مستقبل الجامعات الأردنية (2 - 2)

مستقبل الجامعات الأردنية (2 - 2)

24-01-2011 09:18 PM

تنبأ ايفا ن ا يليش في كتابه المعنون بـ" مجتمع بلا مدارس " بزوال المدرسة وانقراضها، تماماً كما انقرض الديناصور، إذا ما بقيت المدرسة عل ى ح الها، تقاوم التغيير والتجديد والتطوير، وتحرص على المحافظة على التقالي د ا لموروثة البالية وتكرس الجمود والتصلب والتزمت. كما وقد كشف أحد المؤلفي ن ا لأمريكيين عن حقيقة مؤسفة مؤداها أن العالم من حولنا قد تغير كثيراً، وأن هذا التغير يسير بوتائر عالية، إلا أن الجامعات ما زالت متمسكة بالماضي، إذا لم نقل بأنها تعيش في الماضي. وأن أهداف التعليم الجامعي والبحث العلمي لم تعد متطابقة مع المتطلبات الاقتصادية في المجتمع، وما لم تحدث تغييرا ت ج ذرية في التعليم الجامعي، فإن الجامعات سوف تصبح في المستقبل كالديناصور ، أ ي أنها تقف على أعتاب الانقراض .



وقد طرحنا في المقالة السابقة بعض الإشكاليات والاختناقات التي تعاني منها الجامعات الأردنية في الوقت الحاضر. وفيما يلي بعض هذه الأزمات والتي تحتاج إلى الإصلاح الفوري إذا ما أردنا الاحتفاظ بجامعاتنا وهي:



1. عدم توفر الأساتذة المؤهلين في كثير من التخصصات، والتنافس بين قطاع العمل الخاص وقطاع الجامعات على استقطابهم، وغياب قدرات عضو هيئة التدريس عن إيصال معلوماته بالطريقة المناسبة واللغة المناسبة.



2. اكتظاظ القاعات الدراسية بأعداد من الطلبة أكبر من قدرة تلك الجامعات على التعامل معها ، و محدودية تكنولوجيا التعليم المستخدمة بصورة يومية ومستمرة، حيث تعان ي ا لجامعات من عدم قدرتها على متابعة الجديد في المعدات ومصادر التعلم، نظرا ً ل صعوبة أحوالها المادية.


3. عدم ملائمة مدخلات التعليم الجامعي (الثانوية العامة) من ناحية طرائق التعلم والتفكير التحليلي النقدي.


4. التكرار الملحوظ للبرامج الدراسية وانعدام التنسيق بين الجامعات في طرح التخصصات، وانعدام المواءمة بين الخطط والبرامج الدراسية من جهة وبين متطلبات سوق العمل وخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والوطنية من جهة أخرى، إن محتوى هذه البرامج المطروحة تكاد تكون متطابقة ويندر أن تتماي ز ا لجامعات قيما بينهما في هذا الأمر، ويترتب على ذلك مشكلات تتعلق بالبعد النوعي منها: التكرار الملحوظ للبرامج الدراسية التي تقدم على مستوى البكالوريوس, ويعد هذا أحد أهم الأسباب وراء إغراق سوق العمل بأعداد كبيرة من الخرجين غير القابلين للتسويق .


5. التضخم التنظيمي والإداري حيث بلغ عدد العاملين في الأجهزة الإدارية بالجامعات الأردنية الرسمية مثلاً حوالي (12) ألف موظف، في حين أن الحاجة الفعلية تقل عن ربع هذا العدد.


6. عقم وجمود السياسات المتعلقة بقبول الطلاب واستقطاب وتعيين أعضاء هيئات التدريس وترقيتهم وإجازتهم وانتدابهم ودعم بحوثهم العلمية.


7. قيا م ا لعديد من رؤساء الجامعات العربية باستبدال المصلحة العامة للجامع ة ب المصلحة الخاصة له وتوظيف المقدرات العامة للجامعة في خدمتهم، وما يترتب على ذلك من الإهدار في رأس المال البشري والمالي والمادي، وعدم الالتفا ت ب شكل جدي وصادق نحو عملية الإصلاح والتطوير في العمليات الإدارية وتحول هذه الأمور إلى تنظير أمام الرأي العام.


8. تحول عملية التعيين والاختيار في الجامعات العربية إلى ظاهرة مزاجية تختلط فيها عوامل متعدد ة.


9. عدم مواكبة الجامعات الحكومية والخاصة التطورات الحديثة في الهياكل التنظيمية للجامعات ومتطلبات العصرية وتكنولوجيا المعلوما ت.


10.  عدم دقة اختيار بعض القيادات الجامعية. وعليه فقد تسرب إلى مسيرة العمل الجامعي قيادات تغيب عنها المصداقية وتحاول الاحتفاظ بمواقعها بكل الأسالي ب ع ملاً بميثاق "الغاية تبرر الوسيلة" ومن هنا تجيء شدة التمسك بالمنصب على حساب المصلحة العامة وجدية الأداء.


11.  تعدد وتداخل الجهات الرقابي ة و نفاذ بعض نشاطاتها إلى عمق المؤسسات الجامعية، وبذلك أصبح الخوف ثقافة للعمل المؤسسي، وكلنا يعلم إن الخوف والتضليل وجهان لعملة واحدة.


12.  انعكاس مفهوم "الإدارة في خدمة الجامعة" إلى"الجامعة في خدمة الإدارة، ويقع التركيز على الإيجابيات والمبالغة في أبعادها. وإخفاء السلبيات وعدم الاستفادة من فرضها ضمن آليات هذا التحول الشاذ .


13.  تنامي ظاهرة العنف الجامعي بشكل واضح، وتقصير الجامعات الواضح في التصدي لهذه الظاهرة، وذلك عن طريق التهاون في العقوبات وعدم تطبيق أنظمة الردع والانضباط، وقد يعود العنف إلى تقصير الجامعة بدورها في تجذير مهارات الاتصال والإصغاء وتقبل الرأي الآخر بين الطلبة،وعدم فتح قنوات تواصل مع الطلبة ومعرفة مشاكلهم. وهذا أنما يدل على فشل الجامعات في تحقيق أهدافها.


ان الجامعات الأردنية ليست برجاً عاجياً صمم للأغنياء والأذكياء وأصحاب المحسوبية، و لا مكاناً للتأمل الفكري والجدل السفسطائي والمماحكات الكلامية. إ ن ا لجامعة -في مفهومها الحديث- مكان لتوليد الأفكار أو المعرفة الجديدة وتجريبها وتطبيقها والانتفاع من هذه الأفكار أو المعرفة في تطوير المجتمع وتنمية الأفرا د. الجامعة مكان لتقدير العلماء والمبدعين ومساعدة الضعفاء وحل مشاكل المجتمع.


وما لم تقم الجامعات الأردنية بإعادة صياغة برامجه ا و مناهجها بحيث تكون وظيفية، وأن يتم تكييفها بحيث تستجيب إلى المتطلبا ت ا لحقيقية للمجتمع، فضلاً عن أهمية تزويد الطلبة الذين يلتحقون بالجامع ة ب الكفايات والمهارات التي يحتاجونها في حياتهم المستقبلية، والتي تؤهلهم بالتالي لدنيا العمل والوظائف التي تنتظرهم، ما لم تقم الجامعات الأردنية بتعديل سياسات التعيين والقبول وإدارة الموارد البشرية، فإن البديل هو أن تقوم الجامعة بإعداد الخريجين إلى عالم البطالة، وأن مثل هذه الجامعة ليست جديرة باسم الجامعة، وأن الأجدر بالمجتمع الذي توجد فيه مثل هذه الجامعة أن تكو ن ن هايتها كنهاية الديناصور، وأن يقذف بها المجتمع إلى عالم الانقراض والتفتت والاندثار .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد