"" شــقاء الأجداد""

mainThumb

14-08-2010 05:42 AM

اليوم ، نادرا ما تجد انسانا بلا مأوى ، وبلا سيارة وهاتف نقال ، بل من النادر في هذه الايام الا نجد من يمارس هواياته على الشبكة العنكبوتية" الانترنت" ، ونحن اليوم في عصر "الفاس بوك"، و"تويتر"و"يوتيوب"، ومن النادر ان نلاحظ التساق الابن بابيه او أمه او اشقائه، فقربه من الانترنت اختطفه بعيدا وعزله عن بيئته وعن دفء الأسرة وعواطفها اللطيفة الجياشة ، ما عاد الحنان متبادلا بين الناس ، جفت الضمائر والقلوب ، وزحفت الى الوجدانيات صحراء رملية طغت على حياة الناس وعواطفهم وأحاسيسهم ، وتبدل الحال غير الحال ، وأخرجت الناشئة من شرنقة الانتماء الى الأرض والسكان ، الى فضاء رحب خارج الحدود ، لينقله الى قيم وانتماءات جديدة لا علاقة لها بالعروبة والاسلام وقيم الأجداد ،



 رحم الله اولئك الأجداد الذين تعفرت اياديهم بتراب الحواكير والبساتين والمشاتل ، اولئك الأجداد الذين زرعوا فاكلنا ،، وابينا ان نزرع ليأكل الأبناء ، بنوا الأرض وعمورها حجرا بحجر ، وكم تقطعت بهم السبل ، وأتت على اياديهم معاول الحجارة لتصيب اياديهم بجروح مدمية ،، تلتهب عليهم ولا علاج ، بل ولا مضادات حيوية ، تتشقق اقدامهم ، وتتصلب اياديهم لا شرايينهم ، لان شرايينهم كانت تنبض بالحياة ، وتذيب الدهون عند اول طالع شمس ، كان ايمانهم بالله ، وايمانهم بالكفاح وتحدي الطبيعة وقساوتها والآمها لا يلين ولا يستكين ، كانوا يتفيئون ظلال التعب ، ويتنسمون عليل الجد والاجتهاد ،



 لا راحة الا بالعمل ، والعمل الشاق المستمر ، قيلولتهم لا تعرف طعم المبردات ، بل يتقيلون لكي يبردو عرقهم المتصبب على اجسادهم، كانوا اذا حزبهم امرا ، يلوذون بالله ويستعيذون به من شر الملمات ، واي شر أشد من الآم المعاناة في الأراضي الوعرة التي يكثر فيها الحجارة على التراب ، كانوا يحفروا بين الصخور ليزرعوا الأشجار ، أشجار التين ، والبطم ، والسماق ، والصبار، واللوزيات بانواعها، والعنب "الكرمة" ،



 وما اكثر الكروم ، كروم العنب الأبيض والأسمر ، كنا ونحن صغارا نفضل العنب الأسمر على الأبيض ، لأنه اكثر حلاوة من الأبيض ، ولأن لونه جميل ، كنا ننتظر موسم العنب ، نراقب قطوف الدوالي يوما بيوم حتى تسبغ لونها وتصبح سمراء ، كنا نتحسسها ونتلمسها يوما بيوم ، علها نضجت لنقطفها ونتلذذ بأكلها ، فهي شهية جدا ، ولذيذة جدا ، لدرجة ان الناس في بيوتهم القديمة كانوا يزرعون ولو شجرةعنب واحدة، امام عريشة البيت ، يتفيئون ظلالها ، ويتنسمون هواءها العليل ، وعلى شجرة العنب كانت الأمهات تجفف الباميا والبندورة والتين "القطين" والعنب"الزبيب" وتجمعه لوقت الشتاء الذي تنعدم فيه الزراعة والمحاصيل ، جميلة تلك الأيام، والأجمل فيها شقاء الأجداد ، ذلك الشقاء الذي ولد محبة الأرض والعرض والانسان .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد