الرقص فوق دم الشهيد

mainThumb

31-03-2011 08:09 PM

 لعل الهروب إلى الماضي هو الأجدى في استحضار الصور أمام ذاكرة الانسان،وربما هذا ما أخذني إلى ماض بعيد فيه صور رائعة باتت اليوم غريبة ومشوهة.

         قرأت الكثير مما كتب حول أحداث ميدان عبد الناصر(دوار الداخلية)،وجدت أحدا أصاب وآخر أخطأ ولست هنا لأعيد قراءة الأحداث المأساوية او لأحللها فأنا علي يقين بأنّ الحرس القديم لا يتوانى على حرق الأمة ليبقى بعيدا عن المحاسبة،ولكني أُسرت من ماض استحضرته الأحداث،ماض أيام احتفلنا بشراء تلفاز صغير باللون الأسود والأبيض،حينها كنت أنا الأكثر احتفاء لأنّي بذلك أنهيت معاناة تسلق سور الجيران لمشاهدة تلفازهم.

وهنا كنّا نتابع بشغف كل ما يعرض،ولكن لا اذكر يوما أننا استطعنا الابتهاج بنهاية مسلسل لأنّ إعلان خبر وفاة أحد أبناء المنطقة كان كفيلا بوضع نهاية لكل مسلسل أو أغنية بل والاستعاضة عن كل ذلك بالحزن الدفين يعيشه الجميع صادقا،شعور غريب كان ينتابني بالبكاء على حزن وبكاء ابنائه وبناته  فبُنيَ بثقافتنا أنّ للموت حرمة وهيبة ووقار،وما كنّا نبدي أيّ شكوى أو انزعاج إذ أصبح هذا العرف جزءا من ثقافتنا وأخلاقنا وقيمنا.

        كذلك أفراحنا كانت تتوقف وتُشل زمنا طويلا مع شعور بالتعاطف والشهامة يرافق كل ذلك.

        أسوق ذلك لأنّي أستهجن هذا التحول الخطير والمعيب في قيمنا وأخلاقنا التي كنّا نراهن عليها ولاعتقادنا أنّها مكون أساسيّ من مكوناتنا ومن منظومتنا الأخلاقية والثقافية.

       ولعل المشهد الذي رأيناه على دوار الداخلية هو ما استحضر هذا التحول الخطير عندما رأينا هؤلاء الذين يرقصون ابتهاجا لا أعرف سببه حتى اللحظة متناسين أو متجاهلين أنّهم يرقصون فوق دماء أبناء شعبهم وربما أصدقائهم أو ربما أحد أقاربهم التي استبيحت فوق المكان.

       وهنا اتسائل كيف وصلنا الى منظومة قيم تجعلنا نرقص على أنغام بكاء الآخرين وعلى أنين جراحهم؟

       اسمحوا لي أن أعود وأبكي على بكاء أبناء الشهيد وأن أشكر محيطي الذي عشت فيه طفلا لأنّه لم يعلمني الرقص أصلا. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد