الكتابة الحرام

mainThumb

04-01-2011 07:53 PM

علي لا أضيف جديدا اذا ما قلت أنه ثمة العديد من المهن التي يحرم شرعا ويعاب خلقا ويزدرى اجتماعيا مزاولتها. فهي بطبيعتها فعل قبيح لا يختلف على قبحه عاقلان كالسرقة أو الاتجار بالمخدرات وغيرها من المهن الواضحة الحرمة. وفي المقابل هناك العديد من المهن المباحة شرعا والمرموقة مكانة والنبيلة غاية والضرورية مجتمعيا.




 ولكن ثمة بعض من ممتهنيها يشطحوا بعيدا عن أصولها ويخرجوا عن آدابها فيسيئوا لأنفسهم قبل أن يسيئوا للمهنة ولغيرهم. فالقاضي الذي لا يتحلى بالموضوعية والحيادية ولا يحكم بالعدل والإنصاف بين خصومه، والمعلم الذي لا يخلص في تعليمه وتقييمه وواجباته وأخلاقيات مهنته، والمهندس الذي لا يتقن عمارته أو منتجه لن يختلف كثيرا - إن لم يكن أقبح نظرا لثقافته المفترضة على الأقل- عن السارق أو تاجر المخدرات من حيث قبح فعله وسوء صنيعه وعظيم ذنبه وحرمة دخله فالمردود المادي الذي يجنيه مثل هؤلاء سيكون حراما ووبالا عليهم مثلما هو المردود المادي الناجم عن السرقة والاتجار بالممنوع.




اذن بعض من المهن معابة أصلا وتأصيلا وبعضها الآخر لا ضير من ممارستها شريطة أن لا يبتعد أربابها عن أصولها وحدودها. والآن ما أعمد الى تسليط عين الاهتمام اليه هو ذلك الفعل الانساني النبيل الذي لا يقوى عليه أيا كان ألا وهو فعل الكتابة. إذ أن ثلة من البشر أنعم الله عليهم بناصية لغوية وقدرة تعبيرية وأسبغ نعمته عليهم بملكة منطقية فصاروا كتابا واتخذوا من الكتابة مهنة يزاولوها وحرفة يعتاشون بسببها.




فكان منهم الأديب والقاص والروائي والمقالاتي - ان اجازني التعبير- والمحلل السياسي والناطق الاعلامي ومؤلف الكتاب وكاتب السيناريو ومؤلف المسلسل أو المسرحية أو الفيلم. ولا محظور في ذلك ولا مشكلة. ولكن اعتقادي أن الكتابة كمهنة من أخطر المهن التي عرفتها البشرية على الإطلاق.




وتتأتى هذه الخطورة من عمومية أثرها وتشعب مجالاتها وقوة تأثيرها وهالة بعض من محترفيها. ولأن الإنسان ببنيته الفكرية وخاصيته الإنسانية هو موضوعها وهدفها وأداتها. لذا يجب على الكتاب وعلى اختلاف ميادينهم الكتابية (قصة, رواية، صحيفة، بيان، مسلسل، مسرحية، كتاب وغيرها من ساحات الكتابة). يجب عليهم أن يدركوا جيدا خطورة فعلهم وحساسية مهنتهم وأن ينتبهوا إلى دورهم السامي في صياغة الشخصية الوطنية والعربية والاسلامية، وفي تشكيل الوعي بالذات والوعي بالعالم. على نحو يسهم في خلق جيل يتسم بالمنطقية في التفكير والعلمية في المنهج والوطنية في الانتماء والعالمية في الأفق.




فيركزوا على بناء القيم والمثل الإنسانية الايجابية، ويعظموا القواسم المشتركة بين الافراد والشعوب، وينبذوا الخطاب التفريقي والعنصري. وأن يحترموا تعاليم مجتمعاتهم دينا ودستورا وأعرافا وتقاليد. كما ويتحمل الكتاب مسؤولية التصدي لمجابهة كل ما من شأنه أن يقوض الثوابت ويمس الأخلاق ويهدم البناء. ومن جهة أخرى عليهم أن يوضحوا للناس المستجدات من الأمور والعوارض التي تمس حياتهم اليومية وبنيتهم الانسانية ومنظومتهم الفكرية. فيخضعوها للدرس والتحليل، ليتعرفوا أهدافها وآثارها القريبة والبعيدة، وليحددوا ايجابياتها وسلبياتها، ثم ينصحوا بها أو يحذروا منها، لأنهم الأقدر والأكثر تأهيلا لفعل ذلك كله. لا سيما قضايا العولمة والتعليم النوعي والانترنت والارهاب والتطرف وغيرها من القضايا التي تعصف بالعالم من حولنا وتفرض نفسها علينا بقوة والحاح.




 ما ذكرته آنفا من دور لممتهني الكتابة يمثل ما ينبغي أن يكون فهو الكتابة الصحية التي ستحظى برضا الناس من جهة وبرضا الله من جهة أخرى وبالضرورة فإن مردودهم المادي حلالا طيبا والله تعالى أعلم. وعلى الجانب الآخر تظهر حفنة من محترفي الكتابة استغلوا أدواتهم الكتابية وعضلاتهم اللغوية وقدرتهم على الإقناع والتأثير في غير مكانها. كالقاص أو الروائي الذي يهدم الخلق ويخدش الحياء عبر قصته أو روايته، أو ككاتب السيناريو أو المسلسل أو المسرحية الذي يروج لفتنة ويدعو إلى فتنة ويروج لعادات دخيلة عبر منتجه الكتابي غير الصالح للاستهلاك.




 أو كالصحفي الذي يكذب في خبره ويبالغ في تقريره أو المقالاتي الذي لا يعرف إلا المعارضة دوما فهي معارضة للمعارضة وليست للمصلحة فيجتهد على بث الفرقة وجلد الذات وتعزيز الفوارق وافتعال الأزمات. أو كالقلم المأجور عموما الذي يرقص تبعا لألحان مموله فيبيع ضميره ويخون وطنه وينسل من نسيج أمته ويسعى جاهدا الى بث السم والدسم بغية تضليل قارئه أو مستمعه أو مشاهده. فمن كان على شاكلة هؤلاء القلة فإن مهنته لا تقل خطورة وقباحة وخيانة عن السرقة أو تجارة الممنوعات إن لم تكن أخطر وما سيجنيه مثلهم من دخل مادي سيكون سحتا خالصا والله تعالى أعلم وهو يهدي السبيل.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد