" وإنا له لحافظون"

mainThumb

11-09-2010 07:00 PM

 
قامت الدنيا وأظنها لا تقعد بعد دعوة القس جونز حرق نسخة من القرآن الكريم. ضجة عارمة وحساسية زائدة لا أجد لها مبرراً على الإطلاق.


ماذا لو تم حرق نسخه أو آلاف النسخ من القرآن الكريم؟ هل سينتهي الدين الإسلامي " ونحن نعلم "إن الدين عند الله الإسلام"؟ وهل سيختفي القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه في كل زمان ومكان؟



أظن أن الدول الغربية كلها تعي أن القرآن كتاب مقدس بحق، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أليس هذا مدعاة للسرور والابتهاج؟ نعم أنه كذلك. نحن لا نؤيد ولا بشكل من الأشكال المساس بكل ما هو مقدس مهما كان نوعه، وجنسه وعرقه، وخطابنا دائما هو خطاب الحوار ، والانفتاح ، والعقلانية. لم كل هذا الخوف المزعوم على القرآن؟ اعتقد أن التوقيت ساهم في زيادة الضجة وتفخيمها، ففي رمضان تختفي نسخ القرآن الكريم من على الرفوف وأسطح الخزائن، ويصبح حبيبا وقريبا من الأيدي والقلوب، ليعود ويختفي من جديد بعد رمضان، وتغيب تعاليمه عن تفاصيل حياتنا اليومية. أغلبنا يقرأ القرآن ولا يعيه، ويختمه مرتين وثلاثة في الليل والنهار ثم نخالف ما جاء فيه آناء الليل وأطراف النهار. هل نحن صادقون في غضبنا على حرق نسخة من القرآن الكريم، أم أنها ثورة عابرة تحت باب" وذلك أضعف الإيمان".



نعم القرآن الكريم مقدس، ومحفوظ من الله ، ومحفوظ في الصدور. الأصل أن تكون دعوانا للغرب، ولغير المسلمين مبنية على العلم والعمل، وعلى الالتزام بمبادئ ديننا الحنيف . حالة الانفصام التي يعيشها كثيرٌ من المسلمين هي التي تسببت في هذه الفوضى العارمة، والحقد على الإسلام والمسلمين، إضافة إلى مايتميز به هذا الدين من عدل، ومساواة بين الناس، مما لايعجب الدول الرأسمالية الطبقية. هناك فتاوى من كل حدب وصوب، وفرق ومذاهب ما أنزل بها من سلطان، هذا يصلي على النبي، وذاك يشكك في أحاديثه. هذا يدعو لصحابة رسول الله، وآخر يسبهم في كل مناسبة. زواج مسيار، ومسفار، ومطيار، ودولار. فرق تحلل، وأخرى تُحرِم، جماعة تأمر، وأخرى تنهى. يضاف إلى هذا كله ما يصدر عنا نحن من ندعي الإسلام من غش، وخداع، وكذب ، وسرقة، وزنا، وربا، وظلم. العيب فينا نحن، وفي طريقة عيشنا التي ابتعدت كل البعد عن ما جاء به القرآن الكريم، خاصة لمن يعيش منا في بلاد الغرب، أو من يخالط غير المسلمين.أظن إننا أضعنا هيبتنا أمام العالم بتخلينا عن ديننا، وهويتنا، وثقافتنا.



نغضب أشد الغضب لدعوة قسيس بحرق نسخة من القرآن الكريم، ولانغضب نحن من حرقنا للقرآن كل ساعة بمخالفة أوامره ، وتطبيق عكس ما جاء فيه. نقرأ ليلاً" ولا تأكلوا الربا" ونقترض من البنوك الربوية صباحاً. نقرأ" وبالوالدين إحسانا" ونزج بآبائنا وأمهاتنا في دور العجزة والمسنين. نقرأ فيه" ولا تقربوا "الزنا" ولا نتورع عنه في أول مناسبة تتهيأ لنا مع غانية. لماذا إذا نغضب؟ إنها " الفزعة" التي سرعان ما تخبو، ونعود بعدها لمسلسل تهميش القرآن، وهجره حتى رمضان القادم، أو الذي يليه.



ما أحوجنا اليوم لحفظ القرآن الكريم في القلوب والصدور قبل أن نحفظه في مكتباتنا وأدراجنا. ما أحوجنا لتطبيق أوامره، واجتناب نواهيه. حالة الضياع والضلال التي نعيشها هي بسبب التنازل عن ثوابت الدين التي يؤكدها القرآن الكريم، والتي تهدف بالنهاية لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. أي سعادة هذه التي نطلبها ونحن بعيدون كل البعد عن كتاب الله، وسنة نبيه الكريم؟ ثم ما نلبث أن نثور عند حرق القرآن أو نشر صور مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام على أساس أننا نحبهم، ونخلص لهم.



احتياجنا لحفظ القرآن وصونه أهم وأبلغ من احتجاجنا على حرقه. اسأل نفسك يا من تثور لحرق القرآن: ما الذي يربطك به؟ وكم تحفظ منه؟ وما هي نسبة تطبيقك لما جاء فيه؟ بعدها ستعلم يقيناً أن العربات الفارغة فقط هي التي تصدر صوتاً، وان الصراخ والعويل دليل ضعف إيمان ويقين، وليس دليل التزام وقوة دين.



كل عام وأنتم بألف خير، وتقبل الله منا ومنكم خالص الطاعات، ولا تقنطوا من رحمة الله الذي يقول في كتابه العزيز" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" صدق الله العظيم. لقد تعهد الله بحفظ كتابه من الضياع، والتزوير، فلنتعهد نحن بحفظه في الصدور، وتطبيق أوامره واجتناب نواهيه، وتطبيق ما جاء فيه ،فذلك خير لنا من التهديد ،والتنديد ،والعويل، والصراخ، والظلال، والتيه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد