فوضى السياسة والمؤسسية

mainThumb

11-08-2011 01:59 PM

لم تكتسب الدول الراعية للقرار الغربي المفروض عليها صفة الشرعية بعد ،والسبب في ذلك  أن المجتمعات العربية لم يحن بعد أن تشكل الفكر الجمعي لديها ، والذي أصبح في الفترة الراهنة قيد التيارات المتشرذمة أصلا والتي لم تأخذ بعد صفة الشرعية كما الأنظمة الناظمة الراعية للتوجهات الغربية ، والذي لم يطبق في هذه الدول بعد ،فاذا ما طبقنا العمل المؤسسي سلوكا ناظما لدولنا ، لم نصبح كما هي الحال فوضى سياسة وفوضى في مسألة الوجود والهوية ، ومسألة قرار يشعر المواطن من خلاله بمظلة أمان ، وهو انه ابن الدولة، وهي التي ترعاه وترعى مصالحة ، وتقف منه على مسافة قريبة يشعر بمصداقية العلاقة ، وان العقد الاجتماعي الذي تشكل ما هو إلا انسجام بين الحاكم والمحكوم ، لكن وبمجمل العوامل التي تشكلت في العقد الماضي من القرن العشرين ، والتي ساهمت إلى حد ما بإيجاد هوة بين صاحب القرار والشعب الرئيس في منظومة الدولة العصرية وما يرافقها من الجغرافيا أصبح المواطن العربي إنسان بعرف جميع السياسات التي تشكلت لديه هو منظومة من الثقافة الشرسة المستهدفة لوجوده وهويته البشرية ، إنسانا يحرص على الشبع ويخشى الجوع ،  ما جعله كائن حي جل اهتمامه يتمرس في إشباع حاجاته بعيدا عن كل المفاهيم الإنسانية التي تحرص على وجودية الإنسان، واحترام كيانه ، الذي نادت به كل المفاهيم والمعتقدات و الاعراف الدولية .


ان الدولة تتألف من إنسان ، وجغرافيا ، وسلطة حاكمة منتخبة من مصدر السلطات (الشعب) , وفي هذا السياق لا بد من أن يكون تناغم وعلاقة طبيعية لا يحكمها الشك والفوضى بوجود شراكة لربما هي الأقوى بقيام عقد اجتماعي طبيعي ، لم تكن للأنظمة يد في تشكيله إنما هي طبيعة العلاقة التي تشكلت مسبقا بين (المكونات) الثلاث ،  وهي أن الإنسان هو الراعي لجغرافية الوطن الذي يعيش , وهو الساعد الأقوى في دفع السلطة لبناء وطن تتشكل فيه المفاهيم والاستراتيجيات من أجل حياة يعيش في ظلها من أراد العيش بسلام وحرية مجتمعين ، بعيدا عن تناغمات معزولة عن الجغرافيا ومصدر السلطات الرسمي وهو الشعب ، ما يساعد على بناء ثقافات تنافرية تجعل من الإنسان والأرض حلقة ضعيفة قد ساعد على تشكلها المصالح الفردية لدى الحاكم ، وبجعل مساحة واسعة معكوسة من عدم المصداقية  لأنظمة انطوت على نفسها واختارت الضعف المبرمج لرسم مستقبل غامض لشعوبها ، وبتر أي اتجاه أممي يساعد في بناء دولة المؤسسات والقوانين.


يعرف الكثير منا ان مسألة وجود دول ديمقراطية وهي جزء من دول المؤسسات والقوانين في المنطقة إنما يشكل هاجس وقلق دولي وعالمي ، وبان هناك مخاوف على وجود الكيان المحتل والذي بدأ بوعد  وانتهى بالاعتراف بالدولة الصهيونية رسميا من قبل الأنظمة الراعية للإرهاب والمستنكرة لوجوده من الدول المحيطة ، ولذلك ولأن العقل الجمعي المأزوم في المنطقة تشكل بفعل السياسات المتبعة  لإجهاض أي عمل من شأنه إقامة دولة عربية مؤسسية ديمقراطية هدفها العمل المنظم المشترك ، والذي هو بدافع المحافظة على مسألة الجغرافيا ومسألة الثقافة العربية المشتركة التي تحمي المواطن العربي من أي انتهاكات تساهم في عزله عن القرارات المصيرية التي تحافظ على هويته وجغرافيته التي تأطر وتشكل من خلالها , فأن من المهم  عودة الشعوب إلى مسألة ان العقل والقانون ينادي بحكم الشعب وتقرير مصيره ومبدأ عدم الانفراد بالقرار وتسليم مصالح الأمم ومصائرها لمن لا يعي مصلحة الأمة وعواقب الأمور.

وما يجري على الساحة العربية فوضى سياسة وحكم مستبد تشكل بفعل الممارسات غير المسئولة لشعوب المنطقة ، وقد ساهم في استمرارها أصحاب المصالح البراغماتية الاوليجارشية الذين ألفوا الممارسات غير المسئولة اتجاه شعوبهم وأسهموا في رسم سياسات معادية للصالح العام، ما دفعهم إلى ممارسة تقمص الوجوه المزيفة من أجل إجهاض أي عمل من شأنه حماية مصالح الأمة، والعمل على بناء جسر غير مشبوه.


ان تيارات الإصلاح المقنع يزجون بأنفسهم داخل أي حراك شعبي فيمارسون تارة إسقاط الحكومات والبرلمان.. لكن في داخلهم إسقاط أنظمة ، الهدف منها ليس مصلحة الشعوب ، ولا لأن الأنظمة غير مؤهلة للحكم  ولا لأن  المنطقة العربية بحاجة إلي التغيير في الثقافة والسلوك، ولكن ليظهروا أمام العالم والشعوب أنهم هم الأقدر على ممارسة المواقف ،ولأنهم هم من يستطيعوا ويحلموا بأن الحكم لهم لكنهم ابعد ما يكونوا عن فعل الصواب ، وابعد ما يكونوا عن رسم السياسة العربية كيف تكون مستقبلا ، بيد أن الشارع العربي لا يحلم ولا يعترف بهم ، وهم الأبعد عن الوطن والأمة ليس لأنهم خارج تيار البشر فحسب بل لأنهم مأزومون ، ولا يمتهنوا سوى المواقف المقولبة الشاخصة للمصلحة الفردية بعيدا عما يتشكل على الساحة العربية.

 
ولأن الوطن والأمة هما الأهم ، ولان ما يطمح به الشارع العربي العيش بسلام ومساحة من الحريات ، ما يدعونا للعمل بروح الجسد الواحد من أجل دولة مؤسسية ناضجة بمفاهيمها –ليس للحاكم فيها الشرعية بممارسة السلطة على المؤسسات// ما يجعلها تقوم بدور مسئول راعيا للمواطن في كل مناحي حياته ، غير آبه لاضطرابات مجاورة تشكلت بقمع ، ومارست السياسة نفسها على الشعوب ، فنحن لسنا من الذين يهوى الخراب ، ولا ممن يمتهن الكذب في المواقف ، إنما نحن شعب يحب الوطن ، ويسعى ويطمح لدولة مؤسسية عصرية  مدنية تمارس الانتماء بمفهوم شفاف ، وتسعى لبناء عقد اجتماعي صادق تغلفه مساعي الخير من أجل وطن منظم  بعلاقته بين الحاكم والمحكوم ، تقسم فيه مكتسبات التنمية على الجميع دون تمييز ، ورقابة مؤسسية على  أعمدة  الدولة بقضاء مستقل ، بحيث يشعر المواطن انه لم يعش سابقا بمرحلة ما قبل الدولة وأنه يرى ان التغيير هو سنة الحياة دون قتل أو دمار .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد