فراس العجلوني .. وستار أكاديمي

mainThumb

06-06-2010 07:00 AM


حين تغيم سماؤنا  بلا مطر ، وحين يخضّر زيتوننا  بلا زهر بلا ثمر، وحين تصير وقائعنا ومفاخرنا ، أغان ٍ وحفلات سمر،  نسمع هدير طائرة الشهيد ، قادمة ًمن رحم الماضي ... موجة دفءٍ كبزوغ الفجر من شرقيِّ المفرق ، نراك أيها الجاثم  في الكتب المنسيَّة  . نقطة ً بيضاء  متلألئة  ، كأنها رسولة ُ السماء  . حين تتكاثر بُغاث الطير بأظافرها اللبنيّة ،  نذكر نسرنا الكاسر،  بجناحيه وصلابة مخلبيه  ، نذكر النسر القاتل ، بالتماع مقلتيه ، حين نرى حليقي الرؤوس ، بأطواقهم ، وأساور معاصمهم ،ورطنهم ، ووطنيتهم  .




 حين طال انتظارنا على ظهر (العريشة) ،  وحين عافت  أيدينا حمل مذياع ٍ عجوزٍ ، بصوته المتهدج ،   نبحث  فيه عن صوت ٍ ناجزٍ،  بين اللّغط والضجيج  ، تطلع علينا  ذكراك  ،  محمولا بالفولاذ الطائر ،  تركب موج الأفق  الساكن  (قاعدة المفرق ) ،  حين تصطك النواجذ من الهدير القادم ، وحين يزفر الجحيم من أفواه المدافع ، ويتدافع الموت من زند رشاش  ....   نركض وراء شبح راعش بالذكرى   .




في هذا اليوم من كل عام ،  أسقط حزنا  أمام حاسوبي  ، كما جدي  سقط  . قبل ما ينوف عن الأربعين عام فوق (العريشة)  ،  وبيده  مذياعه المنهك .... سقط جدّي ،  حين سمع بأن الريح ، خانت قوادم النسر الجريح . سقط حين اندفـق الحزن دون استئذان ، ليُغرق باحة الدار الطينية .




أربعون عاما...  مدى ذاكرتي ، لكن حدود حبي للوطن أكثر وأكثر ، لكن سقطة النسر، لا زالت تبعث الخوف في نفسي ،  أمدُّ ذاكرتي الغضّة ، لحكايات  أبي ، وأقتحم  (سواليف) جيرانه ، أرهف السمع لتلتقط أذني ، وشوشات الحزن ، وبرودة الزفرات الحرَّى ، تغيب الصورة ، وتنداح ملامحها ، تحجبها سُحب التبغ (الهيشيّ)  التي تلفُّ الرجال المنهكين المستسلمين لقدرهم ،  وصوت المذياع المتهدّج ، ينشجُ فوق السطح الطينيّ ....(سقط النسر) ... سقط فراس العجلونيّ ....  حينها سقط المذياع المتعب ، وحينها أيضا ، غابت الشمس ، وغشّى الظلام بوابة الدار القديمة ،  وكأني سمعت قفل  البوابة  الحديدي  انكسر،  وكأن ما في باحة الدار، إلا النحيب ، وكأن شجرة الخروب الحبلى بقرونها ، أسقطت أجنتها ، وكأن الماء انسلّ من أوصالها ، وما هي  الا أيام ،  حتى خلعت رداءها الأخضر، ولبست كفنها ، ترقبها فؤوس الحىّ ، وتنتظرها  مواقد النساء  ....




 لا زلت أذكر كلمات جدتي ، تحدثني عن النسر( فراس ) ، وها أنا في مثل هذا اليوم ، لا أسمع صوتا أو الصدى .  أنذكرك أيها النسر ، وليالي حوران تنضح ثلجا أسود ؟!  وجبال البلقاء امتلأت نوارا موبوءا  .




  يا فراس ... لقد انطوى الجناح الذي كحل عين النجم ، ومزقت  الريح ذوائب الشجر . يا فراس لقد  صمت الشيوخ ، وارتجف الأحفاد ، وجفت  الأثداء ، وانُتزعت تمائم الصبيان  .  وأُحرقت الأكف الزرقاء . وتعويذ من ( شر حاسد اذا حسد) .




        سأصيح ...حتى وأن خُنقت  حناجر الآباء ،  سأصيح في لهف فاسمعوني ، سأصيح ... كخفق أجنحة النسور على التلال....سأصيح يا وطني ...  فوق مقابر من ماتوا لأجلك . سأصيح.... فوق مقابر من رحلوا لأجل عيونك دون زاد من نداك .  سأصيح .... بين مخافرنا ، وبين نقاط حدودنا ، بين الأوابد والجبال الخضر،  من قلب عجلون الكئيب ، من ظلمة الغور الحزين ، سأصيح في  قطع السحاب ، التي مرت بها أنفاس الشهيد .




 قهر يخض دمي  وأنا  أصيح  ، هل ُمزّقت أوراقنا ؟  وهل غُيّرت حروفنا؟! ... أرقامنا ؟!  وهل تيبّست أقلامنا ؟!  أصيح  يا أحبتي ...هل يعرف الأبناء والخلان في أردننا  (فراس) ؟؟!!



اعذروهم بالأمس صوتوا  بـ (الشات)  ،  لواحد من  الصبيان في برنامج الفرسان :  ( ستار أكاديمي ) .

لروحك يا نسر الأردن الرحمة .... والسقيا لقبرك . والفاتحة لروحك ...

 

T_obiedat@yahoo.com

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد