تربيتنا بين الأردنة و العولمة

تربيتنا بين الأردنة و العولمة

19-10-2011 07:00 AM

ظهرت في عالمنا العربي مشكلات كثيرة  ، نتيجة للتسارع في التطور و التدفق في المعارف وتشابك الحضارة وعدم التوازن بين التقنية الحديثة و الحياة الاجتماعية ، فأصبحت  المؤسسات التربوية  عاجزة عن  مواكبة المتغيرات في عصر يتميز بتسارع الخُطى في العلوم والتقنية. دعونا نعترف إن تر بيتنا لا زالت تنتمي لما قبل عصر المعلومات والاتصال والعولمة الجارفة، ولا نزال نتوجس ريبة من أفكارها و تصوراتها .

قد يتصدع النظام التربوي العربي تحت تأثير الصدمات الثقافية والتربوية للعولمة  ، حيث تأخذ أحد النمطين من التحديات، يفرض أحدهما نفسه بقوة الاندفاعات الحضارية الزاحفة للعولمة (Globalization) التي تفرضها طبيعة التحولات التقنية  والاندفاعات الحضارية. أما المجموعة الأخرى من الصدمات فتتمثل في عملية مقصودة  تستهدف التربية العربية بوصفها العمق الحضاري الذي يحتضن ثقافة عربية إسلامية لا يراد لها أن تصمد في وجه التذويب الحضاري.

التربية (Education) عملية مقصودة هادفة موجهة يقوم المربون من خلالها بخلق مواقف تربوية تكون حصيلة تفاعل الفرد معها عبر تغيرات في السلوك الإنساني (Human Behavior)  .   أن التربية هي المخرج الوحيد الذي يساعد الأمة على الخروج من أزمتها الراهنة مع المستجدات المعاصرة. فالتربية هي الدرع الواقي ضدّ الاكتساح الثقافي في عصر العولمة وأهم سلاح في مواجهة التفوق اللامحدود  في مجال العلم والتكنولوجيا .

من المعروف إن الدول الغربية ترفع  لواء التغريب والتخريب باسم الإصلاح والتطوير ونحوها من الكلمات الجذابة البراقة مستهدفة  المباحث و المواد السيادية من حيث عدد ساعات التدريس  و المحتوى و على رأسها الدراسات الاجتماعية و اللغة العربية والتربية الإسلامية و التربية الوطنية حيث يتم حذف الآيات القرآنية التي تتناول الجهاد  والقصائد الشعرية و بعض الملامح البطولية التي  تتغنى بأمجاد العرب و المسلمين من المناهج و الكتب المدرسية بحجة أنها تبث الكراهية بين الشعوب.

بحسنة نية أو غير ذلك ، ما زالت التربية الأردنية بعيدة كل البعد عن حقل البحث والتقصي والرصد والتحليل العلمي لمواجهة تحديات العولمة ، وذلك على الرغم من الأهمية الكبيرة التي تتميز بها التربية في عالم الصراعات والتحديات في عصر صدام الحضارات ، حيث ما زال البحث في قضايا العولمة سجين المقاربات الثقافية المحض ورهين الخطاب الاقتصادي . تكمن مواجهة تحديات العولمة في إيلاء التربية والتعليم مزيداً من العناية كماً وكيفاً، بإعادة النظر في مناهجنا والتدقيق في محتواها وفي الطرائق التدريس وأساليب التقويم وأدواته  وتحديدها وجعلها مواكبة لعصر العولمة ، وغرس مبدأ التعلم الذاتي ( Autonomous  Learning )  في نفس المتعلم والتفكير الناقد لسلوكيات حياته اليومية ، و الاهتمام بالبحث العلمي على مختلف المستويات والحقول المعرفية ، والتمسك بالتراث الثقافي.

إذا أردنا معلماً جيداً في عصر العولمة وثورة المعلومات علينا أن نختار من هو هذا المعلم وكيف نختاره وعلينا أن نضع برامج لتدريبه ومعايير لتقييم ذلك التدريب ووضع حوافز لمن يكون قد اهتم وأنجز التدريب بشكل منطقي وواعٍ . علينا تغيير صورة المعلم النمطي الذي يقاوم التغيير ويرفض كل جديد ، علينا أن نطرح رؤية جديدة للمربي في ظل العولمة يتمثل بإعداد معلم ثوري ( Revolutionary Teacher)  متجدد يسعى لتطوير ذاته. 

ومن أجل مجابهة العولمة ، لا بد أن يحدث التغيير في المناهج وفق مصالح الأمة بحيث تكون تلك المناهج معبّرة عن واقع الأمة وبانية لتراثها العربي الإسلامي العريق، ويجب أن يكون هناك أجهزة متخصصة  تعنى بصناعة و تطوير المناهج وفق مقومات المجتمع ووفق معايير تقويمية دقيقة . أما على صعيد الطلبة ، لا بد من إعداد الطالب الأردني  لحياة متغيرة متبدلة وهذا يعني بناء الإنسان القادر على احتواء التغير والتكيف معه مهما تجلى هذا التغير في أماكن العمل وفي طبيعته وتغير أسلوب الحياة والتنقل عبر الجغرافية والبلدان وتغير المفاهيم والتصورات.

نحتاج في عصر العولمة إلى تعليم يعزز الهوية العربية والإسلامية في نفوس أبناءنا بحيث يحفظ لهم الموروث  التاريخي والإسلامي ، ويرسخ فيهم المنهج الوسطي المعتدل المنفتح و المتفتح  ، خاصة أن مجتمعاتنا تواجه الكثير من التحديات المتمثلة في الصراعات على مختلف ضروبها  والمصالح الاقتصادية والسياسية والتربوية  ، بل تواجه تحديات أبعد من ذلك وهي استغلال تلك الصراعات لخلط الأوراق .

إن عملية الإفادة من العولمة في النظام التربوي الأردني  يجب أن تنطلق من فكر المجتمع وعقيدته. إذ لا يجوز بحال من الأحوال تناول أي قضية بمعزل عن سياقها ومنظوماتها القيمية ونظرتها  الفلسفية للإنسان والكون والحياة. و بالتالي لا بد أن تكون فلسفة التربية قائمة على الرؤية الكلية للعديد من ثوابت العروبة و الإسلام و الخصوصية الأردنية ، تلك الفلسفة المنشودة قادرة على استيعاب الثقافات الأخرى وهضمها وتمثلها، وليس الاندماج معها كما تنادي العولمة.   لا أدعو إلى مقاومة العولمة كلياً رغم فشلها الذريع في توفير الرخاء والرغد  الاجتماعي  للإنسان ، لكنني أريد ترشيد التعولم وتسخيره لمصالحنا كي لا نصبح مثل الغراب الذي حاول تقليد مشية الحجلة، ففشل في تقليدها ثم نسي مشيته. أنا مع تبني الشعار الذي يقول فكّر عالمياً واعمل محلياً   ( Think globally ,act locally and perceive newly ) لمواجهة تحديات العولمة بهدف  التفاعل الإيجابي معها .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد