ما بني على نهج خاطئ يحتمل بعض الصواب

mainThumb

10-01-2012 06:18 PM


أخذنا الظن إلى افتراض إن انتفاضة الجامعة العربية في التصدي لحل الأزمة السورية, جاء ردا ًمباشرا ًعلى ما اقترفه أمينها العام السابق السيد عمرو موسى من خطيئة عصية على الغفران بالتفويض للناتو – الأميركي, الذي أخذ طابعا ًعربيا ًعلى تدمير ليبيا , وإعادة السيطرة الاستعمارية إلى التحكم بقدراتها ومقدراتها وثرواتها سعيا ً وراء قتل حاكم أخذته الأوهام إلى إهمال قضايا وطنه الأساسية والسعي وراء ألقاب فارغة المعنى والمضمون بمعونة أؤلئك الذين تحولوا بقدرة غامضة إلى ( ثوار!!) كانوا في قلب النظام ولم يتمكنوا من الانقلاب عليه طيلة أربعين عاما خاوية من الدلالات السياسية المعاصرة ومليئة بالمواقف الساخرة أحيانا ً والمأساوية في أحيان أخرى بمشاركتهم النظام السابق في أسبابها وفي نتائجها. 

ولكن سرعان ما تبين أن ظننا كان من أوهام القرون الوسطى في الوصول إلى القمر عن طريق حرفيي صناعة السلالم وذلك بعمل سلم تطول به درجاته إلى أعماق السماء لملامسة القمر الذي طالما تغزل الشعراء والمولهون بضيائه وبهائه .

 الصراع الدائر في المنطقة صراع بين محوري سوريا – إيران وقوى المقاومة للاحتلال الصهيوني وقوى وأحزاب قومية ويسارية من جانب , وبين محور الغرب- أميركا – دول الخليج العربي وقوى من التيارات الإسلامية المسيسة والمعارضة السورية من الجانب الآخر. 

ولكن يصعب ترتيب محاورهذا الصراع في أنموذج أحادي دفع بكل محور إلى اللجوء إلى أكثرمن وسيلة في إثارة هذا الصراع وإدارته. فالقنبلة النووية الإيرانية تؤرق الغرب – أميركا في خوفها على مستقبل المحتل الصهيوني ومصيره, ودوافع تأخذ منحى طائفيا ً تحذر من مثلث شيعي في المنطقة لا يستهان بقوته وتأثيره على التغيير المنتظرفي سياسات المنطقة ومواقفها من الضغوط الغربية – الأميركية النابعة من خوفها على وقود تقدمها وازدهار منشآتها الاقتصادية والإنتاجية والعسكرية ,وهناك الصراع الفكري بين المنطلقات القومية وبين الرؤى الدينية للسياسة التي تعتبر أن هذه هي فرصتها في المنطقة بعد تصدر إسلاميي كل من تونس ومصر , ويقول البعض ليبيا كذلك المشهد السياسي,في تصفية الطروحات القومية منذ الثورة العربية الكبرى , مرورا ًبإحيائها في المرحلة الناصرية وما تلاها في كل من العراق وسوريا, التي رفضها الإسلام السياسي لعقود طويلة وحاربها بشدة بتكفيرها أحيانا ً وعمالتها الفكرية للتراث القومي الغربي تارة أخرى. 

وقد أدرك الأسلوب الغربي – الأميركي الخبيث أن تجربة التدخل السافر في العراق عن طريق اللجان والمفتشين والمراقبين أصبحت مكشوفة نتائجها التي تصب في الإعداد لعمل عسكري مبيت كان بحاجة إلى مزيد من المعلومات الاستخبارية العسكرية , والمساهمة في إضعاف المعنويات في القوات المسلحة والشعب الذي يمس كرامتهم مثل هذا السلوك, ثم عدم تمكن الناتو- الأميركي في إخفاء النوايا الاستعمارية المبيتة التي شكلت تاريخ هذه القوى الإمبريالية أوالتسترخلف طروحات لم تعد خافية على أحد للنوايا الاستغلالية للجشعة والابتزازكما حدث في ليبيا. لربما أدركت كل من سوريا وإيران , أن النوايا الحسنة لا تقبع خلف قوة ظالمة طامعة مستكبرة, وأن الكرامة الوطنية لم تعد تحتمل سلسلة خبيثة من التنازلات بحجج إنسانية مرة ومن أجل الحرية تارة وفي سبيل الديمقراطية تارة أخرى, وأن أسلوب التدخل عن طريق خبراء التفتيش ولجان الحقوق والمراقبين وغير ذلك من تسميات مضللة ومخادعة ما هو إلا مرحلة من مراحل الإعداد للأعمال العسكرية العدوانية وطغيان مالك القوة خاصة عندما تكون الأموال التعويضية متوفرة بسخاء, وحملة إعلامية تمكن كل من تابعها من كشف العديد من أكاذيبها وفبركاتها الإعلامية التي خبرت شخصيا ًعن يقين حالتين منهما عـُزيتا إلى أحداث سوريا وكانت أحداث أحدهما في مدينة عمان كنت أتابعها , وأخرى في اليمن , وحالة معبرة ثالثة إذ كان مذيع تلفزيون الحرية ( كرر قراءة إسم المحطة : الحرية ) يسأل في محاورة صحافي سوري ًبادئا ً حديثه بالتذكير في نغمة متكررة حول أعمال القتل التي يمارسها النظام ضد المتظاهرين السلميين وأعمال القمع والقصف التي تتعرض لها المسيرات السلمية , وأعمال القنص للمواطنين ,في نفس الوقت كانت في الخلفية صورة لمتظاهرين يهتفون ضد النظام مستعملين مكبرات الصوت , فأحرج الصحافي السوري محدثه المذيع المكرر لعبارات كشفت للمواطن السوري والعربي كذب هذه المحطات وتضليلها وأعاد العديد من المعارضين للنظام النظر في مواقفهم منه في مواجهة هذه الحملات, حيث أشارعلى المذيع أن يرى التظاهرات المعارضة السلمية التي يبثها التلفزيون نفسه, دون تدخل قوات الأمن والقنص والقصف الذي حفظ مصطلحاته عن ظهر قلب .

 كما أدركت كل منهما , أي سوريا وإيران ,أن تدخل الجامعة العربية الانتقائي في خضم أحداث الحراك الشعبي في عدة أقطارعربية لم يأت من يقظة ضميرالجامعة العربية , أو قـُبلة حياة على فمها أحيت روحها , وإنما لتكرار خطيئة عمروموسى ( والجامعة ) ولكن بصورة مغايرة في أسلوب التعاطي عن طريق اجتماع لوزراء عرب جمدوا عضوية سوريا فيها وفرضوا عقوبات !! اقتصادية على النظام السوري ؟؟ وليس على الشعب السوري الشقيق؟؟!! والتهديد بتدويل القضية ,أي كما صرح أحد أقطاب (المعارضة ) الخارجية لإذاعة مونت كارلو الفرنسية, بصراحة كما جرى في ليبيا !!. تعرف إيران إنها المقصود الأساسي في كل التحركات الغربية – الإسرائيلية – الأميركية في المنطقة بسبب الخوف من تنامي قوتها العسكرية والنووية وفي محاولة إثارة النوازع الطائفية بين السنة والشيعة , وفي محاولة القضاء على العقبة الكأداء التي تمثلها سوريا , والقوة المهابة التي يمتلكها حزب الله اللبناني, والتغيرغيرالمهادن للسياسة الأميركية في هذه المنطقة الذي أعلنته حكومة العراق بعد الانسحاب الأميركي الذي لم يحقق من أهدافه سوى ما يحققه كل عدوان من قتل وتدمير وإفقار, فلا قيم خيّرة تواكب عدوانا ً عسكريا ًبأهداف إمبريالية , ولا استقرارلاحتلال طامع ومفسد, والمخطط لضرب إيران أصبحت مكشوفة معظم تكتيكاته بمحاصرة القوة الإيرانية وتفتيت مكوناتها واستعداء بدلاء الأنظمة المؤيدة لها بأنظمة ( ثورية !!) معادية لها, والانقضاض عليها, ولذلك فلن تكون محاولات ضرب سوريا كما يشتهي ( الثوار!!؟؟) ويحلمون متفردة و بل ستقطع إيران صمت مدافعها , ويحرك حزب الله آلته الصاروخية كما يعلنون ذلك , وقد أخذت قوى الطغيان العسكرية والسياسية هذه التهديدات على محمل الجد, وشُلت يد تركيا عن الحركة, وأدرك الشعب التركي ما لحكومته من ارتباطات تخالف تراثهم الوطني وتضرب بقوانين الحفاظ على هيبة دولتهم عرض الحائط .

 الوعي السوري للخطط البدائية المكشوفة في التورط بقبول أسلوب التدخل الذي يبدو ناعما ً ويخفي في ثناياه الكارثة فوت الفرصة على من راهنوا على الرفض السوري للجان المراقبة خاصة بعد موجة من التهديدات وتجميد العضوية السورية في الجامعة ,فأوقع المعلم الطلبة في عقوبة الإهمال لواجباتهم المدرسية .قبلت سوريا وشكك الأميركيون , والفرنسيون بالنتائج وبالقدرات وبالكفاءة منذ البداية دون خجل من حلفائهم العرب أو اعتراض ولو على استحياء من الجامعة المنتفضة ضد سوريا فحسب والتي اختارت المراقبين وأرسلتهم بمعرفتها( وخبرتها.). ولم يجد المراقبون في أوضاع سوريا ما يمكن للضمير الحي أن يتعامى عنه في ما تتعرض له سوريا من عمليات إرهابية وجماعات مسلحة ومبرمجة على القتل وتفجير السيارات المفخخة .أخطأت الجامعة في الأسلوب الذي تعاملت فيه مع الأزمة السورية , وظهرت حقائق لم تكن الجامعة تقصد أيا ً منها بل توقعت عكسها تماما ً. 

فالحقيقة لا تغيبها النوايا غير الطيبة, ولا تخفيها الأساليب الخاطئة إلا حينا ًقصيرالمدى.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد