بساطير

mainThumb

18-07-2011 11:26 PM

ما جرى في ساحة النخل مؤلم وصادم للوعي، ويؤشر إلى خلل كبير يحكم الجهة المسؤولة عن إدارة الدولة بكل تفاصيلها، خاصة إذا ما ثبت هذا الخلل بكثرة التكرار، وهذا ما حدث فعلا، وبشكل صارخ في الأزمة الأخيرة، إذا جسّد العقلية العرفية المسيطرة على الذهنية الإدارية للنظام.
كلمة (( بساطير )) تسيّدت المشهد برمته صوتا وصورة وتداولا؛ لكنها وللأسف كانت من البشاعة بحيث أهانت كبرياء الأردن،  وكشفت منهجية النظام في التعامل مع شعبه على حقيقتها للقاصي والداني، بلا طلاء ولا كريمات تجميل.
كانت جريمة فعلا، وأنت تقرأ التعليقات، وتسمع الهتافات، وترى الصور، ثم تحاور المثقف ونصف المثقف، وعموم الناس: المؤدلج وغير المؤدلج، فيكون مضمون الحديث : ( كيف شفت شغل البساطير اليوم أو أمس !!!؟؟؟).
جريمة أن يختزل إنسان بكامل إنسانيته ليصير مجرد (بسطار )، وبعض الساذجين فرحون بهذا التعبير، ثم تتعاظم الجريمة حين يتم تركيب المشهد النهائي للنظام كله بذات العناصر،  ليتلخص هو الآخر  بذات اللفظة.
نعم هي جريمة وفاجعة في آن معا،  وأنا كأردني حرّ أتمزق ألماً وقهرا لما اقترفه المسئولون عن إدارة الأزمة، وأطالبهم بالاعتذار للشعب الأردني عن هذه الإهانة البالغة، التي تسببوا بها للأردن بكبريائه وكرامته ونظامه ودولته، وأطالبهم بوضع حد للمهزلة المتجسدة في طريقة إدارتهم لملفات الحكم.
لقد أظهرت الصور مستوىً من العنف لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، ولا يمكن تفسيره إلا بعدم أهلية يتولون المسؤولية، وتعطيل لبنود الدستور الحامية لكرامة الأردني وحقه في التعبير، ومرض مزمن في التربية الأخلاقية لكافة القطاعات والعناصر العاملة في إدارة الملفات الأمنية للدولة.
وأتساءل هنا وبإلحاح لم كل هذا الحشد من الدرك والأمن، بحيث فاق بكثير عدد المعتصمين؟؟ أهو لاستعراض العضلات، أم للتخويف؟؟!! أعتقد أن كل هذا ما عاد يجدي، وللمسألة وجه آخر:
طبيعي جدا لأن يصرع رجلُ الأمن المسلح والمدرع المواطنَ المتظاهر من أجل حقوقه، وطبيعي أكثر أن يستطيع جمع من العسكر أن يدوسوا على وجوه البعض ويقولون لهم( بوسوا البساطير يا.....)، ثم تخرج الصورة لتنطق وتقول:
إن ذلك لا يضير المواطن كمدني أعزل، ولا يعد بطولة ولا رجولة في الجندي المدجج، بل هو انحطاط في النفسية،  وخساسة في الطبع، وذهاب للمروءة،  يرسم بالريشة العابثة صورة قذرة لتصرف رجعي متخلف، لا  أرضاها له كأردني غيور،  ويجب أن لا يرضاها النظام نفسه لنفسه أمام العالم المتحضر المحترم.
ثم أين المصداقية في المؤسسة الأمنية بعد أن ألبست الصحفيين سترات خاصة كي تميزهم عن المتظاهرين،  وتوفر لهم الحماية، ثم يظهر -بالصور أيضا - أن الهدف من هذا الإجراء هو تسهيل الوصل إليهم؛ لتأديبهم وإرهابهم وتغييبهم عن مسرح الجريمة، ثم تسجلها ضد مجهول، أو تُعتمد فيها الرواية الإعلامية الرسمية المجروحة بكونها طرفا في المعادلة؟؟؟!!!.
أين المهنية المفترضة في المؤسسة الأمنية ، وهي لا تكتفي برجال الأمن العام والدرك للتعامل مع المتظاهرين، لتجمع إليهم رجال السّير والمخابرات والأمن الوقائي وغيرهم؟؟؟!!!
أين الكرامة والإنسانية والإحساس بالمسؤولية عند بعض القنوات والمواقع الإلكترونية المحسوبة على النظام، والتي تديرها أرخص الأقلام والحناجر، وأبعدها عن مصلحة الوطن، حين جردت الأردنيين المطالبين بالإصلاح من جوازات سفرهم،  وتناست عشائرهم،  واتنزعتهم من قراهم ومدنهم وبواديهم، ليصبحوا عملاء ومتآمرين على الوطن وأمنه، وجلبت  -نعم جلبت -جماهير الغوغاء والدهماء تستعديهم وتحرضهم عليهم؟؟؟!!!
يا من تفهمون، هذه عندي جريمة أكبر من سابقتها، حين يكون سفراء الوطن، وعشاق النظام بهذه الصورة،  ومن هذه النوعية.
أين عقولكم أيها الأغبياء؟؟!!  وأين تأخذون الأردن!!؟؟: هتاف وعربدة وسباب وشتائم وسجائر وأذرع متسخة بالوشم، ثم رفع للعلم ورمز الدولة،  ....... ألخ.
هذا الجنون مسئول عنه الحكومة بكل أجهزتها ورجالها،  والواجب الأخلاقي يدعوهم إلى الاعتذار والاستقالة، والواجب المهني يدعوهم إلى المساءلة والمحاكمة.
يا أنتم، لقد  أسأتم للأردن كثيرا، وهويتم به إلى قعر سحيق، وأنا هنا لكم ناصح بلا ناقة ولا جمل، أدلكم على الأخطاء والفظائع التي دفعتموها في وجه الأردن وشعبه كي تتجنبوها في قابلات الأيام، ولا أظنكم تفعلون ؟؟؟!!
وأختم بهمسة أتمنى أن تفكروا بها جيدا:  الزمن لن يعود إلى الوراء،  والشعب -كل الشعب-   ينتظر ويريد إصلاحا حقيقا لا ديكوريا،  وهو مصمم على ذلك،  وعازم على الاستمرار والتنامي والتنوع، وأكاد أجزم أنكم قريبا ستجدون أنفسكم أمام ساحة نخيل أخرى،  ودوار داخلية جديد، فأين تذهبون بالوطن ؟؟؟؟؟؟!!!!!
اللهم فاشهد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد