دعما للديمقراطية العربية : لماذا وكيف ؟ (3)

mainThumb

10-05-2012 10:50 PM

 يصف تقرير مجلس العلاقات الخارجية رقم 54 الذي أشرنا إليه في مقالي الجزئين الأول والثاني على  صحيفة السوسنة, يصف منطقة الشرق الأوسط على إنها  صحراء الديمقراطية ... ويرى أن       بروز جيل جديد من القادة الشبان والنشيطين مثل الملك عبدالله الثاني في الأردن,والملك حمد بن عيسى في البحرين,وأميرقطرالشيخ حمد بن خليفه آل ثاني,والملك محمد السادس من المغرب,فضلا عن الدعم الأميركي للإصلاح ,أدى في الحقيقة إلى التخفيف من القيود.

 
غير أن مثل ما آلت إليه الحال من الاستقرارفي البحرين ,على سبيل المثال ,خالف هذه التوقعات. وفي الأردن هناك حراك مستمرتتصدره تيارات إسلامية تحظى بدعم صادق ومقصود أم مسيّر بحكم المصالح الأميركية في تعاطيها مع الأوضاع السائدة في البلدان الأخرى لافرق.وهذا يؤكد إن المسار في طريقة التفكيرالسياسية - الأميركية على إنها تساهم في استقرار الأوضاع هووهم لم  تصحو أدبياتها في السياسة من توهمه والتمسك بما تعتقد إنه حظوة من حظوظهاالتي تجد لها مرتعا في منطقة الشرق الوسط, أو لدى شعوب هذه المنطقة على أقل تقدير.وإلى أنْ تدرك إن وقوفها إلى جانب ما ,يثير الشكوك في نوايا ذلك الجانب وفي مصداقيته تجاه قضاياه الوطنية,سوف تظل تعوم في تلك الأوهام.
 
من المؤكد أن العقل الأميركي السياسي يعي تماما إن كل ما تقوم به إداراتها من دعم لأي قضية من القضايا العربية ,أو أي جهد تقوم به الحكومات العربية أوأي من التيارات السياسية أو الاجتماعية  أو منظمات المجتمع المدني ,تحت مختلف المسميات الإصلاحية أو الإنسانية ,تظل محل شكوك   وتحفظات القوى الوطنية وتياراتها السياسية.ومثل هذا الحال ليس افتراضيا ولا محاولة تحليل    المواقف الأميركية, وإنما قراءة لواقع أغنته تجربة العلاقة الطويلة مع السياسات الأميركية تحت إدارات جمهورية أو ديمقراطية عديدة لا فرق,لا يشكل الموقف المتحيز كلية إلى الاحتلال الإسرائيلي السبب الوحيد في هذه التجربة , وإنما العديد من المواقف المعادية مباشرة لكل المشاعرالقومية والتحركات التقدمية – الإنمائية , والقوى المتطلعة إلى السيادة الوطنية على ثرواتها , وعلى مواقفها من القضايا التحررية , والحفاظ على استقلالها الوطني.
 
يعترف التقريربأن الطابع السطحي يطغى على الكثير من الاصلاحات الجارية,لأنها لا تغيرفي الغالب القوانين غيرالديمقراطية السائدة للعبة السياسية بشكل جوهري ويستمر التقرير بنقد الدول   التي أشاد بها قي موقع سابق من مقدمته,مشيرا إلى أن دستورعام 2004 في قطريرسخ سلطة     الأميروعائلة آل ثاني,وإلى الحكم على ثلاثة سعوديين – علي الدميني ومتروك الفالح وعبدالله الحامد -  بالسجن لمدد متفاوتة تتراوح بين ستة وتسعة أعوام لمطالباتهم بحكم ملكي دستوري.
 
ويوصي التقرير – بأن لا تقبل واشنطن بأن يشكل الأمن ذريعة لتبريرقمع أي حزب أو منظمة   سياسية مسالمة,بما فيها الأحزاب الإسلامية (استثنى التقريرالمعد في 2005 كل من حزب الله   وحركة حماس من هذه القوى على الرغم من اعتراف التقرير بأن كلا منهما تشارك في النشاطات الديمقراطية لمجتمعاتها, والتوصية بأن لا تعترض واشنطن على مشاركة أيا منهن شرط أن تحل قواتها العسكرية وتبدي التزاما مقنعا بكل نواحي العملية الديمقراطية ) ,ويجب أنْ توضح للقادة   العرب رأيها بأن أي مجموعة مستعدة للتقيد بقوانين ومعايير النظام الديمقراطي – اللاعنف وتقبل الآراء المعارضة واحترام حقوق كل المواطنين بمن فيهم النساء والأقليات العرقية والدينية وحكم القانون- يجب أنْ يتاح لها فرصة المشاركة في العملية السياسية.
 
البناء على ما ورد من تفاصيل حول ما يجب على الولايات المتحدة أن تقوم به من سياسات إعلامية وتغييرمواقفها من القوى المعارضة للنظم العربية القائمة وذلك بفتح حوارات معها تطال مختلف القضايا التي من أهمها :
-الموقف المعلن والصريح من الاعتراف بالوجود الصهيوني في فلسطين .
-تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
- دعم أميركي لتحرك التيارات السياسية الدينية وغيرها في المطالبة بالإصلاح والتغيير في نمط الحكم وأسلوبه وليس ( الثورة عليه ).
 
-إثارة نوازع الخلافات الطائفية وتعميق أسباب المخاوف منها على أمن المنطقة وأمن معابر الطاقة وممرات تدفق النفط .
 
-تخليص المنطقة من حكم القوى اليسارية والقومية , وتضخيم تصريحات (السلطان التركي) أردوغان وتخفيف انفعالاته التي سببها الفشل في سوريا وتفاقم أزمة حزبه في الداخل التركي .
 
-يُطمئن الأميركيون التيارات المحافظة في المنطقة , بأن سياساتهم لا تتعارض مع سياسات المحافظينالجدد في أميركا, الذين يسعون إلى كسر شوكة القوى الصاعدة ,اقتصاديا وعسكريا بثبات وقوة تمثلها حاليا روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا , وهناك المزيد من  الدول الحرة في إرادتها التي تدعم قيام هذه المجموعة وسياساتها,وتلك التي ستنضم إلى مجموعة البريكس تلك.
 
 نصل إلى استنتاج أولي بأن دعم أميركا لثورة تونس وثورة مصر, كان اعترافا بأمر واقع ,  وليس امرا مرغوبا به ,أو متوقعا في التحليل الأميركي لمسار الأحداث,(يدلل على ذلك التخبط   في التصريحات المتضاربة والمترددة حول مصير الرئيس السابق مبارك), ومحاولة احتواء   وتليين الموقف الأميركي من القوى الجديدة ما  دامت بحاجة إلى المساعدات الأميركية بكل شروطها , لأن السياسة الأميركية انطوت على تشجيع التطورالديمقراطي وليس الثورة . وهكذا نجد إن الفشل الأميركي في مواقف إدارته السياسية متكرر في الحراك السلمي كما هو في    الحراك العسكري وفي الضغوط  الاقتصادية وآليات الحصار والمقاطعة .والتجربة في العراق وأفغانستان وقبلهما فيتنام , وحاليا في سوريا وكورياالشمالية إضافة إلى إيران وقائع تمثل    تاريخاما زالت عظته عصية على عقول العنجهية في اتخاذالمواقف والاتعاظ بالدروس المجربة ,على الرغم من التباهي بالقوة .فالقوة تظل وسيلة لا تهزم رسوخ المبادئ المستندة إلى قيم الحرية والاستقلال والتحرر والسيادة الوطنية  .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد