ما زلنا في مجتمعات الفهم الديمقراطي المتجزئ لمبادئ الديمقراطية وأسسها ومعاييرها التي تستضيئ بعملية المشاركة الفعلية بإدارة الشأن العام بالدولة أو بالمؤسسة, والتوافق في صنع القرارات واتخاذها بكل حرية ولكل المكونات دون استثناء أو مماطلة .
ولعله مما يقع في باب التضليل المتعمد أو بحسن نية تفرضها عدم المعرفة الوافية بقيم الديمقراطية وجوهر أسسها , التعلل باللجوء إلى التنادي بالمصطلحات الديمقراطية دون التصريح العلني والواضح بمعناها المحدد والمقصود. إذ غالبا ما يصرح الزعماء السياسيون العقائديون بشكل خاص منهم , بأنهم مع المشاركة,أي مشاركة الفئات الأخرى, ويطالبون بها ما دامت الأكثرية تعمل في صالحهم العددي,ثم يستقوون بمفهوم الأغلبية والأقلية في اتخاذ القرارات الجبرية بحجة الأغلبية.ومفهوم الأغلبية – الأقلية هذا ملفوظ من المفردات الديمقراطية, ومرفوض من قيمها , وشاذ في محكم أدبياتها,لأنه يشوه المفاهيم الأساسية للمبادئ الديمقراطية ,ويزورالإرادات العامة , ويقيم دكتاتورية مضحكة – مبكية في الآن ذاته, والتمسح بأن الانتخابات هي الديمقراطية التي يُعبر فيها الناس عن اختياراتهم وتفويض الفائزين التقرير بشؤون دنياهم ,والقياس على فهم مغلوط وغامض للتعبيرعن الإرادة العامة (هناك إرادات عامة ,وليس إرادة عامة ) بنتائج الانتخابات وحسب.
ولنأخذ نتائج انتخابات نقابة المهندسين الأردنيين كمثال مسبوق ومكرر في مجريات الانتخابات لمختلف المجالس على أحقية التمثيل (للجميع ) وقانونيته.
يمثل المهندسون قطاعا واسعا لفئة متعلمة بمستويات جامعية بمختلف درجاتها, وهم من الراشدين عمرا وتجربة والعاملين في المجالات الهندسية المختلفة ولديهم الخبرة في أحوال مجتمعهم وأوضاعه العامة ,كمثال على الحال الديمقراطي في مجتمعنا. وكيف إن الانتخابات حتى التي تجري منها بنزاهة وتحت رقابة مباشرة كما هوالاجراء الانتخابي في نقابة المهندسين ( أي لم يجر تزوير, ويستبعد جدا أن تتم عملية شراء أصوات ),لا تعبر بالضرورة عن تمثيل الرأي العام أو المجموع الانتخابي ولا بأي شكل من الأشكال.وهوما يحدو بالمرشحين والفائزين أن يحذروا في تصريحاتهم من سوق النجاح كتعبير عن إرادة عامة واعتبار التمثيل حقا شاملا لكل الكتل الانتخابية,فالفائز يمثل ناخبيه فقط وينطق برأي مريديه وأتباعه وأعضاء حزبه الذي دفع به إلى الفوز في الانتخابات , ويعمل في المراكزالفائز إليها ضمن تشريعات وقوانين يشارك الجميع بالتوافق عليها, وتتشكل لجان مراقبة ومحاسبة لتتبع الانسجام بين أعمال الكوادر القيادية وبين التشريعات الموضوعة بحيادية وصرامة.
بعملية حسابية للحال الانتخابي للتمثيل المشروع للناخبين في نقابة المهنسين التي جرت يوم الجمعة 45 2012 في مختلف محافظات المملكة,لا تحتاج إلى مخططات هندسية أو إلى مجسمات توضيحية ,بل الأمر يوضح ذلك الحال بنفسه ,كما يلي :- (تم اعتماد أرقام النتائج المعلنة للانتخابات من الصحف المحلية الأردنية ).
- عدد المنتسبين إلى نقابة المهندسين حوالي 000 98 مهندس.
- عدد المهندسين الذين يحق لهم التصويت = 51000 تقريبا.
- عدد المهندسين المشاركين في التصويت = 8114
- عدد الأصوات التي حصل عليها النقيب الفائز = 5482
وعليه نحصل على النسب التالية من النتائج أعلاه :--
- % لأصوات الفوزمن عدد المـنتسبين = 5,6
- %لأصوات الفوز ممن يحق لهم التصويت = 10,75
- %لأصوات الفوز من المشاركين = 72
- %للمشاركين لمن يحق لهم التصويت = 15,9
- %للمشاركين إلى المنتسبين = 8,38
قراءة هذه النسب المحزنة للمشاركة في عملية انتخابية لقطاع متعلم ومهني, تحتاج من المهندسين أولا( نسبة الأغلبية المعتكفة عن المشاركة حوالي94,5%,يقابلها نسب مماثله في الانتخابات النيابية العامة لما يُعرف بالأغلبية الصامتة ) ومن السياسيين (أحزاب ومنظمات وتيارات ,حول دورهم في تشجيع أعضائهم على المشاركة تحت كل الظروف ..) ثانيا, ومن السلطات الحاكمة ( لتجيب عن التساول : ما العمل ؟ لتقليص حالة الانكفاء والاعتكاف والصمت للأغلبية) ثالثا إلى مراجعة نقدية ذاتية ,تبتعد عن أسلوب التبرير, وتتعمق في البحث عن الأسباب التي تنفرالناس من حق لطالما تغنوا به في هتافاتهم ومناداتهم بالإصلاح والتغيير,وفي محاضراتهم وندواتهم النخبوية والجماهيرية,وخطبهم السياسية والاجتماعية.
يجدر بنقابة المهندسين بالتحديد, التي يُظهر استثمارها المبالغ فيه في الأراضي التي لم تقم بها إسكانات المهندسين وتم شراؤها بيعها للمنتسبين إلى النقابة ,ثراءها ,يجدر بها أن تضع خطط استثمارية تتجاوز المتاجرة بالأراضي لترقى إلى رفد العملية الانتاجية وتوسيع نشاطاتها وتطويرها اقتصاديا ومهنيا وسياسيا في الأردن. فالنشاط العقاري في الأراضي وحسب ليس بحاجة إلى كل هذا الجهد الاستثماري من النقابة , وعليها تنويع استثماراتها بما ينعكس على الفعاليات الاقتصادية المختلفة في مجتمع يدفع لهم ((ضرائب)) على تصديق مخططات البناء والعمل!!
الوسائل التقليدية في الاستثمار وفي الاتصال لم تصنع جهدا يتباهى به صانعوه.ودور المهندسين في التنمية أساس ارتكازي لمسارات التنمية الوطنية . فالتنمية هندسة مبدعوها المهندسون بشكل رئيس,إنْ أحسنو الولوج في ميادينها.
نتمنى,على سبيل المثال, أن تستحدث النقابة أسلوب التصويت الإلكتروني الذي يتيح مجال مشاركة أوسع للمهندسين , ويوفرعناء القدوم إلى مراكزالاقتراع وازدحامها, ويعطي الفرصة لمن يعمل خارج الأردن بالمشاركة,لتعطي النقابة مثلا ابداعيا في تعميم المشاركة الانتخابية , وفي تعميق الالتزام بالواجب الديمقراطي الانتخابي ورفع نسب المشاركة, ورفع سوية المنافسة الحرة في مجتمع لم ينقطع فيه الحراك الهاتف بالديمقراطية بصوت يرافقه الضجيج !!.