مشاهدات من تشكيل الحكومات

مشاهدات من تشكيل الحكومات

26-10-2011 01:36 PM

لقد أصبح تشكيل الحكومات في بلدي مثل " البورصة " ، حكومة تذهب   و حكومة تأتي ، حكومة تلي حكومة ،وكأننا في سباق لكي ندخل موسوعة " غينيس " في عدد حكوماتنا التي بلغت " 35 " حكومة حتى تاريخه ،ولتقريب الصورة فإن هذه الحكومات مثل أسعار الفواكة والخضراوات صعوداً وهبوطاً،وحسب العرض  و الطلب ،وأحياناً على طريقة ما يطلبه " المشاهدون " أو لنقل بدقةٍ ووضوح حسب مزاج صاحب القرار ،إمّا للتغطية على موقف معيّن، أو خروجٍ من موقف متأزّم ، أو صفحة جديدة لطيّ بعض الصفحات السوداء المشوّهة " سابقاً " ،أو بناءً على " وحيٍ " من دولٍ صديقةٍ أو عدوّة ، الأمر سيّان ، كل هذا يُحسب حسابه في تشكيل الحكومات في بلادنا ،إلا أمراً واحداً لا يُحسب و لا يُعْبأُ به و هو: " مصلحة الوطن " أو " مصلحة الشعب " ، أو النهوض بالواقع الآسن،أو استجابة لمتغيرات تمليها الضرورة ،واستشراف المستقبل .

     و الذي يستعرض ولو لفترة لا تقل عن عدد من السنوات مثلاً " كعيّنة " لدراسة آليّة هذه الحكومات سيخرج بنتائج مأساوية و مؤلمة ، ترثي حال الأمة و الوطن على حدٍّ سواء :

•   بعض الحكومات أو أغلبها تأتي فجأة ،وبدون تخطيط أو ترتيب أو مقدمة ،ثم يُفصّل لها برنامج و أسماء و مستشارين ، وتُحاط بهالةٍ إعلامية عالية الجودة : أنها الأفضل ، والمنقذة ، وأنها من الآخر ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، ويُستنفر لها كتّاب التدخل السريع لتدبيج المقالات وقصائد الغزَل و المديح في رئيسها وأزلامها وبرنامجها الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،ثم برقيات التهنئة الطويلة و الدفع بالوفود الشعبية و الشخصيات لكي تحجّ إلى مقر الحكومة لتقديم التهاني والتبريكات ،ولا نستغرب أن يكون هؤلاء الكتّاب أنفسهم و الوفود سيكونون في موكب تشييع نفس الحكومة وقدحها بأبشع الأوصاف بعد فترة من الزمن لأنها فقدت الصلاحية وانتهت المهمّة .

•   معظم الحكومات تعتمد مبدأ  " المحاصصة " للمحافظات و الأقاليم ثم المحاصصة  العشائرية داخل المحافظة الواحدة ، فهناك " تدوير لأسماء بعض العشائر ،والذي سيقوم بدراسة استقصائية سيجد هناك نسبة مرتفعة ممثلة في الحكومة لبعض العائلات حصريّاً من الشمال والوسط والجنوب لا تخفى على أي متابع ، وهذا يؤشّر على أن المعيار في اختيار الوزير ليس الكفاءة بالدرجة الأولى ، بل العائلة وموقف العائلة ومدى ولائها أو تأثيرها الاجتماعي أو الاقتصادي .

•   وحول " النوعية " و " التخصص " و شعار " الوزير المناسب في الوزارة المناسبة"  فحدّث و لا حرج ، فإنك ستجد العجب العجاب ،وكأمثلة للتوضيح من مسيرة تشكيل الحكومات نجد : صيدلي وزير تربية ، مهندس وزير أوقاف ، مهندس زراعي وزير ثقافة، أستاذ شريعة وزير رياضة ......وبعض الوزراء يُبلّغ أنه وزير للوزارة الفلانية  وفي اليوم التالي أو عند الذهاب لأداء القسم يتم إعلامه أنه اصبح وزيراً لوزارة أخرى ، و من المؤكد أن بعض الوزراء يأتي إلى الوزارة وربما لا يعرف مكانها ، والأهم من ذلك أنه ربما لم يطّلع على رسالتها ورؤيتها ،وماذا لديه لكي يطوّر عمل هذه الوزارة ؟ وربما يمكث الوزير عدة أشهر حتى تُقدّم له فكرة عن دوائر الوزاة وأقسامها وأعمالها ...... ثم بعد ذلك تذهب هذه الحكومة ،فالوزير للأسف لم يكوّن فكرة " شاملة " عن هذه الوزارة .

•   وأمّا برامج الحكومة فهي أيضاً " استنساخ " عن سابقتها مع تقديم وتأخير ،واختيار بعض المصطلحات ،أو اختيار بعض الشعارات التي تُرفع من قِبل الجماهير أو الأحزاب السياسية كانسجام " شكلي " أو تلبية لمتطلبات المرحلة ولو نظريّاً ،فنجد مصطلحات وعبارات مثل : التنمية ،توزيع مكاسب التنمية،التطوير الإداري،والحكم المحلي ،الإصلاح السياسي،التنمية السياسية، محاربة الفساد،التعديلات الدستورية، قانون أحزاب عصري، الحوار ......

•   و أمّا المدة الزمنية أي فترة عمر الحكومة فلا يستطيع أحد أن يتنبّأ بذلك ولا حتى رئيسها، بمعنى أن الحكومة تعمل وسياط الرحيل تهددها ،فقد تعيش في " المتوسط " إلى سنة ، وهذه الفترة غير كافية لأي حكومة أن تنفذ برامجها حتى لو كانت متواضعة، وهنا لا بدّ أن يُعاد النظر في عمر الحكومة بحيث لا تقلّ عن أربع سنوات حتى تتمكن من تنفيذ السياسات والاستراتيجيات ،وبالتالي تستطيع الجهات الرقابية أن تقيّم عملها وتحاسبها .

•   واختم بالقول : أن أيّ حكومة تأتي لبلدنا لحلّ مشاكله والنهوض بمستواه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، لا تنبع من نبض الشعب ومن اختياره ،أو على الأقلّ " التناغم " مع تطلعاته ،فإن عمر هذه الحكومة قصيرٌ جداً ،ولن تستطيع أن تهدّئ " الغليان " أو تزيل " الاحتقان " الذي يسود الوطن من شماله إلى جنوبه ، وليس المطلوب بطبيعة الحال تغيير الأسماء والأشخاص والعباءات دون تغيير النهج و تغيير بُنْية " النظام " بحيث يلبي ميول الشعب وتوجهاته ، ويصبح الشعب مصدر السُّلطات وسيّد القرار ، وسيّد الحكومات،وأودّ أن أؤكد أن شعبنا في القرى والبوادي والمخيمات والأرياف، نُخب ومثقفين وأحزاب ونقابات وعشائر ..... قد ملّ من هذه الآليّة وتبعاتها لأنها تتحدّاه وتستفزّه وتثير غثيانه ،وأنه لم يعُد يعلّق آمالاً عريضة على هذه الحكومات فقد جرّبها عبر أكثر من نصف قرن ،ولكن الأوضاع المعيشية تزداد سوءاً و الدخول تتآكل ،والمديونية ترتفع،والفساد يتجذّر ،والمحسوبية تتعمّق ..... نسأل الله أن يجنّب بلدنا وشعبنا كل مكروه قادم وأن يبصّرنا بحقيقة أوضاعنا ، ويهدينا إلى الأسلوب الأمثل في حل مشاكلنا ، اللهم آمين . 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد