مصر والثقب الأسود

مصر والثقب الأسود

23-06-2012 12:51 PM

 من ألطف التعليقات على الفيس بوك تعليقا يقول: أعلن المجلس العسكري عن وفاة المرض بعد صراع طويل مع حسني مبارك. لكننا في الحقيقة نرى المجلس العسكري يستنسخ وبمهارة نادرة الأمراض الميتة، والحكومات الميتة، والسياسات الميتة، والرؤساء "الميتحيون". وهذا ما يقلق الشعب المصري والعالم بأسره.

وقد اعتقد الشعب المصري أن المجلس العسكري سيوفي بكل وعوده. ونسي الشعب أن هذا المجلس قد شكله وكان يرأسه حسني مبارك. كان اعتقاد الشعب المصري يقوم على قناعة أن المشير طنطاوي، وبقية الجنرالات يكنون في صدورهم المرصعة بالنياشين حبا حقيقيا لمصر، وشعب مصر، وأن أمامهم فرصة تاريخية للعب دور مشرف في بناء مستقبل مصر. وكان الشعب على قناعة أنه بإزاحة الطاغوت سينطلق المجلس مع الشعب نحو بناء مصر جديدة، يتمتع شعبها بالحرية، والمساواة، والديموقراطية، وتتميز حكوماتها الجديدة بالشفافية، والمساءلة، وانتخاب الرؤساء بموجب الدستور، وتحديد مدة خدمة أي رئيس بثمان سنوات، أي فترتي رئاسة لا يتعداهما أحد أبدا.
 
كانت هذه الأمنيات والطموحات التي دفع الآلاف ثمنها بأرواحهم ودمائهم تاركين خلفهم أرامل، ويتامى، وثكالى. كان مستقبل مصر يضيئ في فجر انطلق من ميدان التحرير. ومن بين أروع المشاهد التي رآها العالم في الميدان، وصول دبابات بها جنود، يقودها ضباط في وضع قتالي واضح. كانت اللحظات عصيبة، توقفت الدبابات التي دفع بها إلى قلب القاهرة رئيس المجلس العسكري الحالي، المشير محمد حسين طنطاوي، بطلب من رئيسه المباشر، حسني محمد مبارك، رئيس مصر ورئيس المجلس العسكري أيضا.
 
باتت المدرعات ليلتها الأولى بجانب المعتصمين، والجنود يحملون بنادقهم صامتين. مضى اليوم الأول، وفي عصر اليوم الثاني، صعد ضابط على ظهر دبابته ونظر للمعتصمين المحيطين بالمدرعات، وخاطبهم متسائلا: هل تعرفون لماذا نحن هنا؟ مثل هذا السؤال، في مثل هذه المناسبة، وفي مثل هذا الوقت، وهذا الوضع المتأزم لا يلقى جوابا من أحد. كان جواب المعتصمين هو الصمت المعبر عن كل شيئ. كرر الضابط سؤاله: "بتعرفو ليه أنا هنا؟" نظر إليه المعتصمون دون كلام يسمعه. فأجاب على سؤاله بصوت واضح ونبرة مصممة واثقة قائلا: "أنا هنا عشان أحميكو". فهاجت الآلاف المرابطة في ميدان التحرير تعانق أبنائها على ظهور الدبابات، وعلى الأرصفة، وأصروا على اقتسام قليلا من "العيش" معهم.
 
"أنا هنا عشان أحميكو" كان إعلانا قصم ظهر المجلس العسكري، وقصم ظهر رئيس الجمهورية، وشد عضد الشعب المغلوب على أمره، الباحث عن حرية فقدها قبل ستين عاما من حكم العسكر بالتناوب. "أنا هنا عشان أحميكو" كان الإعلان الأول عن انتصار الباحثين عن الحرية، والديموقراطية، والمساواة، والعدالة، واحترام حقوق الإنسان المصري، ووضع نهاية لعصر من الفساد طال أمده، وطغت شروره على حياة الملايين، ومصادر حياتهم. 
 
لقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن دعمها ورغبتها في انتقال السلطة إلى أي مرشح يفوز في الانتخابات الرئاسية المصرية. ودعت وزارة الخارجية الأمريكية المجلس العسكري إلى الوفاء بالتزاماته بشأن انتقال السلطة، وأعربت عن تخوفها من سلسلة القرارات التي اتخذها رئيس المجلس العسكري، المشير محمد طنطاوي، والتي يمكن فهمها كمحاولة لإطالة قبضة الجيش على السلطة. 
 
ودعت الإدارة الأمريكية المجلس العسكري المصري إلى "استعادة الثقة الشعبية والدولية في عملية التحول الديمقراطي وذلك من خلال الوفاء بالتزاماتهم المعلنة". وشددت الإدارة الأمريكية انتقادها للتصرفات السياسية الضبابية التي قام بها المجلس العسكري مؤخرا فقالت الخارجية الأمريكية في هذا الصدد: "إن الجيش أبدى التزاما للشعب المصري بأنه سيكون حكما جيدا خلال فترة التحول الديمقراطي، وهو الآن في حاجة لاستكمال تلك العملية".
 
واتخذت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأسبانيا مواقف متناسقة لا تختلف عن الموقف الأمريكي، وتطالب المجلس العسكري بنقل السلطة دون إبطاء.
 
الغريب في الأمر أن غالبية الدول العربية لم تتخذ موقفا معينا تجاه تصرفات المجلس العسكري. كما لم تتطرق الجامعة العربية إلى هذا الأمر ولو بالإشارة. إن ما سيحدث في مصر، لا قدر الله، سيكون أسوأ مما يجري في سورية، وأبعد أثرا على العالم العربي والعالم برمته. 
 
وعلى العرب التعبير عن رغبتهم في انتقال سلمي للسلطة لأي مرشح يفوز في الانتخابات. إن المواقف السلبية، أو التلكؤ في اتخاذ موقف واضح مما يجري في مصر ستكون له عواقب وخيمة على العلاقات العربية والدولية. وإن أي إضطرابات في مصر ستؤثر على التجارة الدولية مع الشرق الأوسط برمته. وهذا مسوغ كاف للتدخل العربي، أو التوسط العربي، في عملية انتقال سلمي للسلطة. 
 
من المتوقع أن تقوم الدول العربية بانتقاد ممارسة المجلس العسكري لدور السلطة التشريعية، والتعبير عن رفضها واستهجانها لقيام المجلس العسكري بدور تشريعي مريب.
 
لن يكن محمد مرسي في حصانة إذا لم يستجب لمطالب الشعب في الحرية، والمساواة، والديموقراطية، وتشكيل حكومة مدنية يتساوى فيها جميع مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية. سيكون سقوط مرسي أسهل بكثير من سقوط حسني مبارك. لكن دعه يسقط بإرادة شعبية، وليس هناك داع لتكرار التجربة الجزائرية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد