عندما نناقش أو نحكم على تفاعل العشائر والأحزاب، أو أية حركات إصلاحية أخرى مع الأوضاع السائدة على الساحة الأردنية، فإنه ليس من العدل بمكان أن نفعل ذلك خارج السياق التاريخي لأي منها، كما أنه ليس من الإنصاف بمكان أن ننسى بقصد أو دون قصد كل انجازاتها لمجرد أن أحدها أو جميعها قد وقع في خطأ هو في الأصل نتيجة طبيعية للإحتقان الذي يسيطر على المشهد الأردني برمته، والذي بدوره كان نتاج تراكمات سنين طويلة من الأخطاء والتعدي على مقدرات الوطن والمواطن من قبل فئة محدودة من محترفي النهب والسلب دون حسيب أو رقيب.
خلال الأشهر الماضية وحتى يومنا هذا، عاش الأردن وكل من يعيش على ترابه الطهور أزمة تعتبر من أشد الأزمات وطأة وأكثرها إثارة للقلق والفتنة. ورغم أن أحداث هذه الأزمة قد تسارعت وبلغت ذروتها مع بدايات العام الماضي، واستمرت كذلك، إلا أن بوادرها كانت موجودة قبل هذا العام والعام الماضي بأعوام كثيرة، حيث عايش المواطن الأردني خلالها وبشكل تراكمي وملفت للنظر تراجع أهم مكون من مكونات التقدم والإزدهار، وهو ذلك المكون المتمثل بغياب "العدالة الإجتماعية" بين كل طبقات وأطياف المجتع الأردني.
ولأن توفر العدالة الإجتماعية على كافة الصعد هو حق لجميع المواطنين، فإنه يصبح من الطبيعي عند غيابها أن يتصدى هذا الجميع للأسباب التي كانت وراء غيابها، والجميع هنا يعني الجميع دون استثناء، يعني العشائر، ويعني الأحزاب، ويعني ما يسمى ب"الأقليات"، ويعني كل من يعيش على الأرض الأردنية من شتى المنابت والأصول، وبغض النظر عن اللون والجنس والعرق والدين.
نقول هذا، لأن غياب العدالة الإجتماعية لم يميز سابقاً، ولن يميز لاحقا بين كل من يتأثر بهذا الغياب الذي كان مصحوباً بأشد الأمراض فتكاً بغالبية أفراد المجتمع الأردني، حيث طغى على السطح مشكلتي الفقر والبطالة، وهما ومانتج عنهما من ظواهر اجتماعية سلبية كثيرة، أسباب كفيلة للثورة على كل مايهدد حق المواطن في العيش الكريم، وبالتالي تهديد وهدم كل أركان الدولة وكل ماتم إنجازه على مدى عمر الدولة من ترسيخ لأسس دولة القانون، والتعايش فيما بين كل ابناء المجتمع الأردني بكل محبة ووئام.
والملفت للنظر، وفي خضم هذه الأزمة التي تمر على وطننا، وفي ظل الوئام وروابط الألفة التي يعيشها كل الأردنيين، خرجت مجموعة لصوص الوطن من دائرة الخلاف والتنازع فيما بينها على مقدرات الوطن وعادت إلى جحورها بكل صمت، وتركت الخلاف والإختلاف يدب بين مكونات الغالبية العظمى من أبناء المجتمع الأردني التي تأثرت من نتائج الغياب الصارخ لتطبيق مفهوم العدالة الإجتماعية، وبالتالي لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى رفعة الوطن وإزدهاره، وكذلك لكل ما من شأنه تحسين نوعية حياة الغالبية العظمى من أبناء الشعب الذي أصبح يعاني من الفقر أشد أنواعه.
المؤسف بالأمر، أن ساحات الحراك التي تطالب بالإصلاح والمتمثلة بالحراكات الشبابية الغير حزبية والتي يغلب عليها الطابع العشائري أو أن المشاركين فيها هم بالأصل من أبناء العشائر الكبرى، وكذلك الأحزاب المختلفة والتي يتزعمها حزب جبهة العمل الإسلامي كأكبر الأحزاب تنظيماً وحضوراً، والعشائر الأردنية التي لم تنضوي تحت أي مسمى أو حراك أصبحت كلها تشكل ملاذاً اَمناً لكل خبيث، ولكل من يريد أن يمرر الأجندات المشبوهة على حساب العلاقة الحميمية فيما بين هذه التيارات مجتمعة إلى الدرجة التي وصلت إليه الأمور حد المواجهة بين العشائر والأحزاب وتحديداً جماعة الإخوان وذراعها السياسي جبهة العمل الإسلامي.
وهنا نقول، إن دور العشائر التاريخي في المشاركة في تطور ونهضة الوطن لا ينكره إلا الجاحدين، ودورها في تدعيم أركان النظام من خلال الولاء الموصول والمواطنة الصالحة دور ملحوظ، ويشهد له القاصي والداني، وأن محاولة إقحام العشائر لتكون في مواجهة التيارات الحزبية المنظمة "سياسيا" هي محاولة رخيصة ونتائجها بكل تأكيد سوف تكون وخيمة على مستقبل العلاقة بين أبناء المجتمع الأردني من شتى المنابت والاصول
الأحزاب من جهة أخرى وبكل توجهاتها لم تتوانى عن تقديم كل ما بوسعها من أجل تطور الوطن ونهضته. ورغم أن التفاوت فيما بينها كان واضحاً بحكم العوامل التاريخية والتنظيمية إلا أن جميع هذه الأحزاب والتنظيمات قد ساهمت وما زالت تساهم في بناء الوطن وتسعى جاهدة لتحقيق الحد الأدنى من الحرية والكرامة والعدالة لكافة المواطنين، وحركة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي جبهة العمل الإسلامي لم يكونا بمعزل عن حاجات الشارع وعما يدور فيه من حراكات.
أن نصل إلى المرحلة التي يصبح فيها الشعب منقسم على نفسه ما بين فريق مؤيد للعشائر وأخر مؤيد للأحزاب وخاصة الإخوان، وأن نضع كل منهما في مواجهة الأخر، وتحميل أحد الطرفين مسؤولية التصعيد والتوتر، ما هو إلا إنذار بإن الأمر جد خطير ولا يعني إلا الفتنة، وأي فتنة بين الأخوة ستكون، فالعشائر الاردنية جل رجالاتها ممن قدموا للوطن الكثير الكثير وبعضهم من الإخوان. والإخوان المسلمين أيضاً قدموا وما زالوا يقدمون الكثير وفي كل مناحي الحياة، وهم أيضاً من أبناء العشائر غير أنهم يختلفون في أنهم حزبيون، وفي المحصلة فإن كل من العشائر والإخوان يريدون الإصلاح ويسيرون نحو نفس الهدف، فلا تسمعوا لأصوات الفتنة لأن الإخوان والعشائر في نهاية الأمر إخوان....