موسم الحصاد

mainThumb

02-10-2011 01:16 AM

 موسم الحصاد عند المزارعين رغم بهجته ورغم كونه معلق آمالهم، إلا انه في ‏الواقع يعتبر من أكثر الأعمال الشاقة، لدرجة انه لو كان عقوبة قانونية للمفسدين ربما ‏لن تجد منهم احد يستسيغ أكل المال العام بدون وجه حق.‏ ‏

ففي موسم الحصاد كان لا بد من بذل مجهود بدني كبير من الرجال والنساء ‏وحتى الأطفال، لانجاز العمل بروح الجماعة وكانت الجيران تتكاتف في مساعدة ‏بعضها البعض، فما كانوا يتركوا احد بحاجة إلى المساعدة إلا وساعدوه، ونظرا لان ‏العمل يدوي فتجد ان القيام بالعمل يتخلله الخوض في أحاديث وسوالف متعددة، ففي ‏اليوم يمكن التطرق لعشرات المواضيع، وتدور النقاشات حولها ويتم استعراض ‏البطولات الشخصية وذكر المواقف المحرجة والتلميع بما هو صحيح وغير صحيح، ‏المهم كان ان يمضي هذا اليوم بأكبر انجاز ممكن، وبدون الالتفات للعناء الذي يقاسيه ‏هؤلاء المزارعين، وما تكاد شمس يومهم تغيب إلا وخلدوا للراحة استعدادا ليوم عمل ‏جديد، ويبقوا في هذا العناء حتى يتم انجاز العمل ثم بيع المحصول أو تخزينه.‏ ‏

اليوم انحصرت هذه الأعمال الشاقة كثيرا، خصوصا مع تردي الأوضاع ‏المعيشية للمزارعين للأسف، مما حذا بهم لترك الزراعة والتوجه لاعمال اخرى ‏عسى ان تكون أكثر مردود عليهم، وبالنسبة لمن بقي على هذه الحرفة أصبح يعتمد ‏على الآلات وعلى الأيدي العاملة، وبذلك انتقلت سوالف الحصادين لمكان فيه جمعة ‏ناس غير الحقول (الفلايح والوطي)، فوجدت السوالف ضالتها في مجالس التشريع ‏والرأي و الصالونات السياسية، ولكن غيرت سوالف الحصادين من طابعها الخاص ‏فأصبحت تدعي ان اسمها سوالف ( النخبة) الساسة وكبار المسئولين ورجالات ‏الدولة، كما أصبحت تدور موضوعات هذه السوالف على إطلاق الوعود الكثيرة ‏للتنمية، والعمل المثابر الجاد، وذكر المناقب الحميدة للمشاهير الذين تعاقبوا على ‏إدارة المرافق العامة للدولة، وقصص نجاحاتهم ودورهم في الحفاظ على المال العام ‏من الضياع وعبث العابثين، وتتحدث عن المؤامرات التي تحيكها وسائل الإعلام ‏والإعلاميين لاغتيال شخصياتهم وتشويه سمعتهم ونكران انجازاتهم العظيمة.‏ ‏

فأصبحت سوالف النخبة صوره دقيقة لأفعالهم؟؟؟ عكس ما كانت سوالف ‏الحصادين، لتضييع الوقت والترويح عن الأنفس من مشقة وعناء العمل، فسوالف ‏الحصادين كانت تشترط ان لا تؤخذ من مكانها، أما سوالف النخبة فتصديقها لزاما ‏على العامة، والواجب عند سماعا التصفيق بحرارة ونشرها في وسائل الإعلام، ‏إكراما وتقديرا لانجازاتهم، فهم بناة الوطن وحماته، وكل من دونهم مدان لهم بهذا ‏الجميل.‏

 ‏ وللحفاظ على نصاعة صورهم وعدم تشويه سمعتهم، اخذوا نصيبا من قانون ‏مكافحة الفساد في مادته المشهورة بالمادة 23 ، والتي تنص "على كل من أشاع أو ‏عزا أو نسب دون وجه حق إلى احد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أياً ‏من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته ‏أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار ولا تزيد ‏على ستين ألف دينار" وطبعا هذه المادة عند قراءتها لأول وهلة، تقول إنها لا تحمل ‏أي حماية لمفسد، بل هي لحماية الأشخاص من اغتيال الشخصية، والادعاء عليهم ‏بغير حق، ولكن في الواقع ان كل قضايا الفساد التي كشفت أو حولت لمكافحة الفساد ‏بدأت بمعلومة مسربة من غير أي دليل مادي، ولكن سرعان ما أثبتت التحقيقات ‏صحتها، وهذا حسب ما يقال بالمثل العامي ( هذا مربط الفرس )، فالذي عنده معلومة ‏عن فساد في قضية ما، ولا تتوفر الأدلة القانونية التي تدين المفسد يجب علية ان ‏يسكت، وإلا فالغرامة كفيلة بإدخاله أم الولو أو سواقة أو الجويده.‏ ‏

 فمن غير المعقول ان يتورط احد بقضية فساد تكون مكشوفة للعامة، ويكون ‏الدليل القانوني ظاهر عليها، بل وعلى العكس فانه سيستغل المنافذ والثغرات القانونية ‏لهذا العمل، وفي أسوأ الأحوال ستنسب له اجتهاد إداري خاطئ، لا يحمله المسؤولية ‏عن هذا التصرف.‏
‏ وبعد ذلك يريد الصحفيون ان يجعلوا من سوالف الحصادين ان تغير اسمها ‏لتكون سوالف صحفيين.‏

 kayedrkibat@gmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد