غريب .. في غربة

mainThumb

21-06-2010 08:00 AM


نعيش في هذه الدنيا، كلٌ يسبحُ في فَلَكه. وتمضي بنا الأيام، حيث ندري ولا ندري. بعضنا يختار العيش والاستقرار، ويرضى بالقليل، والبعض الآخر ..يمضي ، ويهاجر، ويمسي غريباً، طمعاً في حياة أفضل، وعيش أرغد، وفرص أوفر. وقد تتكلل هذه المساعي بالنجاح، فنجد ما نصبو إليه، وقد نصاب بخيبة أمل، فلا نجني سوى البعد عن من نحب ونصبح كما قال المثل الشعبي " مثل معايد القريتين".



في الصورة المقابلة، يقابلك الكثيرون، في وطنك، أو في بلاد الاغتراب ، بقناعتهم الأكيدة أنك تملك أرصدةً ، وعقارات، وحسابات هنا وهناك، وأراضٍ كثيرة. ويعتبرون أن كل مانتفوه به من وصف مرير لواقع الغربة الأليم، أو من تدني الأجور مقارنةً بتكاليف الحياة، يعتبرون هذا كله إستراتيجيات تندرج تحت المثل المصري" داري على شمعتك تقيد" ونوع من قضاء الحوائج بالكتمان ، دفعاً للبلاء، ودرءاً للمفاسد، ولتجنب "العين" التي تفنن البعض في صدها والوقوف في وجهها، فتجد من يعلق حذاءً صغيراً أسفل سيارته، أو يحتفظ بخرزة زرقاء،وحجاب يقيانه شر "حاسدٍ إذا حسد" جرياً على "خرافاتنا" أقصد عاداتنا الجاهلية.



في بلاد الغربة تسمى وافداً، ولهذا المسمى وقعٌ مؤلمٌ على آذان المسئولين في بلاد الخليج خاصة، والبلاد العربية عامةً. كيف لا، والوافد كالجراد، يأكل الأخضر واليابس، ومثله كمثل المنشار" طالع ياكل، نازل ياكل". ولا أكتم سراً أن البعض ، وهم قلة يجاهر بالعداء للوافدين، على أساس أنهم يحتلون مواقع أبناء البلد، وينهبون الخيرات، وينعمون بالليرات ، "وفراقهم عيد". وحتى نكون منصفين، لانشعر بهذا كله في دولة شقيقة وعزيزة كدولة الإمارات التي نشعر بحب أهلها لنا، واحترامهم الشديد لشعبنا ، وخبراته، وموروثاته.



في الوطن، نوصف بالمغتربين، ولهذه الكلمة وقع جميلٌ تارةً، وقبيحٌ تارةً أخرى. جميل عندما يتعلق الأمر بالحوالات المالية التي يعول عليها الاقتصاد المنهك من ضربات الفاسدين المفسدين القاضية، ومن حوادث الاختلاس التي لاتنتهي، ولسان حال أهلها يقول" شو فرعنك يافرعون، قال مالقيت حدا يردني". الوجه الجميل الآخر لكلمة مغتربين يراه أصحاب العقارات، والأراضي ممن انتفخت بطونهم ببركات غزو الكويت، واحتلال العراق، والذين لايتورعون عن التحكم بلهب أسعار الشقق والأراضي ، فيحددون درجة حرارتها بما يتناسب مع بنزين سياراتهم الفارهة، وطلبات "الطنطات" أبناءهم، و"تنانير" و مايوهات بناتهم التي يصبح لزاماً عليهم شراؤها مع اشتداد أشعة الشمس على الشواطئ التي تعج بالمصطافين، ويكفي ذراع واحد من القماش لستر المئات منهن على طريقتهن الخاصة.



أبناء المغتربين حمل ثقيل على وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي. هذا الوطن الذي يعج بمئات الآف القادمين إليه من كل حدبٍ وصوب، وينتظرون أول فرصة للخروج منه، يحتضنهم الوطن، ويؤمن لهم المدارس والجامعات، بل ويدفع رسومهم الدراسية تحت مسميات ماأنزل الله بها من سلطان. بعد هذا كله، تكون نسبة قبول أبناء المغترين في الجامعات  هي فقط 5% وتعني بلغة أخرى" ادفع بالتي هي أحسن" . ألا يُعتَبر هؤلاء المغتربون أردنيين ، منتمين ،صادقين ،يضعون العلم الأردني على سياراتهم وفي بيوتهم حباً، ويتابعون كل القنوات الفضائية الأردنية طمعا برؤية منظر جميل من الوطن الغالي، أو سماع صوت متصل يشكو ضيق الحال؟. ألا يتحمل هذا الوطن أبناءه، ويخدمهم كما خدم الملايين من قبلهم؟. أم أن قدرنا أن نجمع المبالغ تلو المبالغ لنؤمن دراسة أبناءنا في الوقت الذي ندفع فيه ضريبة جامعة على كل فاتورة ماء أو كهرباء، وما أكثرها.



أنا غريب عن أهلي، وغريب عن وطني..بحكم إقامتي في دولة الإمارات الحبيبة. طيبة أهلها، ودماثة أخلاقهم، تخفف لهيب هذه الغربة تماما كما تلطف أجهزة التكييف منازلنا وسياراتنا. هنا يسمونني وافداً، ويحترمونني. وهناك يسمونني مغترباً، فينهبوني.



أكثر أنواع الاغتراب ألماً، وحرقةً، وتعذيباً...... أن تشعر أنك غريب في بلدك، وغريب بين أهلك.

أن يحترمك الآخرون، ويزدريك الأقربون، مدعاة للجنون................................وظلمُ الأقارب أشدُ مضاضةً.

بلادي وإن جارت عليَ عزيزةٌ..... وأهلي وإن ظنوا عليَ كرامُ

حمى الله الأردن،و مليكه ، وشعبه، وألهم مسئوليه الرأفة و الرحمة بالمغتربين، وتقدير ظروفهم، وحفظ مصالحهم، التي تصب ختاماً في جيوبهم.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد