ليست الألقاب هي التي تكسب المجد

mainThumb

26-05-2012 10:36 PM

 كثرت الألقاب ومسمياتها في عالمنا المعاصر , فهذا يلقب بالأستاذ(بمرتبته العلمية) الذي يفترض فيه أن يكون ملما تمام الالمام ومتمكنا تمام التمكن بمادته العلمية منها والأدبية أو الفنية أو المهارية , وذاك بالعطوفة والذي يفترض فيه أن يكون أهلا للعطف والحنان لمن هم تحت قيادته , وهذا بالسعادة الذي يفترض فيه أن يسعد غيره كما أسعد نفسه , وذاك بالمعالي الذي يفترض فيه أن يكون أرفع الناس تواضعا لأن ما يأتي بعد العلو الا التواضع , وما بعد الوصول الى أعلى القمة الا الهبوط , وهذا بالسيادة الذي يفترض فيه أن يسود الناس بعدالة حكمه وسداد رأيه وحسن تقييمه للأمور, وذاك بالباشا الذي يفترض فيه أن يأمر قومه ويتعامل معهم بالحسنى ويصلح شأنهم ويكون خير معين لهم , وغيرها وغيرها من المسميات  التي لا حصر لها سواء كانت على الصعيد المدني او العسكري.

كلنا يعلم بأنه لا خلود في الدنيا لأحد مهما طال زمنه أو قصر , فالدنيا زائلة ولا بقاء الا لله , وكل المسميات نهايتها الى زوال , ولكن الأعمال الجليلة والآثار الطيبة والسنة الحسنة تخلد ذكرى أصحابها بين الناس , وتورثهم في حياتهم وبعد مماتهم ذكرا وحمدا وثناء ودعاء . وهذا ما فطن اليه ابو الأنبياء ابراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه " واجعل لي لسان صدق في الآخرين ". فكم وكم من العلماء والعظماء والأفراد ممن غيبهم الأجل وطواهم الزمن , وما زالت آثارهم ومآثرهم تبعث في المجالس طيبا وأريجا , وتحمل الناس على عمل الخير وفعل الجميل والاقتداء الحسن ! وقد قال الامام الشافعي رحمه الله بهذا الخصوص :
 
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم                   وعاش قوم وهم في الناس أموات 
 
وقال أيضا في موقع آخر :
 
ان قيل مات فلم يمت من ذكره                    حي على مر الليالي باقي
 
وقال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز " انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم" . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " . وهكذا ان كانت حياة صاحب اللقب مليئة بالخيرات, واصطناع المعروف ,والسعي في مصالح الناس, وقضاء حوائجهم ,ونشر العلم ورعاية طلابه وتيسير سبلهم ,وكتابة الرسائل والمؤلفات والمحاضرات ,واصدار الفتاوى الصحيحة والتوجيهات المبشرة , فهذا النوع من البشر يستحق اللقب الذي يشرفه بجدارة , ويعزز مكانته ويزيد من هيبته وتقديره بين الناس , والا فما قيمة وأهمية وأثر هذا اللقب أيا كان في نفوس الناس ان لم يتصف حامله بما يمثله ويجسده مفهوم هذا اللقب , وما يحمل في طياته من معان سامية وسمات علمية ومهنية واجتماعية وأخلاقية تنعكس ايجابا على أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ! ان من يستحق اللقب المشرف في أمته هو ذاك الرجل الذي سطر في تاريخ حياته العديد من الانجازات الانسانية والحضارية والاجتماعية وتجرد من تخايله واستعلائه على البشر, واستمر في عطاءه حتى الممات ومن حب للناس ما يحبه لنفسه , وغرس في أنفسهم مفهوم العمل الوطني الجاد والوفاء والاخلاص لدينه وأمته وتراب وطنه وقيادته الواعية . فلا تراه يشعر بالعظمة والكبرياء , ولا يتخايل في مسيرته , أو يزهو بردائه أو يترنح بقبعته ,أو يحب التسلط وفرض الذات ,أو يتزين بعلمه -- فان الحية لا تخلو من السم ولو كانت لا بسة جوهرة ثمينة على رأسها -- بل تراه متواضعا يحترم من هو دونه مقدرا ومثمنا جهود الآخرين ,ومعززا من ايجابيات جهودهم ومنجزاتهم , ويأخذ بمشورة حكمائهم ويشكرهم على تعاونهم ويصفح عن مسيئهم ولا يتردد في العفو عنهم عند المقدرة , ويصلح بينهم معطيا كل ذي حق حقه , ولا يألو جهدا في مساعدتهم وردهم عن خطاياهم بالحكمة والموعظة الحسنة , ولا تراه أيضا نرجسيا لا يرى ولا يسمع الا نفسه مهددا كل من تفوق عليه وأبدى له منافسته , مشعرا الناس بأنه صاحب الفضل مانا عليهم اذا سمح لهم حتى بمجالسته . 
 
لقد كان السلف الصالح يدعون بأسمائهم , فلا ألقاب الا بمن يستحقه سواء كان على المستوى العلمي أو الفقهي  أو المهني أو المهاري , فالأصل أن تكون منزلة الشخص محفورة في قلوب الناس , ومرتبته تدل على قدرته في أداء العمل المنوط به بكفاءة بالغة منقطعة النظير , فان قصر دل على تقصير رتبته , وان أجاد وعدل زاد حب الناس له , ونادوه بما هو أهل له . فالقلوب كما يقال كالقدور تغلي بما فيها , وألسنتها مغارفها , فانظر الى الرجل متى يتكلم , فان لسانه يغترف لك ما في قلبه من حلو وحامض , وعذب وأجاج وغير ذلك , ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه . وهذا الأديب ابن المقفع يصف الرجل والصاحب المثالي  في نظره قائلا : "واني مخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني , وكان رأس ما أعظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه, كان خارجا من سلطان بطنه , فلا يشتهي ما لا يجد , ولا يكثر اذا وجد , وكان خارجا من سلطان فرجه , فلا يدعو اليه ريبة , ولا يستخف له رأيا ولا بدنا , وكان خارجا من سلطان لسانه , فلا يقول ما لا يعلم , ولا ينازع في ما يعلم , وكان خارجا عن سلطان الجهالة , فلا يقدم أبدا الا على ثقة بمنفعة , وكان أكثر دهره صامتا , فاذا نطق بذ الناطقين , وكان يرى متضاعفا مستضعفا , فاذا جاء الجد هو الليث عاديا , وكان لا يدخل في دعوى , ولا يشترك في مراء , ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا عدلا وشهودا عدولا , وكان لا يلوم أحدا على ما قد يكون في مثله حتى يعلم ما اعتذاره , وكان لا يشكو وجعا الا الى من يرجو عنده البرء , وكان لا يستشير صاحبا الا من يرجو عنده النصيحة , وكان لا يتبرم ولا يتسخط ولا يشتهي ولا يتشكى , وكان لا ينتقم على الولي , ولا يغفل عن العدو , ولا يخفي نفسه دون اخوانه بشيء من اهتمامه وحياته وقوته , فعليك بهذه الأخلاق ان أطقت , ولن تطيق , ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع , واعلم أن خير طبقات أهل الدنيا طبقة أصفها لك :من لم ترتفع عن الوضع ولم تتضع عن الرفيع " . وهذا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول " الدنيا دار ممر لا دار مقر , والناس فيه رجلان : رجل باع فيها نفسه فأوبقها , ورجل ابتاع نفسه فأعتقها". 
 
كل منا يحب أن يتحلى بأحلى الصفات , ويلقب بأحسن الألقاب وأجملها رفعة وسرورا , وهذه الطبيعة البشرية التي تدفع صاحبها من الداخل لينال شرف تلك الألقاب الحسنة , ولكن ليس على حساب الآخرين , بل ينالها بجده ونشاطه وحسن أعماله وتصرفاته وتدبيره ولا بظلمه للناس, وهذا سيدنا أبو الأنبياء ابراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو ربه لينال شرف الأمانة في ذريته فيرد عليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله " واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " . فهذه هي العدالة الربانية وهذا هو الرد الالهي الخالص في العدل الذي تجلى بأحلى صوره حين يقبل دعوة النبي ابراهيم عليه الصلاة والتسليم تحت ظل شرط عدم التحلي بصفات الظلم , فلا تستحق ذرية سيدنا ابراهيم عليه السلام الامامة ان كانت ظالمة , لأن الظالم ليس أهلا للقيادة وتحمل المسؤولية , فلقب الامام أو ما يقاس عليه لا يستحقه الا من هو أهل له , فلا يحصل عليه بسبب القرابة أو المصالح المشتركة . انه من العيب والبلاء أن يشغل الانسان نفسه للحصول على لقب ما وهو لا تتوفر فيه صفتي القوة والأمانة بأحسن صورها تصديقا لقول الله تعالى " قالت احداهما يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين" , ومن العيب أيضا أن لا يكون مخلصا لهذا الوطن الذي أوصله الى مثل تلك المناصب وجعله يحتل ألقابا ما أنزل الله بها من سلطان غير مهتم الا بنفسه وما حوله دون أن يكون لدية ذرة انتماء لتراب هذا الوطن الذي رفعه وعزه , أو ذرة عشق لهواه وسمائه. والشاعر يقول بهذا الخصوص :
 
روحي وما ملكت يداي فداه                          وطني الحبيب وهل أحب سواه
 
رضي الذي قد عشت تحت سمائه                   وهو الذي قد عشت فوق ثراه
 
منذ الطفولة قد عشقت ربوعه                       اني أحب سهوله ورباه
 
فيا حبذا لو تحلى الانسان فينا بما أوردته من صفات وعلم وسلوك وأخلاق وفن قيادة وعدل بالحكم لكان خيرا له من أن ينسب لنفسه اللقب الذي لا يستحقه بهدف تحقيق الشهرة والسمعة الزائلتين . نعلم حق العلم أن الكل منا ,الا من رحم الله, يتمنى أن يكون صاحب لقب معتبر ومتميز ومشهور في أي مجال من مجالات الحياة , ولكن الخلل أن ننظر الى هذه الألقاب والمناصب والتسميات العلمية وغير العلمية على أنها تزيدنا شرفا ومجدا وترفعا الى مصاف العظماء علما أن الواحد منا غير جدير لأن يكون صاحبها بحق ,فهذا لعمري خلل في الفهم بل قصور فيه , فالألقاب لا تعطى الا للمتميزين , فكم من عالم مات ولم يحمل شهادة عليا كالتي نتباهى بها اليوم , وعلى رأسهم علماء المسلمين في العصور الماضية ! وكم من عالم أو فقيه أو أديب لم يحمل لقبا ولكن كتبه التي تباع ويستفاد منها لا حد ولا حصر لها يتناولها الملايين ويتنافسون على قراءتها منذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا , وهم حقا باعتراف الجميع نجوم وكواكب منيرة تسبح في سماء الأدب والابداع ! 
 
فنعم للألقاب ان كان خلفها من يشرفها ولا تشرفه ! ونعم للمبدعين المجردين من الألقاب , فهم حقا وقود التميز وعنوان الطموح ! هم  هؤلاء من يجبرون الألقاب أن تأتيهم طواعية فلا يسعون اليها أو يجرون اليها باندفاع قوي كجري الوحوش في البرية للبحث عن فريسة يأكلونها ويتنعمون بها أو كلهث الكلاب العطشى تبحث في الصحراء عن قطرة ماء تسد فيها رمقها من العطش , وما نتمناه هو الوصول الى مرتبة ذلك التميز والابداع لنجعل الألقاب مجسدة في هياكلنا وأحشائنا ونبضات قلوبنا وأجهزة أجسامنا المختلفة , وأن نحسن توظيف ذلك اللقب بكل ما تحمله الكلمة من معنى حتى تأتينا صاغرة دون استخدام اي نوع من أنواع الغرور أو الكبر أو الخيلاء . فالألقاب أحيانا توهم وتوحي للناس بأن حامليها هم أصحاب عظمة وهيبة وعلو مقام بحيث تجعلهم يبتعدون عنها , فينأون عنها ولا يقتربون منها خوفا من أن يمسهم ضر أو سوء تنعكس سلبا على حياتهم وحياة ذريتهم من بعدهم . فواأسفاه على كل من يحتمي وراء الألقاب  لتوظيفها واستثمارها لصالحه وحسب أمزجته وأهوائه ولازالة الشك والتساؤلات التي تضعه في قفص الاتهام لتبيان حقيقة أمره ! فليس كل من يحمل لقبا هو ذات شخصية متميزة تتحلى بقدرات خارقة وكفاءات فائقة وصفات ملائكية تجعل الانسان فينا أن يمجده ويعظمه ويرفعه عاليا على أكتافه ورأسه مظهرا له كامل الاحترام والتقدير والخجل والصغر أمام حضرته , ويكثر من مدحه ويقيم له الولائم ويقدم له الهدايا ويحسب لكل كلمة ينطق بها أمامه , لأنه بحدود معرفته يعلم أن اللقب هو الذي يحدد شخصية الانسان وليس أخلاقه وتواضعه وذكاءه. 
 
ان السباق الذي نشهده اليوم للحصول على مثل تلك الألقاب يعود في مكمنه الى حقيقة مرة وهي عدم الثقة بالنفس الذي يدفعه للبحث عن كيان مصطنع يعطيه لنفسه ظانا أن به ينمو ويكبر بعين الآخرين . ان مثل هذا الانطباع أعطى الضوء الأخضر لمثل أولئك النفر لاستغلال سذاجة الانسان وجهله للاستمرار في القيام بالكثير من الخروقات القانونية والاجتماعية والأفعال غير المبررة مما جعلهم يزدادون كبرا وغرورا على غيرهم من العامة واضعين أنفسهم فوق القانون ومتعاملين مع الناس بفوقية مطلقة مع ممارستهم لشتى أنواع الفساد المعروف لدينا .
ان ما أوردته لا يعني أنه ليس هناك من أناس يستحقون الألقاب ان كانت أكاديميه أو مهنية أو سياسية أو الخ ....., بل هم والحمد لله موجودون بين ظهرانينا في الجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة وفي كافة المجالات والقطاعات المهنية  والحرفية , وهم جديرون لتحمل أمانة اللقب الذي يحملونه, لأنهم تعبوا واجتهدوا بحق من أجل الحصول عليه , واكتسبوا المهارة المطلوبة وأتقنوها في صنعهم , وأما على الصعيد القيادي لهذا البلد فان ما نراه في قيادتنا الهاشمية  وما تملكه من حس عال برسالتها وايمانها بنفسها وقيمة عملها , والتي تسهر الليالي الطوال وتبذل الجهد الكبير في توفير ما يمكن من سبل العيش الكريم لأبنائها المواطنين واظهار وتعزيز عرى التواصل والود والتراحم  والتعاطف معهم , وتحقيق الأمن والأمان والعدالة لهم , لهو أكبر دليل واقعي مشهود على حسن التدبير والأداء وحسن التصرف مع رعيتها , فهذه آثارهم الحسنة تتداولها  صفحات التاريخ وألسنة الناس منذ اندلاع الثورة العربية الكبرى وحتى أيامنا هذه , وأن مكارمهم ومآثرهم ما زالت حية تعيش معنا حتى بعد مماتهم , فلهم منا كل الاحترام والتقدير راجين الله العلي القدير أن يرحم موتاهم وأن يطيل في عمر أحيائهم , فهم حقا من أكسبوا ويكسبون ألقابهم مجدا وخلودا . ولكن بالمقابل فهناك من أناس من قدم لهم هذا اللقب على طبق من ذهب دون معاناة أو تعب , وعلينا أن نتعامل مع صاحب اللقب بحسب انسانيته قبل لقبه حتى تبان شخصيته الحقيقية , فاما أن يزيد احترامنا له واما أن ينقص . فليس التمسك باللقب هو الذي يرفع من قيمة الانسان ومقامه ,لأن في ذلك دليل قاطع على ضعف شخصيته وحبه للتكبر والغرور . ومع ذلك هناك من الناس من يجهلون حقيقة أمر بعض أصحاب الألقاب بحيث يعتقدون بأنهم أصحاب فكر وثقافة وحضارة بينما لا منطق أو حكمة لديهم , وحتى لا أخلاق أو مروءة أو شجاعة لهم لتبيان أمرهم على حقيقتها , فهؤلاء هم من تشفع ألقابهم لهم فيغض الناس طرفهم وأبصارهم عنهم نتيجة جهلهم , أو خوفا منهم أو طمعا بحبهم وكسب رضاهم لعدم المس بمصالحهم . 
 
ان من يدعي بالثقافة فانا نقول له بأن مفهوم الثقافة واسع يتجلى بأحلى صوره في " التقويم والتهذيب " , فالثقافة لا تعتمد على الشهادة فحسب , بل هي فكر عال وسلوك راق في آن معا , وعلى كل من يسعى للحصول على لقب أن يكون هدفه خدمة الانسان قبل خدمة ذاته , فالطبيب هدفه مثلا شفاء المرضى لا أن يجري علاقات عاطفية أو عمليات غير أخلاقية أو يظهر عدم الاكتراث بالمريض كما هو مطلوب منه , والقاضي هدفه تحقيق العدالة في الحكم , فلا يجاري أحدا حسب نسبه ووجاهته ووظيفته وماله وسلطانه ليقلب الحق الى باطل , والحاكم هدفه خدمة شعبه وتوفير سبل العيش الكريم لهم , فلا يتوانى عن مساعدتهم وحل مشاكلهم , وهكذا فلكل لقب متداول عليه مسؤولياته التي يوجب حاملها تنفيذها باحكام . ولكن فليسأل كل منا نفسه قبل أن يرفع صاحب اللقب عاليا , هل لو جرد حامل اللقب من لقبه تبقى قيمته العالية بين الناس محفوظة في مكانها ؟ وأن الصورة العالقة في أذهانهم حوله تبقى ذاتها لم تتغير ؟ وهل يظل انسانا يحمل علما ومعرفة ودراية وأخلاقا تجعل من حوله من يحترمه ويقدره لشخصه وليس للقبه ؟ أم أنه يصبح انسانا ليس جديرا بالذكر أو الظهور ؟ فعلى هذا الأساس تبنى العلاقة بينه وبين من حوله. 
 
فالألقاب غالبا ما تعتبر بهرجة اعلامية , وعلى كل من يحمل لقبا ما أن يحسن السباحة ان ركب متن قارب هذا اللقب أو أبحر فيه كي لا يغرق , فلنترك الألقاب للأرقام تلعب دورها وما يحقق صاحبها من انجازات, وعندها الخبر اليقين. فالرجال العظماء ليسوا بحاجة لغير اسمهم الحقيقي - وتبقى الألقاب المصطنعة أوسمة  لمن يتهافت عليها وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم لا يستحقونها - فالعظماء لا يحتاجون الى ألقاب  أو أوسمة , بل هم الذين يصنعونها دون انتظار كالشهداء فهم عظماء في نظر الجميع وهم دون ألقاب , فالعظيم عظيم في نفسه ولا يحتاج لأحد لكي يعظمه ويبجله , وأما الأحمق فهو من تعجبه كلمات الاطراء والألقاب ,ويعيش معها حتى مماته , فالتاريخ يعرف العظماء والعلماء والمكتشفين بأسمائهم وليس بألقابهم , فهم أعلام في رؤوسهم نور . وأخيرا أتساءل لماذا يسعى الانسان جاهدا ليحمل لقبا هو في نهاية المطاف الى زوال فيربح من خلال سعيه له الدنيا ويخسر الآخرة ؟ فليكن كل منا رائعا في نظر الآخرين مثالا في الخلق , وما فائدة اللقب اذا كان الانسان يتعذب من الداخل لشعوره بخسران ذاته ويعادي نفسه ! وما قيمة أن يضحك له الجميع أو يكرهه الجميع اذا كانت الدنيا الداخلية فيه لا تشاطره همومه ولا تشعره بذاته ؟ فلنبتعد عن المجاملات والصفقات المخيبة لآمال الشعب , ولا يكن الواحد فينا رهينا لمجتمع يخاف منه دون أن يواجهه محتكما لأمره وملتزما بما يمليه عليه حتى لو كان يعاكس مصالحه ! ولنكن أقوياء متعاونين لصد فرض الآراء الاملائية غير المدروسة والحاجة التي تشعرنا بالذل , فلا طموحات هوجاء زائلة على حساب أبجديات سعادة حياتنا , ولا للأنانية التي تستعبد البشر.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد