اغتيال القضية

mainThumb

10-04-2011 01:13 AM

  كعادته كل صباح، كان يجلس "أبو نّواف" في ذلك المكان على الأرض متكأً على على حجر اتخذه ملاذاً لهمومه و أوجاع حياته، حيث يحلق بفكره خارج السرب و داخله، و تحط رحال ذاكرته في محطات القرن و نيّف من سنوات عمره التي قضاها.   تارةً تُشاهد على ملامح وجهه ابتسامة، و تارةً أخرى يكتنف ملامحه حزن يُكبل المراقب له بقيود الحرقة و الألم، فسنوات عمره الطويلة  في هذة الحياة جعلته رهين محبسين: فالأصحاب و الأحباب الذين هم من عمره قد فارقوا الحياة منذ أمد بعيد، و حكمة الله بأن يكون عقيماً- فلا أبناء يحملون معه متاعب الحياة، و لا أحفاد يملأون عليه فراغ يوميه- لتصبح الربابة أنيسه الوحيد يجرُّ على أوتارها الحان الحزن و الوحدة.

 

سؤال كان يردده على المارة، و قد سألني أياه أكثر من مرّة، حيث كان اذا رأى شخصا قادما من بعيد – و أنا واثق كغيري من الذين كان يطرح عليهم السؤال نفسه، من معرفته للأجابة مسبقاً، حيث كان  يتمتع بنظر جيد- فقد كان يسأل:" مين هاظ؟"، فأجيبه: فلان، ثم يبقى يكرر السؤال و أنا أجيب حتى يقترب الشخص منا، " فيسنتر" السؤال بحيث تكون الأجابة "فلان" عندما يكون ذلك الشخص قاب قوسين أو أدنى منّا، ليتبعها بجملته الشهيرة:"ما لنا و ما له"، فأصاب بالحرج كغيري، لأنني ابدو لذلك الشخص و كأنني أتحدث عنه، و قد فارق "أبو نّواف" الحياة و مات السر في معرفة سبب هذا السؤال و تلك الجملة معه.

 

نتحدث كثيراً عن المفسدين و الفاسدين و الفساد، و تناولت أقلام الكتاب بطولاتهم و مراتع فسادهم، و اسهبت الصحف و المواقع الأكترونية بتغطية الموضوع بشكل منقطع النظير، و تحلق في سماء الوطن صرخات المعتصمين و هتافاتهم" نعم لمحاربة الفساد و المفسدين"، و قد أصبنا نحن المواطنين "بالفالج" و "الفداق" و "المرارة" من كثر ما نادينا و طالبنا بمحاسبتهم و محاربتهم، و ثبت ادانة البعض و تم تحويلهم للمحاكمة و حُكموا بالسجن، ثم تم تهريبهم تحت مظلة القانون بحجة "العلاج و" المكياج" ليرتعوا في خيرات ما نهبوا من أموال الشعب في فنادق لندن و ملاهي باريس، و أمام كل هذا نبقى-نحن المواطنين- رهين محبسين: الفاسدين و المفسدين و فسادهم، و الحكومة و هي جالسة هناك في ذلك المكان على كراسيها الفاخرة، و متكئه على هموم و أوجاع و جوع المواطنين، و نظرها" 6 على 6" و لسان حالها يقول: "ما لنا و ما لهم"، ثم تتغير الحكومات و يموت معها سر معرفة سبب هذا الجملة ايضا.

 

اقترح على الحكومة تعيين وزير دولة لشؤون الربابة يتحمل مسؤولية أن يجر على أوتار احبالنا الصوتية، و صيحاتنا و هتافاتنا بمحاربة الفساد قصيدة باسم الحكومة، مطلعها:

" ويا عيال اخذوا كلام الصدق ما به تكاذيب

مضينا العمر لراحتكم على المسك والطيب

وكنا نيجيكم عن الوعر مع تداريب

ومن خوفي يابوي عايل يجهد بلاكم

ونسعى مع الخلقان ونرافق الذيب

ومن خوف لا ينقص عليكم عشاكم

و عيال ما سرحناكم مع الاجانيب

ولا عالصقعة كليتم غداكم

ويا عيال ما ضربناكم بالمصاليب

ولا سمعت الجيران جظة بكاكم

و احفينا رجولنا في سموم اللواهيب

وخلينا لحم الريم يخالط عشاكم

وقمنا نتعكز فوق عوج المذاريب

وقصرنا خطانا يوم طالن خطاكم

يا ريت لسانكم ما يحجي ولا يقول

اذا بتظلوا على  التنكيش معانا

وعسى قمركم لا يطلع و لا يغيب

والشمس مطليه ويعتم سماكم"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد