المولد النبوي عبرة وعظة

المولد النبوي عبرة وعظة

15-02-2011 03:08 AM

يحتل التاريخ أحد أهم مكونات بناء وعي الإنسان. لذلك حث القرآن الكريم في الكثير من آياته, على التدبر في قصص الأولين وسيرهم, لأخذ العبر, والاستفادة من التجربة. وقد دأبت الأمم الحية على إحياء الذكريات والأحداث العظام في تاريخها, وسير عظمائها, للتعلم من هذه الذكريات والأحداث, والتأسي بهؤلاء العظام, وتربية أجيالها على مآثرهم. فكيف إذا كانت هذه الذكرى هي ذكرى مولد خاتم رسل الله. الذي ارتضاه ربه رسولاً للعالمين?. وكيف إذا كانت السيرة سيرة رسول الله التي أمرنا من ربنا بالتأسي به والاقتداء بهديه والسير ع لى نهجه?. وهي السيرة التي صارت أهم عامل أثر في تاريخ البشرية منذ بُعث عليه السلام حتى يوم الناس هذا.



عندئذ لا يجوز ان يقتصر الاحتفال بذكرى مولد رسولنا عليه السلام على الخطب الرنانة. التي لا يتجاوز تأثيرها منطقة السمع من المتلقي لها. فالاحتفال برسول الله عليه السلام يعني أول ما يعني الاقتداء به والسير على نهجه, والتمسك بسنته وعترته الطاهرة. وهذا كله لا يكون بمجرد الكلام. فالإسلام ابتداءً هو دين العمل الذي يمقت الذين يقولون ما لا يفعلون, ففي القرآن الكريم »كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون« وفي الأثر »رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه«. وأول من يلعنهم القرآن هم أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون. ويظهرون ما لا يبطنون. وأولئك هم المنافقون الذين حذرنا منهم كتاب الله وحديث نبيه.
ولأن الإسلام دين العمل, كان صحابة رسول الله عليهم رضوان الله أجمعين. يحفظون الآيات العشرة من القرآن, لا يبرحونها إلى غيرها حتى يفقهوها ويطبقوها في حياتهم. فقد فهموا من نبيهم أن دينهم دين الحياة; لذلك لا بد من تطبيقه في كل مناحي حياتهم وشؤونها وفق ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله.



لذلك كله, فإن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف, يجب أن يأخذ الطابع العملي التطبيقي. وأول ذلك ان نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ونسير على نهجه, في كل مناحي حياتنا. وأولها ان نتمثل بأخلاقياته عليه السلام. فقد كان خلقه القرآن, ولأنه بعث ليتم مكارم الأخلاق, كما قال عليه الصلاة والسلام. وأول مكارم الأخلاق الصدق في القول والعمل من خلال تطابق ما نقوله مع ما نفعله, حتى نخرج من زمرة المنافقين, ومن زمرة الذين يمقتهم خالقهم لأنهم يقولون ما لا يفعلون. وعليه; فإن أول من يجب عليه الخروج من دائرة المقت والنفاق هم العلماء والمفكرون والدعاة. وهذا الخروج لا يتم إلا إذا توافق سلوكهم مع ما يقولون. وتحول قراراتهم وتوصياتهم إلى أفعال, من خلال متابعة هذه القرارات والتوصيات لتنفيذها.,



يقودنا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الحديث عن آفة تعصف بالمسلمين, تلك هي حالة الانهيار الأخلاقي والاجتماعي, التي تعاني منها بلاد المسلمين. والتي صارت أحد المنافذ الرئيسية لأعدائهم, للتحكم بمصيرهم. وهذا الانهيار الأخلاقي والاجتماعي دليل إتهام صارخ للدعاة والعلماء والمفكرين, بانهم قصروا. وما زالوا في الحفاظ على المنظومة الأخلاقية والاجتماعية للمسلمين. يوم أنصرف جل هؤلاء الدعاة والعلماء والمفكرين عن التربية الأخلاقية والاجتماعية الى التعاطي بقشور السياسة اليومية. وفي هذا مخالفة صريحة للنهج النبوي. فقد أمضى رسول الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام جل سنوات الدعوة الأولى في البناء الأخلاقي والنفسي لمن آمن به, وصدق دعوته, وظل هذا البناء محل اهتمامه عليه السلام الى أنْ لقي وجه ربه راضياً مرضياً. فقد بُعث عليه السلام ليتم مكارم الأخلاق. لذلك فإن المطلوب منا ونحن نحيي ذكرى مولده الطاهر; أن نعيد الاهتمام بالأخلاق وبالبناء الاجتماعي إلى بؤرة اهتماماتنا, وان يحتل رأس قائمة أولوياتنا.



إن المنظومة الأخلاقية التي بشر بها رسول الله عليه الصلاة والسلام, وربى عليها آله وصحبه, ووصى بها أتباعه إلى يوم الدين, وهي وصفة العلاج الحقيقية التي تقيل المسلمين في هذا العصر من كل عثراتهم. وأول ذلك انه عليه السلام ربى المؤمنين به على خُلق الوحدة وجعل الخروج على وحدة المسلمين من المحرَّمات, التي تستحق أقسى العقوبات. حتى ولو وصلت العقوبة إلى قتل الخارج عن الصف المفرّق للجماعة. فهل يناقش أحد من مسلمي هذا العصر بأن فرقة المسلمين من أهم أسباب ضعفهم وهوانهم. واستقواء أعدائهم عليهم. واستباحتهم لأموالهم وأعراضهم??.



لقد صار العمل من أجل وحدة المسلمين. من أوجب واجبات المسلم في هذا العصر. حتى يخرج المسلمون مما هم فيه من ضيق ومذلة ناجمة عن فرقتهم. وأول الخطوات على طريق الوحدة ان يسد المسلمون الأبواب والنوافذ أمام كل دعوات الفتن المذهبية والطائفية. التي يحاول أعداؤهم إغراقهم فيها, وهذا يفرض على المسلمين ان يعوا ويفهموا عباداتهم ومغازيها. ذلك ان كل عبادة في الإسلام تنبه المتعبد بها إلى أهمية وحدة المسلمين كأمة واحدة. فصلاة الجماعة أفضل من سائر الصلوات, ومثل الصلاة كذلك الحج, والصيام. بل انه ما من شعيرة من شعائر الإسلام تخلو من حث على الوحدة. فهل يفقه المسلمون معاني عباداتهم ومغازي شعائرهم? انهم إن فهموا ذلك كانت الوحدة هدفهم ووسيلتهم في آن معاً.



ومثلما ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم آل بيته وصحابته على خلق الوحدة, وأوصاهم بها; فقد رباهم على العزة, والرفعة, والمنعة, وعدم إِعطاء الدنيّة في دينهم ودنياهم. وعدم المساومة على الحق وعدم القبول بأنصاف الحلول, إذا تعلق الأمر بحد من حدود الله, أو بحق من حقوق عباده. وأولها: الحفاظ على أرض المسلمين حرة, تحت راية الإسلام حتى إذا ديس شبر منها صار الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة. وهل وصل المسلمون إلى ما هم فيه من هوان وفرقة إلا لأنهم قبلوا الدنية وساوموا على حقوقهم حتى في أرضهم? وقد آن لهم أن يعودوا إلى تعاليم نبيهم في رفض الدنيّة, ورفض أنصاف الحلول فهو القائل: »والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أبداً حتى أهلك دونه«. ومن هذا القول النبوي يجب أن يعلم المسلم, أن أول ما يجب أن يتصف به هو التحدي والتصدي للباطل وللظلم, مهما كان نوعه ومصدره. فتلك أول صفات المسلم الحق, وهذا أول دروس المدرسة المحمدية المباركة.



ان العزة والرفعة والمنعة وعدم أعطاء الدنية في الدين والدنيا, وغيرها من الصفات التي اتصف بها رسولنا عليه السلام, الذي أمرنا ربنا بأن نقتدي به تعني أولَ ما تعنيه; ان يبني المسلمون مجتمعهم على العدل والمساواة. وأن تكون الحرية قاعدته الأولى. فقد جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام ليحطم كل الطواغيت والأصنام ليعيش الناس أحراراً لا ينحنون, إلا لمن خلقهم ولا ينساقون إلا للحق. وهذا أول ما يجب أن نتذكره في يوم مولد رسولنا عليه السلام. وهو أول ما يجب أن نسعى إليه إذا أردنا أن نقتدى به إنفاذاً لأمر الله لنا.



لقد بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالمين. وجعلت أمته لتكون شاهدةً على الناس. والشهادة تعني الحضور الواعي. وهذه حقيقة كبرى يجب أن يعيها المسلمون ليتمكنوا من تحقيق عالمية دعوة نبيهم. وليؤدوا دور الشاهد على البشرية. وهذا جزء من الأمانة التي تركها على عاتقهم رسولهم الذي يحتفلون هذه الأيام بذكر مولده عليه السلام. فهل يؤدون الأمانة?. 
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد