حنيش في الطفيلة

حنيش في الطفيلة

20-03-2011 01:48 PM

 في يوم من أيام الزمن الجميل وقبيل غروب الشمس بقليل، وبينما كنا ننتظر بشوق أن يبدأ التلفزيون الأردني إرساله كما هو المعتاد، كان رهط من رجال العشيرة يتواجد في منزلنا الكائن في منطقة العين البيضاء في محافظة الطفيلة. وفي وسط السكون الرائع الذي يترافق عادة مع فترة ما قبل الغروب أطلقت فتاة ورَادة عابرة، تحمل على رأسها تنكة تمتلئ بالماء كانت قد جلبته من العين وتحمله إلى بيتها، اطلقت صرخة شقت عنان السماء. وما هي إلا ثوان حتى كان جميع الرجال المتواجدين في البيت يهبون لنجدتها والوقوف على سبب صرختها. قالت تلك الفتاة بأنها قد رأت أفعىً سوداء ضخمة تسمى في تلك المنطقة بالحنيش، وهذا الحنيش لا يوجد بالمناسبة في عمان وضواحيها على ذلك الشكل الذي وصفته الفتاة ولكنه تأقلم مع المدينة ليرتدي البذلة السموكنغ السوداء ويدخن السيجار الكوبي ويطلق عليه لقب حوت! إلا أنه ما زال بإمكانك أن تراه بشكله البدائي في المناطق التي لم تغزوها التنمية الشاملة بعد...فهي لم تشمل الجميع!

قامت تلك الفتاة بإرشادهم إلى المكان الذي رأت الحنيش يختفي فيه، وبدأ الرجال مهمة البحث بسعادة غامرة وكأنهم ينتظرون هذه المهمة بشوق منذ زمن طويل، وقد كان الحماس يُلهب مشاعرهم وهم يتباحثون في كيفية إخراج هذا الكائن الخبيث من جحره. بعد أن ساد الهرج والمرج للحظات لم تزد عن الخمس دقائق، تمخض رأيهم في النهاية عن ضرورة إشعال إطار سيارة ووضعه أمام مدخل التجويف الذي اختبأ فيه الحنيش اللعين، وما هي إلا لحظات حتى خرج الحنيش وهو يكاد يختنق وتم القضاء عليه وانفض الجمع ليعود لمتابعة دعاية... سنو سنو... والبرنامج الأحب إلى قلوبهم ذاك الحين...الزراعة ومازن القبج. طبعاً في تلك الأيام كان هناك زراعة!

اليوم، يبدوا أننا في الأردن لسنا بحاجة إلى حملة الدكتوراة والخبرات العالمية لتوظيفها في مكافحة الفساد، بقدر ما نحن بحاجة إلى أمثال هؤلاء الرجال الذين يرضون بالفعل فقط وليس التنظير به.

إن المتابع لكل الشعارات التي يهتف بها المعتصمون والمتظاهرون، والمتظاهرون بأنهم متظاهرون والنواب والأعيان والوزراء الحاليين والسابقين واللاحقين، ولجنة الحوار ولجنة اللاحوار وكتاب الأعمدة والمدونون ومدمني الفيسبوك وجدتي وجدتك من اقصى الاردن الى اقصاه، يرى بأن المطلب الذي اتفق عليه الأردنيون بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة و نفر نفر...هو مكافحة الفساد! إلا أن الشيء العجيب والغريب والمريب والذي يتطلب تعاطي الكثبر الكثير من حبوب الهلوسة ليتم استيعابه هو أن رئيس هيئة مكافحة الفساد يقول وبالصوت العالي نهاراً جهاراً بأن هيئة مكافحة الفساد تفتقد إلى فريق مؤهل لمكافحة الفساد! كلام جميل جداً ويسهل فهمه...
بل ربما كان هذا هو أحد أهم أسباب استشراء ظاهرة الفساد في الأردن. فظاهرة الفساد ليست هي المشكلة هنا، وإنما تكمن المشكلة في عدم القدرة/الرغبة في مكافحتها مما أدى إلى بروز  ظاهرة أشد خطورة ألا وهي ظاهرة الحديث عن الفساد وكأنه تهليلة صوفية يكفي الترنم بها للوصول إلى أعلى حالة من حالات النشوة والغبطة الروحية. لذا فإنك تجد أن كل خطاب أو بيان أو لافتة أو يافطة أو حوار أو كتابة جدارية أو كتابة على برميل زبالة في الاردن لابد أن يحتوي على ترنيمة عن الفساد مما يُشعر كلاً من المتكلم والمستمع بالخدران اللذيذ والاكتفاء الروحي...ومدد يا سيد يا بدوي! 

نحن نتغنى بأننا الدولة الانموذج وأننا نصدر الكفاءات إلى العالم وأن الإنسان الأردني قادر وفاعل وليس هناك ألذ منه في العالم!...ممتاز أين هو هذا الكائن اللذيذ والقادر والفاعل؟! أنقوم مثلاً باستيراد كفاءات من الفلبين أو سيريلانكا لتكافح الفساد معنا؟ أم نبحث عن شريك استراتيجي ليساعدنا في إشعال إطار سيارة أمام وكر الفاسدين؟

أين المؤهلون في الأردن الحبيب؟ أوصل الفساد بنا إلى تفريغ الهيئة من كفاءاتها؟ ولماذا لا يتم إعادة بناء هيئة مكافحة الفساد وربطها مباشرة مع مجلس النواب؟ كيف للحكومة أن تدير هيئة مكافحة الفساد بينما هي المتهمة بالفساد على مدى عقود؟ كيف نغفل عن ضرورة أن تكون هذه الهيئة هي الأقوى والأكثر تأهيلاً وسيادةً بين جميع الدوائر والإدارات والهيئات الأخرى؟
يا جماعة إن كنا عازمين على الإصلاح حقاً، فلابد أن يكون ذلك الإصلاح فورياً وحقيقياً وقوياً وإلا اتسع الرقع على الراقع...هذا إن لم يكن قد حدث ذلك بالفعل ...وفي تلك الحالة لن يسعنا إلا أن نقول...يا حيف كل الحيف عالرجال... 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد