دقت ساعة العمل

دقت ساعة العمل

23-06-2011 02:33 AM

قد تكون الحياة بلا طعم ولا لون وبدون أي قيمة إذا لم يكن هذا الإنسان فيها فاعلا متفاعلا عاملا نافعا لنفسه وأهله ومجتمعه ووطنه وربما العالم فالله عز وجل يأمرنا بقوله : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)  .

 

قلت هذه الكلمات وسرعان ما استوقفني أحدهم صائحا بصوت الشباب : رجاء لا تسكب الزيت على النار .قلت : أي زيت وأي نار ؟ قال : قد لا تعلم أنني خريج جامعة وطنية منذ إحدى عشرة سنة خلت وقد أنفق والدي على تعليمي وتعليم أخواني وأخواتي الصغار كل ما يملك حتى لجأ إلى المؤسسات البنوك الربوية بعد أن باع بدون مزاد قطعة الأرض الوحيدة في قريتنا التي كنا نتمنى أن يقام عليها بيت لنا يأوينا ويقينا حر الصيف وبرد الشتاء قلت : وهل بحثت عن عمل مناسب قال: لقد حفيت قدماي وأعياني البحث حتى كدت أن أتسول لولا أن أضاءت طريقي قيم الكرامة والشهامة والصبر و العفة التي غرسها في نفسي والدي الفلاح رحمة الله عليه وما زلت أذكر أنه قد رفع كفيه إلى السماء وصلى شكرا لله يوم أن تسلمت شهادة الجامعة وأصر رغم ضيق ذات اليد على إقامة حفل متواضع للأصدقاء والجيران إيذانا بذلك الإنجاز الذي رآه والدي وأنا معه بأنه بداية السعادة ونهاية الشقاء .

 

ومرت الأيام والأشهر بطيئة ثقيلة بل قل إنها سنوات مرت لا أدري ولا أستطيع أن أصف لك كيف كانت المعاناة لكن أقول لقد تبدل حال التفاؤل والبهجة والحبور بذلك الإنجاز الذي رأيناه يوما ما عظيما إلى إحباط ويأس وقنوط وملل وسأم بل قل إلى مشاكل عائلية ونفسية لا يعلمها إلا الله ثم التفت إلي  ذلك الشاب قائلا : انظر ألا ترى تلك المحلات لأعمال الأخشاب والنجارة بالطرف المقابل للشارع قلت : بلى قال إن المعلم المسؤول عن هذه المحلات  لأعمال الأخشاب والنجارة والدهان كان زميلي في المدرسة وكنت أنا مقبلا على الدراسة أكثر منه ثم حصلت في الثانوية العامة على معدل أهلني للالتحاق بالجامعة وتنهد وتأوه يتحسر ليت أني حصلت على معدل لا يسمح لي بدخول الجامعة كصديقي أحمد الذي ذهب بعد الثانوية إلى مجال التدرب على المهنة وتعلم فن أعمال الخشب والدهان ثم فتح محلا متواضعا وأقبل على عمله بجد ونشاط حتى أصبح حاله هذا اليوم مشرفا ومسؤولا عن عدد من المحلات وعدد من العاملين فيها وانظر تلك هي سيارته الفخمة من أحدث الموديلات وذلك هو بيته إن لم نقل قصره وهو متزوج ولديه أولاد كالورود ما شاء الله بارك الله له وعليه قلت له : أما زلت أنت في بيت للإيجار ؟ أما باع والدك  أرضه كي تتعلم وتحصل على بكالوريوس معلم مجال الذي كانت وزارة التربية والتعليم قد طلبت من الجامعات استحداثه كتخصص لرفد الوزارة بالمعلمين ثم إنها أوقفت تعيينات تلك الفئة من المعلمين في ذلك التخصص ؟ أما زلت تتحسر وتنتظر أما أصبحت في سن تجاوز الثلاثين وقارب على الأربعين عاما أما زلت بلا بيت ولا مأوى وبلا زوجة وبلا أولاد وبدون عمل ؟ قال : نعم  قلت : لا تيأس ولا تنتظر فرجا من وزارة التربية والتعليم لتعيين معلم مجال .

 

 اذهب الآن والتحق بطابور الشرف والشهامة والكبرياء من العاملين في المهن الكثيرة الذين لا ينتظرون بل يبادرون ويعملون وهم الذين يعلون شأن أنفسهم وشأن الوطن قال : هيا  فعلا صدقت (لقد دقت  ساعة العمل).

 

ومرت عدة أشهر صادفني ذلك الشاب نفسه على غير حاله وعلى غير هيئته وعلى غير هندامه واستوقفني وصافحني بل عانقني وهو يقول: شكرا لك ولأمثالك لقد أصبحت الآن أشعر وأتذوق لذة الحياة فعلا الحياة عمل فلنتوجه للعمل ونبني معا والله المستعان.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد