في بيتي نائب

mainThumb

17-10-2011 04:56 PM

في مساء كل يوم تجلس أبنتي " رونق " بجانبي وهي تحمل بيدها قلم وورقة بيضاء وقد كَتبت في أعلاها عنواناً لها " البرنامج الصباحي للإذاعة المدرسية " ، البرنامج يبدأ بفقرة تلاوة أي من الذكر الحكيم ، ثم تنتقل إلى فقرة تحية العلم وبعدها فقرات متنوعة وربما تخصيص لمناسبة وطنية حيث تلقي إحدى الطالبات أو أكثر كلمة صباجية بهذا المضمون .


" رونق " تجلس بجانبي لاستشارتي في بعض العبارات والصياغات فهي تحرص كل الحرص أن تكون لغة العبارات جميلة من حيث المحتوى وقواعد الإعراب وأنا هنا أقوم بزيادة المصروف لها " شلن أو عشرة قروش " تشجيعاً لها ، لكن على غير عادتها " رونق " في الأٍسبوع المنصرم بدأت تسألني أسئلةً غير معتادة ، مثلاً : ما هو البرلمان ؟ مجلس النواب ، الانتخابات ، الحكومة ، الديمقراطية ، وعندما زادت عليَّ أسئلتها أخذت أستفسر منها عن سبب اهتمامها الزائد هذه الأيام بهذه الأمور وقلت لها يا " رونق " هذه الأمور " بتوجع الراس " عند هذ العبارة إستوقفتني" رونق " قائلة: لا يابابا ، أنا سأترشح للبرلمان وسأكون نائباً ، هنا إستوقفني حديثها وإصرارها عندما علمت أنها تنوي خوض الإنتخابات للبرلمان أقصد البرلمان المدرسي ، وقد عزمتْ هي الأمر دون معرفتي بعد أن تشاورت مع زميلاتها في المدرسة وبدأت بحشد التأييد لنفسها.


وفعلاً تقدمت " رونق " بطلب الترشيح ثم بدأتْ ومن خلال ملاحظاتي لها بقيامها بحشد التأييد لنفسها من خلال إتصالها مع زميلاتها ومحاورتهن وطرح الأسئلة والنقاش على " الفيس بوك" وما أدراك ما " الفيس بوك" ، فهي مثلاً تحدث زميلاتها بنظرتها إلى تحديث المناهج بحيث تصبح أقل حملاً من حيث الحجم والمضمون لأنها تقول بأن الحقيبة بتكسر الظهر ، خاصة أنها تذهب للمدرسة مشياً على الأقدام مسافة تزيد عن ثلاثة كيلو متر ، وفي خطوة لاحقة كنت أشاهدها تقوم بإحضار أطباق الكرتون وتقطعه إلى قطع تتناسب ورغباتها لتكتب عليها عبارات وشعارات تحث زميلاتها على الإنتخاب. لم تكن " رونق " لوحدها فجدران المدرسة تنبئك الملصقات عليها بأن هناك تنافساً شديداً بين الطالبات حيث تشعر أنك في جو ديمقراطي بعيد عن العشائرية والحزبية والمصالح الفردية ، إستوقفتني مجموعة من اللافتات الكرتونية مكتوبة بخط اليد لإبنتي " رونق " موزعة في كردورات المدرسة مكتوبٌ عليها شعارٌ واحد : نحن من يصنع التاريخ ، نحن من يصنع المستقبل. وقبل يوم الإقتراع لاحظت أن " رونق " يعتريها الإضطراب فهي في حالة غير طبيعية ، " رونق " تدرك بأن غداً موعد الإقتراع وهي تخشى الخسارة. في صباح يوم الخميس موعد الإقتراع نهضت " رونق " باكراً وأنا أجزم بأنها لم تنام وبعد أن إرتدت مريولها الأزرق وضعت على صدرها بطاقةً مكتوبٌ عليها المرشحة " رونق " ، أما أنا فذهبت إلى عملي وفي الطريق كانت ذاكرتي تعود بي إلى الوراء ، وأتذكر كيف حُرمت من الذهاب إلى روسيا في بعثة تعليمية عندما أنهيث الثانوية العامة ، فقد كانت كلمات والدي القاسية والتي ما زالت ترن في أذني " لن تذهب إلى روسيا ، سوف تصبح شيوعياً سوف لن تعود ، وإن عدت سوف تذهب إلى الجفر وأنا لا أعرف معنى الجفر في ذلك الوقت ، سوف .. وسوف .. وسوف وما أكثر التسويف ؟؟؟ وسوف ستتزوج روسية ، وأبنت عمك من سيتزوجها ؟؟ وكان كل همه إبنت عمي ، أما إبنتي " رونق " فهي اليوم تتحدث عن الحكومة وعن البرلمان وعن الإصلاح والسياسة وترفع شعارها الخاص وتحاور صديقاتها وهي في سن كما يقولون في المثل العامي ( بعدها ما فقستها البيضة ) مع شديد إحترامي لإبنتي " رونق ".


" رونق " فازت وحصلت على أعلى الأصوات ، هاتفتني وهي تكاد تطير من الفرحة وقالت: المديرة هنأتني ومعلماتي باركن لي أما زميلاتي فقد حمللني على أكتافهن وطفن بيَّ في ساحة المدرسة .. باركت لها وبدأ قلبي يخفق ويساورني الشك بأن الحكومة أقصد " زوجتي " سوف تتحالف مع البرلمان " رونق " وتجذبها إلى صفها ليصبح البرلمان والحكومة في تحالف لن أستطيع مواجهته حيث كان أول قرار أتخذ من الحكومة " زوجتي " وبتشريع من البرلمان " رونق " زيادة المصروف المدرسي من عشرين قرش إلى ربع دينار ، وللقرارات بقية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد