لا تعيينات الا في الصحة والتربية

mainThumb

12-01-2012 01:49 PM


تطلع علينا الحكومة في كل عام بميزانية جديدة للدولة التي تتضمن فيها النفقات والصادرات والواردات والعجز المتوقع والتشكيلات الوظائفية في مختلف أجهزتها , وتخرج علينا "بعنوان كابوسي محض " ألا وهو" لا تعيينات الا في وزارتي التربية والصحة " وكأن الجامعات قد فتحت أبوابها فقط لخريجي الثانوية العامة لكليتين هما التربية والطب والمهن الطبية الأخرى لتخريج أفواجا من المعلمين المتخصصين ببعض المواد المطلوبة و الأطباء والمهن الطبية المختلفة , وأن باقي الكليات بطواقمها المختلفة قد أهملت ولا حاجة للدولة بها رغم الآلاف المؤلفة التي تتخرج منها سنويا مما يثقل كاهل الدولة حيث تزداد نسبة البطالة الذي يؤدي فيما بعد الى زيادة الاحتجاجات والمظاهرات التي تنادي بتوفير فرص عمل لهم ,عداك عما يسببه هؤلاء من اختلاق الفوضى وزيادة المشاكل الأخلاقية والبحث عن طرق غير مشروعة لجلب المال كي يسدوا رمق عيشتهم , ويثقل  أيضا كاهل أولياء الأمور الذين سيواجهون مشاكل مادية ونفسية اضافية نتيجة جلوس أبنائهم في البيوت دون عمل , فلا القطاع العام ولا حتى القطاع الخاص مفتوح أمامهم , واذا لم يكن لدى أي أحد منهم خبرة في مجال تخصصه فيستبعد طلبه ويبقى يئن مما هو فيه وهو يناجي نفسه قائلا من أين لي هذه الخبرة ولم يشغلني أحد ! 

ان الشباب  الجامعي شريحة مهمة من شرائح المجتمع , ولبنة أساسية من مكونات بناءه , لا بل هي القلب النابض والدم المتدفق في شرايينه , فهم من يخلق الابداع , ويصنع الأمل ويبني الوطن , وقد عانوا شتى أنواع المعاناة  ,وهمشوا الى أبعد الحدود , ولاقوا الاقصاء وعدم الاهتمام من قبل الحكومات المتعاقبة متناسية أن فئة الخريجين الجامعيين تشكل احدى الفئات الاجتماعية البالغة الأهمية , ان لم نقل احدى الطاقات البشرية الهائلة التي لو توفرت لها الظروف الاجتماعية الملائمة والتدريب للعبت دورها الطليعي في المسيرة التنموية لهذا الوطن وفي تحديد الآفاق الواعدة لمسارها ومستقبلها . فهذه الفئة تعاني الصعوبات والمشاكل الحادة من جراء التشكيلات الوظائفية السنوية التي تخطط لها الدولة , حيث تفشت البطالة بينها نتيجة  لعدم فتح شواغر جديدة في كافة الوزارات باستثناء وزارتي التربية والصحة كما يعلن هذا منذ سنوات عدة , فيتوظف القليل من هؤلاء المعلمين وذوي الاختصاصات الطبية وينتظر الباقي دوره وهو لا يعلم متى سيأتي , أما بالنسبة للتخصصات الأخرى كالهندسة وغيرها فلا حظ لهم في هذه الوظائف الا من يحمل في أجنته فيتامين "واو" الذي يسهل لهم المهمة سواء في القطاع العام أو الخاص , والتي أصبحت البطالة قدرها المحتوم ومآلها المرسوم بالرغم من التدابير والاجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة لتوفير فرص العمل الضيقة  لهم . لقد تعبوا وهم يبحثون عن لقمة العيش الكريمة مع غلاء الأسعار الفاحشة اذ يتمنى الواحد منهم الاستقرار لأنهم أصبحوا حقا متعبي النفس تلحقهم المشاكل ويتعرضهم الكثير من القلق والضغوط الناجمة من صعوبات الحصول على العمل .

فأمام هذا التزايد المطرد في عدد الخريجين والتحديات التي تواجه آلية تشغيلهم  , وأمام عجز النسيج الاقتصادي الأردني على امتصاص هذه الأعداد , أصبحت عملية البحث عن العمل تطرح نفسها بحدة حيث الغالبية العظمى من هؤلاء الخريجين ينتهي في كل سنة الى وضعية بطالة مزمنة. ان البحث عن العمل هي عملية طبيعية يباشرها كل فرد يتوخى تحقيق مكانته الاجتماعية والمهنية , فالعمل وفضلا عن كونه يمثل المورد الأساسي لكل فرد فهو يشكل القيمة الاجتماعية التي عبرها يحقق هذا الفرد بعض عناصر تكيفه واستقراره واندماجه , فبفضل العمل يتحول الانسان الى عنصر ايجابي فاعل داخل المجتمع , حيث تكتمل هويته وتبرز شخصيته وتتحقق ميوله  ومطامحه وتشبع حاجاته ورغباته , فيصبح والحالة هذه بعدها وببساطة ذا مكانة اجتماعية مغايرة لما كان عليه قبل مباشرته للعمل اذ ينتقل من حالة الفرد المتواكل الخاضع واللامبالي الى حالة الفرد المسؤول المستقل والمبادر داخل شتى مؤسسات المجتمع . 

انه لمن الطبيعي أن ينتظر كل منا ابنه أو ابنته , منذ تسجيله في المدرسة , آخر العام ليبشر بنجاحه للصف أو المرحلة التي يعلوها الى أن يصل الصف الثاني الثانوي ليبدأ الصراع مع نفسه وأهله للحصول على معدل يؤهله للدخول الى الكلية التي يريدها , وبعدها تأتي البشارة بالقبول وتمضي السنوات الى أن تأتي "فرحة التخرج والكابوس المروع" في البحث عن عمل يناسب تخصصه , وها نحن نشاهد ونقرأ الصحف التي تطالعنا برسائل يرسلها أهل الدرجات العلمية المختلفة باحثين عن عمل لممارسة ما تعلموه وليكسبوا قوت يومهم بعرق جبينهم وحتى لا يكونوا عالة على المجتمع الذي أفرزهم , فهم يطالبون بخدمة وطنهم كبقية شرائح المجتمع الأخرى من أهل الذوات . 

فكم من الشباب تحطمت طموحاته ونظراته ! وكم منهم يريدون خدمة أمتهم التي تحتاج اليهم لرفع شأنها بين الأمم وجعلها في مصاف دول العالم المتقدمة ! لقد انعكس عدم عملهم سلبا على تصرفاتهم وخلق لهم حالة من عدم الثقة بالنفس , فتراهم منفعلين وفي حالة توتر مستمر , فهل هذا ما كسبت يداهم نتيجة مواصلتهم للتعليم والحصول على الشهادات الجامعية المختلفة !! وهل تنفع معهم سياسة الاحتواء والمراوغة ! أليس الأجدر بالحكومة أن تكسب هذه الشريحة المهمة عن طريق فتح شواغر في كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية منها والخاصة وتفعيل دور قطاع المقاولات والانشاءات لاحتضانهم وجعلهم عنصرا يساهم في بناء المجتمع ! أليس الكبت يولد الانفجار الذي قد يندم عليه الجميع ! وهل بقاء الحال لا يمثل لأي حكومة انتحارا سياسيا ! وهل لا يتوقع أن يستمر خط المعارضة الحقيقية لهذا الجيل الذي لم تتلطخ وتتلوث أياديه بالتجارة السياسية ! 

وهل يبقى هؤلاء الشباب المحبين للدراسة والمبدعين يواصلون تعليمهم اذا ما رأوا اخوان أو أصحاب أو أحد من عشيرتهم قد حصلوا على شهادات جامعية بامتياز وهم باطلون عن العمل  وغيرهم من أهل الذوات يتنعمون ويتقلبون في المناصب الحكومية والخاصة !! علينا أن لا نشك بأن الخريجين متمكنون من مجالهم التعليمي , ولكنهم يواجهون مصاعب جمة في دخول سوق العمل في حقل تخصصاتهم  , واذا كانت الحكومة غير معنية بتوظيف الخريجين الا حسب الاحتياجات الفعلية كما يقولون , فكيف نفاجئ بتعيين ابن فلان ولا يعين ابن فلان من المواطنين علما أنهما بنفس التخصص ! ومن هو المسؤول عن هؤلاء وماذا تظن الحكومة فاعلة بهم ! وان كان الأمر كذلك فلماذا لا تغلق الكليات التي لا يستوعبها ديوان الخدمة المدنية أو سوق العمل ! هل أصبح الخريجون كرة يرمى بها هنا وهناك ليلعب بها كيف ما يشاء أهل الذمة والضمير بالواسطة ومن تحت الطاولة!  أليس هم أبناء هذا الوطن الأشم ! واذا لم يستطع القائمون على هذه الأمة الذين سلمهم جلالة الملك تحمل المسؤولية لبناء هذا الوطن على التخطيط لفتح مشاريع ووظائف جديدة , فلماذا لا يعتذروا عن مناصبهم ويتحملها غيرهم من أهل الكفاءة ! ولماذا لا تبحث عن حلول جذرية لاصلاح الوضع بدلا من التصريحات الكابوسية بعدم وجود وظائف ! ومسؤولية من هذه يا ترى ! 

لا أقول الا قاتل الله الواسطة  التي تفسد أي مكان تدب فيه والرشوة وكل من يتعامل بها , فالمشكلة هي في تحقيق العدالة التي أصبحت مطلب كل مواطن وفي التخطيط السليم , فلا بد أن تحترم الدولة حق المواطن بالعيش الكريم  وأن تقوم الحكومة بدورها لتخفيف العبء الذي يتحمله أولياء أمور هؤلاء الخريجين من مصاريف ونفقات هم بحاجتها كي لا يتولد في المجتمع كوارث انسانية نحن بغنى عنها ويتحقق الأمن والأمان لكل مواطن . ان التعليم رغم دوره الكبير الذي يقوم به,  فهو يتحمل جزءا من المشكلة لأنه من المفروض منه أن يتعرف على الفرص الوظيفية في السوق , ومن ثم توجيه المخرجات التعليمية اليها لسد تلك الاحتياجات . 

فليس هناك أدنى شك في وجود خلل في مخرجات التعليم العالي , وأتساءل عن نوع هذا الخلل مشيرا الى أن المشكلة الرئيسية تتمثل في عدم وجود دراسة علمية دقيقة تقيم الحاجة الفعلية للاستمرار في تقديم تخصصات قائمة تشبع سوق العمل بخريجيها والأعداد المطلوبة على مدار سنوات قادمة ومحددة , فالذي يظهر أن التوسع في أقسام أكاديمية أو تقليص القائم منها يخضع لانطباعات ذاتية ورؤى شخصية , ولا يعتمد على معايير علمية محددة . وهذا سيصطدم بعقبتين : أولاهما أن الغاء تلك الأقسام التي تشبع بها سوق العمل سيؤدي الى زيادة البطالة بين أساتذة الجامعات , وثانيهما أن معارضة فئة من الأكاديميين وعدد آخر من المسؤولين ربط مخرجات التعليم بسوق العمل اعتمادا على رؤيتهم الخاصة بهم بأن توظيف الخريجين ليس من مهام الجامعات ولا حتى الحكومات , بل تقع مسؤولية حصولهم على العمل على الخريجين أنفسهم , وهذا يرتكز على مبدأ العلم من أجل العلم وليس من أجل الوظيفة . ولكن كيف تستطيع تلك الجهات المعنية اقناع المواطنين وتغيير وجهات نظرهم ! ألم نقرأ في وسائل الاعلام أن الشباب الجامعي العاطل عن العمل قد اقتحموا محافظة الطفيلة واحتلوا مكتب المحافظ وأخرجوه من مكتبه وجلسوا مكانه رافضين الخروج حتى تتحقق مطالبهم , وقاموا بدور المحافظ واعطاء المسميات الوظيفية والأوامر لبعضهم البعض ! الم يشعر القائمون على أجهزة الدولة المختلفة بأن المواطن أصبح واعيا لدرجة لم يكن يتوقعها أحد في يوم من الأيام ! لماذا لا تقيم الحكومة عملها من حين الى آخر لمتابعة هذه القضية التي تؤرق المجتمع بكامله ! ومتى سيأتي الوقت الذي تنعى فيه الأمة البطالة  ! 

لقد تحمل الخريجون وأولياء أمورهم الكثير من الفساد المالي والاداري وهم يمرون بظروف صعبة وقاسية على قلوبهم , وقد نفذ صبرهم مطالبين بتسهيل اجراءات تعيينهم,  واستغلال الملايين التي سرقت من أموال الخزينة لحساب أشخاص معينين قد هربوها الى خارج الدولة , فلا هم استثمروها لصالح المواطنين,  ولا هم رصدوها في بنوك أردنية لكي تستثمرها البنوك لصالح الوطن , وهم يتساءلون عما اذا كان قرار الدولة وهو "لا تعيينات الا في وزارتي التربية والصحة" يراد به زيادة البطالة أو اظهار عجزها عن تعيين أبناءها ! وهل تستوعب الحكومة المضار التي ستلحق بالمواطنين جراء ذلك ! وهل هذه من تبعات البشرى بالاصلاح ! أهذا هو المخاض العسير الذي خاضته الحكومات المتعاقبة حتى تفاجئ مواطنيها في كل عام بمثل هذه القرارات المؤلمة ! ان هذا الأمر قد ترك تداعيات كثيرة على الوضع العام في هذا البلد الهاشمي بانتمائه وولائه,  وأربك العملية التنموية وعطل جزءا كبيرا من الحياة , وها هي الحكومة تقف موقفا محرجا بين أبنائها ومحبيها ومن كان يفكر بأن يرفع صوته عاليا تأييدا لمواقفها , لأنهم باتوا لا يقتنعون بحججها خاصة عندما يسمعون بملفات الفساد التي تحال الى مجلس الأمة والقضاء والتي أهدر فيها المليارات من الدولارات لصالح جيوب الفاسدين مما انعكس سلبا في المحصلة على رفاهية أبناء هذا الشعب الوفي لقيادته الهاشمية  . أما يكفينا تلاعبا بقوت الناس وأرزاقهم !

ان لنا الحق كل الحق أن نتساءل الكثير: ألم يكن شعار كل حكومة تأتي هو خدمة الوطن والمواطن ! وهل يعتقد أي مسؤول ما بأن المواطن هو مجرد سلعة وقتية يحتاجها في الزمان المناسب له ! أليس التغيير والتعيين الجديد فرصة مهمة لاصلاح الوضع العام ! ألم ينادي جلالة الملك بالتغيير والاصلاح ! فلم لا يلبى هذا النداء من قبل من حملهم جلالته المسؤولية ! ان ما يطبق على أرض الواقع يغاير ما يطلبه جلالة الملك, فقد أصبح  مشهدا كوميديا مضحكا لا يرضى به الناس , ومن ثم أين الايثار الذي تعلمناه من ديننا الحنيف لقوله تعالى "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " ! أعتقد أن كل هذه المعطيات التي سردتها في مقالي كافية للتساؤل عن عدم فتح باب التوظيف , وأن لا ننسى بأن نضع باعتبارنا أن البطالة تهدم الأحلام وتدمر الانسانية , فنتمنى على من سلمهم جلالة الملك الأمانة واعتلوا المناصب الحساسة أن يبادروا لانصاف هذه الفئة من الخريجين , وأن يحسنوا التخطيط لصالح أبناء هذا الوطن. ألا يكفي من تضليل وخداع وتمويه للأمة من أجل ان يحافظ كل على مركزه مقابل التضحية بمقدرات الشعب وطاقاته ! أما آن الأوان لوقف القفز عل أكتاف الشعب واغتنام الفرص للصالح الشخصي ! 

ان الأردن نور عيوننا وأن لها سهام قاتلة لمن أراد أن يمسها بسوء أو يتلاعب بمصالح مواطنيها , أو الاستخفاف بمشاعرهم وتجاوز حقوقهم أو الرقص على جراحهم , فهؤلاء هم أعداء الوطن وأعداء قيادته الهاشمية الفذة ونطلب منهم الوقف عند حدودهم , فلماذا التستر على الأخطاء والاصرار عليها دون حل لتصويبها ! لا نقول الا حسبنا الله في هؤلاء المضلين وان ندعوا الله أن يزول الظلم ويعم العدل في ربوع هذا البلد الأشم , وأن ييسر لهذه الأمة مسؤولين يتحملون الأمانة ويبتعدون عن معادلات المحسوبيات والأصدقاء والأقارب, فيعيدون للدولة سمعتها وهيبتها , واني على يقين تام بأن أرحام الأردنيات لن تتوقف عن انجاب قيادات شابة صالحة تتقي الله وتحق الحق حتى لا نشعر بالضياع . 

واخيرا أود أن أقص عليكم هذه الحكاية التي تعبر في كثير من الأحيان عن بعض من واقعنا المرير , فلقد زار أحد المسؤولين المتنفذين في السلطة في أحد الدول بعض المحافظات, فقال للناس ما شكواكم وأرجوا الصدق في العلن, ولا تخافوا أحدا فقد مضى ذاك الزمن ؟ فقال أحدهم واسمه "حسن" يا سيدي: أين الرغيف واللبن ؟ وأين تأمين السكن ؟ وأين توفير المهن ؟ وأين من يوفر الدواء للفقير دون ثمن ؟ فلم نرى من ذلك شيئا يا سيدي , فقال المسؤول في حزن : اللهم احرق ربي جسدي , أهذا كله حصل في بلدي ؟ شكرا على صدقك فقد نبهتنا يا ولدي, وسوف ترى خيرا غدا , وبعد عام زار المسؤول مرة ثانية وقال : هاتوا شكواكم بصدق في العلن ولا تخافوا أحدا فقد مضى ذاك الزمن, ولم يشتكي حتى الآن منكم أحد ؟ فقام أحدهم معلنا بأعلى صوته , أين الرغيف واللبن ؟ وأين توفير السكن ؟ وأين توفير المهن؟  وأين من يوفر الدواء دون ثمن  ؟ معذرة يا سيدي وأين صديقي حسن.....!؟  فهل من معتبر......... !


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد