نرجوك يا جلالة الملك

mainThumb

16-01-2011 07:34 PM

في كتابه (مهنتي كملك) للراحل الحسين رحمه الله،   كتب ما نصه : بأنه كان لا يدع فرصة تفوته للاختلاط بسكان المدن و الارياف عن قرب  ، فكان يشعر بشدة بأن الطبقة المتوسطة من الناس تجتذبه دائما ، وكان يرغب بالتعرف على المزيد من أحوالها؛ فكان يتنكر أحيانا بلباس سائق تاكسي ويتدثر بمعطف و (شماغ) و يقود سيارة اجرة قديمة يسير بها في أنحاء عمان،وكان دائما يبدأ الحديث مع الناس عندما يُقلهم في سيارة الاجرة و يسألهم عن احوالهم من دون أن يعرفوه، و لقد ذكر رحمه الله الكثير من القصص التي عرف و أدرك فيها بعض المشاكل التي ما كان يسمع عنها من المسؤولين أو الحاشية أو الوزراء ،و كان  يقوم بحل بعض المشاكل بنفسه و يستدرك بعض الاخطاء و الزلات و الهفوات بنفسه، و يرى بعينه ما لا يستطيع أي مسؤول أن يصفه أو أن يشرحه  ! كان هذا في معرض الجواب على  السؤال الذي سأله اياه الصحفي الفرنسي  : (كيف يستطيع ملك أن يكون قريبا من شعبه؟) فكانت تلك الاجابة في ذلك الكتاب.



مشكلتنا يا جلالة الملك ليست قي إقالة وزير أو تغيير وزارة هنا أو هناك أو اقالة رئيس الوزراء ، مشكلتنا تكمن في ذلك الخطر الذي بات يحيط بنا من كل جانب من (مؤسسة الفساد) التي أكلت الاخضر و اليابس و لم تُبق للمواطن أي شيء يأكله ،  نعم مؤسسة الفساد و أصحابه الذين أثروا من جيوبنا و من أحلامنا و من مستقبلنا و مستقبل أبنائنا ، مشكلتنا في اولئك الذين طوّعوا كل القوانين و كل الانظمة و كل التعليمات لخدمة أنفسهم و خدمة نسائهم و خدمة أصهارهم و خدمة أبناء أبناء أبنائهم ، مشكلتنا في اللصوص الذي سرقوا هذا الوطن و سرقوا خيراته و ما زالوا يتربعون على عروشهم و في أماكنهم و في دوائرهم و في مؤسساتهم ، مشكلتنا في اولئك الذين امتلأت أرصدتهم وأرصدة زوجاتهم وأصهارهم من ديون هذا الشعب .



نعم الفساد يا سيدي  يقف خلف كل ما نعاني منه، و لو كان (الفساد) رجلا لقتلناه ،و الفساد يقف خلف بذخ المسؤولين الذي نسمع عنه و نراه و نشعر و نحس بآثاره ،فهنالك الكثير من الانظمة و التعليمات التي يصدرها أصحاب النفوذ وأصحاب الشركات الكبرى من المسؤولين لنهب المال العام بوسائل لا تعد ولا تحصى، و هنالك الكثير الكثير من العطاءات التي تذهب لشلة معينة محددة و بالسعر الذي يريدون و التي تزيد الفقير فقرا و الغنيّ الفاسد غنا و فسادا ،فقد يصبح العطاء بعشرة اضعافه من أجل مصلحة شخصية  ، و قد تُحال عطاءات من هنا او من هنالك بطرق ملتوية، و قد تُفرض مجموعة من الضرائب من أجل مصلحة فردية لشخصية متنفذة في قطاع خدمي أو غيره ، و قد تُسرق شركات عامة و يُصرف الكثير من المال العام على سفرات و يوميات دون أن يستفيد الوطن أي شيء و دون أن تعود الفائدة على المواطن بأي طريقة كانت سوى ما نراه من أثار الفقر و المديونية.



أذهبُ يا سيدي الى قريتي في كل اسبوع أبحث هناك عن الطبقة المتوسطة التي لا أكاد اجدها فكلهم يركضون و يركضون خلف لقمة العيش، و كلهم يعملون ليل نهار لتحصيل معيشة كريمة بقدر استطاعتهم ، فما عاد يُجدي معهم تخفيض سلعة  هنا أو تخفيض سلعة هناك، أو تصريح من مسؤول بأن التخفيض قد كلّف الميزانية كذا و كذا ،فهم لا يفهمون لغة الارقام و لا يعرفون قراءة الميزانيات  التي يقدمها الوزير في الصحف اليومية ،كل ما يعرفونه  أن الراتب الذي يحصلون عليه في نهاية الشهر يكفي لعشرة أيام فقط ثم تبدأ الاستدانة و الاقتراض من هنا و هناك ،كل ما يعرفونه أن النقود ما عادت فيها (البركة ) كما يقولون ،كل ما يعرفونه أنهم يحرمون أنفسهم من أشياء كثيرة و عديدة و هم ينظرون بألم الى حالهم و حسرتهم ، العشرات بل المئات من العوائل تقوم بقطع الحطب سرا من الاحراش  من أجل التدفئة في الشتاء، و لصوصنا يدفعون عشرات  الالاف في الشتاء على تدفئة بيوتهم من جيوبنا و من ضرائبنا التي أثقلت كواهل الجميع .



 يا سيدي تقلّصت الطبقة المتوسطة التي كان يحبها الحسين و التي كان يعيش معها و يعيش لها ، حتى قال أحدهم متألما متحسرا على أوضاعه القديمة و حاله الجديد  : ويحي لفقري شحّ البُنُ من داري ... حتى الضيوفُ توارت دون أخبار !! ، تقلّصت هذه الطبقة التي مستويات مخيفة و أصبح الجوع يطارد بعضهم و أصبح الفقر عنوانا لبعضهم ، و كل ما نرجوه أن تأمر بالتحقيق في أرصدة اولئك اللصوص الذين نهبوا هذا الوطن و ازدادت أرصدتهم  و ارتفعت مديونية الوطن بسببهم و بسبب فسادهم ، كل ما نأمله أن تعود هذه الطبقة المتوسطة و تكبر  ،لأنها صمام أمان هذا الوطن الذي نُحب و الذي نعشق و الذي لا نريد له الا الخير .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد