من الدرجة الرابعة.



في مكة... خدمة رفيعة المستوى، تشبه إلى حد كبير تلك التي تحظى بها مؤسساتنا ووزارتنا عند زيارة مسؤول. في مكة كل زائر مسؤول مهم جدا، كيف لا وهو زائر للبيت العتيق. في مكة أشغال وأعمال، سريعة ودقيقة لاتلمحها ألا بعد أن ترى الإنجاز بعينك. في مكة ضبط وربط، ونظام دقيق، ودور والتزام حتى لمن أدمنوا الفوضى.



في مكة ... حر ، وشمس حارقة من فوقك، وأرض باردة من تحتك. فصول السنة كلها تمر هناك لكنك لاتأبه بها لأن عقلك وقلبك معلق بالكعبة، وليس بوسعك أن تتمتع بجمال عشبٍ، أو منظر خلاب.



في مكة.... خيال عظيم يعود بك للوراء لتتخيل أقواماً مروا من هناك. تتذكر الجاهلية والأصنام، وتتذكر محطمها بالفأس وأنت ترى مقامه. تتذكر قريشاً، وتتذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم. تتعلم معنى البذل والعطاء والتضحية لتوصل الرسالة لغيرك.



في مكة..... تضاريس وعرة، وجبال قاسية، وواد غير ذي زرع، ومع هذا تهوي إليه الأفئدة.



في مكة.... سجاد أحمر، للفقراء وليس للوزراء. وأماكن متاحة للصغير قبل الكبير. تختفي هناك المقاعد الذهبية، والصفوف الأولى، وتصبح متاحة للجميع.



في مكة...أناس من كل مكان، منهم من حرم نفسه الطعام والشراب سنين طوال ليوفر ثمن الزيارة للبيت العتيق، ومنهم من يزورها للمرة المئة. في مكة عرب، وأجانب، وأسيويون، صينيون، يابانيون......كلهم مسلمون، جاؤوا يلبون ويطلبون العفو والمغفرة، يحمدون، يكبرون، يهللون، يمجدون ويسبحون بلهجات مختلفة وقلوب خلت من الظنون.



في مكة.. لايخجل الرجال من البكاء كما في بلدانهم، لأن الدموع تنساب ولاتدري بها، وتحس براحة عجيبة قلما تشعر بها بعيدا عن هذا المكان. في مكة غسيل للقلوب مما علق منها من خطايا وذنوب، وتغادر المكان وتقرر أن تتوب وتتحرر من اللهو، واللغو وافتعال الحروب.



في مكة ...صفقات ، وعقود وعهود، ليس مع شركاء أجانب، أو أصحاب الجيوب، لكنها مع الله علام الغيوب.



في مكة..... ذكر، وشكر ، وتفكير وشرود، تفكر كيف ستمضي بك الأيام وتعود، وقد تعود إلى هناك مرة أخرى، أو لا تعود. لكن كل ركن وزاوية وحجر في الكعبة عليك شهود.



إلى كل من حرم نفسه زيارة البيت الحرام، أذهب إلى هناك..ترَ الفرق.....وبصراحة ،مكة غير.


 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد