تضليل يطال المبادئ الديمقراطية

mainThumb

14-04-2012 11:08 PM

 الخطاب الذي يبدو إنه يأخذ المنهج التحليلي الذي يخوض في مبادئ مصطلح الديمقراطية الدينامي* والأحاديث الحوارية , والندوات التثقيفية,التي تتناولها قيادات الأحزاب العقائدية والتيارات السياسية المختلفة ومنظريها في هذه المرحلة المضطربة من الحال العربية ,عن تنفيذ آليات الديمقراطية وتطبيقاتها ووسائل تحقيقها في المجتمعات التي عانت شعوبها من الظلم والتمييزوالتحيز والتفاضل بين مكوناتها وفقدان موازين المساواة ومعاييرالعدالة بين   أبنائها أفرادا ً وجماعات, من غياب هذه الآليات ووسائلها المتداولة في المناهج الديمقراطية أو ببعض منها ,لا يخلو هذا الخطاب وما يتردد من أحاديث حوارية ومنتديات تثقيفية !, من   محاولة تجييرأهم القيم الديمقراطية وأعتق معانيها وحصرها في مضامين لملائمة وضع    الحزب أوالتيارودورأيا ً منهما في الحراك الاجتماعي , مع ما يخدم أغراضهم السياسية,خاصة عندما يتعلق الأمرفي محولات الوصول إلى السلطة , ظنا ً منهم أن مثل تلك الخطب و الحورارات يمكن لها أن تكسبهم من خلالها شرعية ديمقراطية ؟!, وأنْ تموه على معاني القيم الديمقراطية بأشكالها وأنماطها التي توثقت في ثقافة المجتمعات الديمقراطية وفي تقاليدها   الراسخة , وفي العلوم الديمقراطية ومدارسها ومناهجها ,خاصة في المجتمعات التي تمر  بمرحلة التحول إلى الديمقراطية,ومنها الدول التي تشهد انتفاضات شعبية سلمية ,مثل تونس ومصروالبحرين.

 
إن تمسك بعض مفكري الأحزاب والتيارات السياسية وزعاماتها في الأقطارالعربية بعامة ,  وتلك التي شهدت منها تغييرأنظمة الحكم فيها بشكل خاص ,وتوقف فهمهم للديمقراطية عند    صياغته بعلاقة الأغلبية – الأقلية التي انبثقت عن المبادئ الديمقراطية في مراحلها البدائية , والتي كانت متماهية مع ما كان يُعرف بـِ المدينة - الدولة (التي لم يتجاوز عدد مواطنيها 200-300 مواطن يحملون نفس الانتماءات العرقية والديني أي حيث التجانس في المجتمع كان    يشكل السمة العامة فيه فعرفوا الديمقراطية بأنها حكم الشعب ),واعتبارتلك العلاقة المرساة  التي تستقربها المفاهيم الديمقراطية وترسو عليها قواعدها واعتبارها دليلا ً إرشاديا ً للمارسة الديمقراطية في مجتمعات كبيرة تغلب عليها سمة التعددية والتنوع . هذه الطروحات تُخالف  أبسط المبادئ الديمقراطية , وتتعارض مع أقدم قيم الديمقراطية وأحدثها على السواء,وتقع في خانة إما الجهل بها أوالتضليل بمحتواها الثقافي في المجتمعات التعددية , حيث تمثل التعددية السمة الجارية في كل المجتمعات المعاصرة.
 
في القيم الديمقراطية الحقيقية (في مجتمع الحرية والتعددية والديمقراطية )أخضعت المجتمعات المؤمنة إيمانا ً صادقا ً بمبادئ الديمقراطية وأسسها وآلياتها كما اتفقت عليها مناهجها ومدارسها وتجارب الشعوب التي أخضعتها للدرس والتحليل والتطويروالتغيير,انتفت ,كما أثبتت التجربة العملية , خلالها علاقة  الأغلبية – الأقلية  التي أعتبرت بمثابة مثلبة من مثالب المفاهيم الديمقراطية العقيمة, ومتناقضه مع كل معانيها المتنورة, منذ زمن بعيد, وشكلت هذه العلاقة   أحد أسباب النقد اللاذع والمكثف للممارسات التي تعتمدها هذه العلاقة على اعتبارإنها تستبدل دكتاتورية الفرد أو النخبة أو القلة بدكتاتورية الأغلبية, وهو نقد محق وعادل يطال مبررات الديمقراطية ومنطقها وغاياتها,عداك عن قيمها وأصولها التي تربطها بالحرية  والتعددية   بروابط متكافلة متضامنة متزامنة . وإن دكتاتورية الأغلبية أشد طغيانا ًمن أي دكتاتورية أخرى,وأكثر أنواع الظلم قساوة وغدرا ً,لأن ما يبررانعدام المساواة بين الناس,لا يمكن له , ولا يجوزاعتباره في صالح الناس ,ويجرح إنسانية الإنسان جروحا ًيصعب علاجها والشفاء من رواسبها. 
 
 وكبديل عملي منسجم مع أدبيات القيم الديمقراطية ومع أبسط معانيها وما يضفي عليها     أهميتها ,حلت علاقة المشاركة – التوافق ( أي إن حكم الشعب يشمل كافة مكوناته ,وهو ما ينسجم مع الصيغة التاريخية للديمقراطية التي تتطور حكما ً مع تطورالوعي بدورالتاريخ في تصميم البنى الحضارية المتجددة ) في تنظيم أطرالعلاقات الاجتماعية – السياسية في المجتمع الديمقراطي .مشاركة كافة مكونات المجتمع بغض النظرعن حجمها وتوافقها في اتخاذ   القرارات في الممارسة الديمقراطية للحدمن التجاوزات على  حقوق المكونات الاجتماعية المتعددة الانتماءات والعقائد والثقافات والمشارب السياسية والاقتصادية,محل علاقة الأغلبية – الأقلية التي رفضتها كل الأشكال الديمقراطية وأنماطها وأبجدياتها .فلم يعد للمراهنة على شكل المشاركة ومستوى التمثيل فيها أي حجة مقنعة أو غطاء تتستر به الأكثرية من أي نوع أو تصنيف كان.لأن مشاركة عضوين في لجنة خماسية من مكونين اثنين, ستترك القرارات تبعا لخيارات الثلاثة الآخرين وهذا هو التحايل بعينه الذي  يعطي المبررلسيطرة الأغلبية وتمكنها  من اتخاذ القرارات التي ترتأيها بتغطية ديمقراطية زائفة وخادعة ومضللة. وهذا ما أوجب ضرورة التوافق بمشاركة كافة الفئات والمكونات الاجتماعية بحيث لا تصدر قرارات من    شأنها تحقيق مكاسب لطرف على حساب أي طرف أو أطراف أخرى, يفقد معها المجتمع الاستقراروالرضى  وتنعدم فيه الثقة بين أطرافه , ويتحول الصراع البناء إلى نزاع على   مستقبل المجتمع ومصيرأبنائه , وتفقد العدالة معاييرها , ولاتجد المساواة مقرا ً لها في جنباته.
 
(*يُعرّف المصطلح الدينامي بأنه المصطلح الذي يتشكل في مكوناته من آليات تنفيذ وتطبيق عملي في الأنشطة المجتمعية  ومن مجموعة من القيم التي تترك بصماتها على التراث الشعبي وعلى التقاليد العامة ,ويحفز اتجاهات ثقافية تتمحورحول أخلاقيات هذه القيم ومنطلقاتها الإنسانية).


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد