مصر : الأبعاد الحقيقية للمعركة بعد الفوز

مصر : الأبعاد الحقيقية للمعركة بعد الفوز

25-06-2012 01:47 PM

 حين نجحت حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 لم يكن في حسبان الحركة أن العقبات الكبرى تكمن في ما بعد الانتصار. اكتشفت الحركة أنه لا خبرة لديها في إدارة الحكومة، وأن الرغبة العارمة في تحمل مسؤولية تشكيل الحكومة لم تسعف الحركة عند مواجهة المهام العملية المتمثلة في إدارة دفة الحكم، ومواجهة التحديات الجسام في رسم السياسات: سياسة الشؤون المحلية، وسياسة الشؤون الإقليمية، وسياسة الشؤون الدولية، وسياسة العلاقات الدقيقة مع بقية الفصائل التي تشكل الموزايك السياسي الفلسطيني، وفوق ذلك العلاقة مع إسرائيل. 

نحن الآن أمام مشهد يكاد يثبت لنا أن التاريخ يعيد نفسه. لا جدال أنه لدى حركة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب الحرية والعدالة في مصر رغبة عارمة للشروع في التعامل مع كتلة المسائل السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، والعسكرية. وفوق ذلك وبنفس الأهمية والحساسية معالجة الشؤون العربية، والإقليمية، والإسلامية، وبناء العلاقات مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي.
فهل لدى حركة الإخوان المسلمين الكوادر القادرة على إدارة شؤون الدولة المصرية بأبعادها العربية، والإفريقية، والإسلامية، والدولية؟ وهل لدى الإخوان المسلمين استراتيجية سياسية، أو مسرب سياسي يسلكونه في تعاملهم مع الغرب؟ أم أن حزب الحرية والعدالة سيلجأ إلى سياسة الرفض والإدانة والانغلاق؟ إن الحكم على الغرب بأنه استعماري وبالتالي تأليب الرأي العام المصري ضده سيريح الحزب من التعامل مع ملف دقيق جدا. لكن تخدير الرأي العام المصري بجرعة وطنية قوية لن يؤدي الغرض، ولن يخدم حزب الحرية والعدالة على المدى الطويل، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار ديناميكية العلاقات الدولية في عصر العولمة.
عصر العوملة:
 
إن مجرد ذكر العولمة يفرض ضرورة توضيح آثار تلك الظاهرة العالمية على السياسات الوطنية في كل الدول، ولا تشكل مصر أو العالم العربي استثناء للقواعد السياسية في عصر العولمة. 
فالعولمة قد فرضت التزامات في مجالات متعددة تبدأ من مراعاة العدالة في العلاقات بين الفئات المكونة لمختلف المجتمعات، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الطفولة، وحقوق المرأة، والحق في التظاهر، والتعبير عن الرأي، وحرية الصحافة. وعلى نطاق أوسع فرضت العولمة التزامات على جميع دول العالم، قويها وضعيفها دون استثناء، في مجالات الأمن، والبيئة. فالأمن لم يعد شانا محليا وطنيا ضيقا، بل بالإضافة للاعتبارات الوطنية على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مراعاة حقائق أهمها ترابط حلقات الأمن الوطني بالأمن الإقليمي وأبعد من ذلك وأعمق بالأمن العالمي. فقد ثبت أن التعامل مع الإرهاب على المستوى المحلي (الوطني) فقط ليس مجديا، بل لا بد من سياسة إقليمية ودولية لمقارعة التطرف والإرهاب. فالاختلاف السياسي، والانغلاق، وانسداد قنوات الاتصال الدبلوماسي ستلعب في صالح المنظمات الإرهابية، وتوفر لها القدرة على المناورة، والتجنيد، والتدريب، والتنقل، والتمويل، وأخيرا ضرب الأهداف، وإشاعة الفوضى، وكسر القوانين. 
 
ثم كلمة حول العلاقة بين الإسلام والعولمة. فبالرغم من موقف غالبية "علماء" الدين والأئمة المتحفظ على العولمة، فإنه يجب القول أن الإسلام دين العولمة منذ انطلاق الرسالة في مكة قبل أربعة عشر قرنا. ولا ينافس الإسلام في عولمته إلا المسيحية التي تحمل في تعاليمها نفس العوامل العولمية التي يحملها الإسلام. ولكي أكون واضحا فإن أبعاد العولمة في الإسلام والمسيحية لا تخفى على أي مؤمن. فالإسلام والمسيحية يسعيان للانتشار في العالم كله، ولذلك نجد أن مؤسسة الدعوة في الإسلام، ومؤسسة التبشير في المسحية، وهما المؤسستان اللتان إنيطت بهما مهام التوسع العولمي، وهما أقوى مؤسستين في الديانتين. 
 
وبالنسبة للإسلام فإن العولمة العقيدية-الروحية تفوق أبعاد العولمة البشرية-الجغرافية، فنجد أن الإسلام يسعى ويعلن أنه دين العالمين. ونقف مشدوهين أمام لفظة العالمين وأبعادها اللامحدودة لنرى أن العولمة جزءا من تعاليم الإسلام، وجزءا من انتشار الرسالة بين البشر والجن أيضا وعوالم أخرى لم نكتشفها بعد. فالعولمة ليست عدوا للإسلام، بل ذراعا ووسيلة من وسائل الانتشار الكوني (في الأكوان كافة)، وليس العالمي (أي في عالمنا الحسي فقط). ولا تختلف المسيحية عن الإسلام في هذا المجال. 
 
وتتضح أبعاد العولمة الإسلامية في نطاق الرسالة الإسلامية التي حملها الرسول الأمين (ص) الذي وُصف في القرآن الكريم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"؛ رحمة للعالمين جميعا وليس للعرب خاصة أو المسلمين. خلاصة القول أن الإسلام ليس مناهضا للعولمة، ولا تشكل العولمة أي عقبة أو تهديد او معارضة للإسلام أبدا، بل أنها (العولمة) لا تعدو أن تكون إلا بعدا مكانيا-زمانيا من أبعاد الرسالة الإسلامية.
الالتزامات الدولية والقدرة على قيادة مصر:
 
إن المعركة الحقيقية قد بدأت بعد الإعلان عن فوز محمد مرسي، رئيس مصر الجديد. والانتصار في هذه المعركة مؤكد، لكن أخطار التقهقر والخسارة قريبان وعلى نفس المسافة. إن منجاة مصر، وتواصل الثورة، والتأكيد على تحقيق أهدافها يكمن في انفتاح حزب الحرية والعدالة على جميع القوى السياسية. والالتزام بإشراك كافة القوى السياسية في تشكيل حكومة تقوم على مبدأ التعددية والمشاركة في المسؤولية. هذه الفلسفة ستضع الجميع في نسق واحد، وستحول دون الاستئثار الذي يقود إلى الضعف والانعزالية وأخيرا التناقض والاندثار. 
 
أمام الرئيس الجديد نماذج لبناء الدولة، وهو بحاجة إلى فريق يحطم قشور الانغلاق، ويلتزم بالإصلاح، وبناء علاقات عربية ودولية تقوم على المصالح المتبادلة، والتنمية، والمحاسبة، والمشاركة. وعلى الرئيس الجديد أن يبتعد عن تسييس الإسلام، أي أن يجعل من الإسلام معولا سياسيا لخدمة أغراض معينة وقناعات معينة. ولأن الرئيس الجديد ذو خلفية سياسية تقوم على مبادئ حزب عقائدي إسلامي، فإنه عليه مهمات خاصة تجاه معالجة صورة الإسلام في العالم. الصورة التي زرعها ليس فقط أعداء الإسلام بل ساهم في خلقها نفر من المسلمين المتطرفين الغلاة. فعلى الرئيس الجديد أن يخرج بالإسلام من الصورة التي رُسمت للدين الحنيف في ضوء التطرف، والغلو، والتعصب الأعمى، إلى حقيقة رسالة الإسلام السمحة الغراء، التي تقوم على التسامح، والتراحم، واحترام حياة الإنسان، والعدل والمساواة. 
 
على الرئيس محمد مرسي أن ينقل الإسلام من موقع العقيدة المرعبة المسلحة بالرجم، وقطع الأيدي والرقاب، إلى حقيقة أن الإسلام عقيدة تحترم الحياة، وتقدس حياة الإنسان والتأكيد على أن "من أحياها كمن أحيا الناس جميعا". 
 
إن المهام جسام، والتصدي لها ليس بمقدور كتلة معينة منفردة، بل تلك مهمة حكومة تعددية، ديموقراطية، مدنية، دستورية، تحترم الحريات، ولا تفرض نمطا معينا من الثقافة على المجتمع، وأن تبتعد ما استطاعت عن الممارسات الشمولية التي تؤدي إلى الانغلاق، والقمع، وكتم الحريات، والخروج على الدستور، وفي نهاية المطاف اللجوء إلى العنف الذي يولد عنفا مضادا يؤدي إلى الانحسار والانشغال بالحماية، وانتشار روح الشك والتخوين، وترعرع الاستبداد والقسوة والدكتاتورية. 
 
إن أمام الرئيس محمد مرسي الفرصة لإرساء دعائم ممارسات سياسية يقبلها الشعب المصري، ويحافظ عليها لعدالتها، وليس لقوة وبطش القائمين عليها. 
 
إنه بمقدور الرئيس المدني الأول في الجمهورية المصرية الثانية أن يؤسس لتقليد رائع يتمثل في الالتزام بالخدمة على رأس الدولة لفترتين من ثمان سنوات كحد أقصى، تقليد يلتزم به من سيأتي بعده، ويقف الشعب المصري بملايينه التسعين رقيبا وحارسا عليه.
 
إن العالم يتطلع إلى رئيس مصر الجديد، الذي يحمل إلى القصر الجمهوري معه صورة رئيس مسلم. فهل سينجح الرئيس محمد مرسي في رسم صورة الرئيس المسلم المنفتح، الذي يقبل الآخر، ويرى أبعاد التوافق الاجتماعي وأهميته، ويقود مصر إلى بناء دولة مدنية عصرية لكل مواطنيها. رئيسا سيذكره التاريخ كمصلح ينشر العدل والمساواة في مجتمع عانى من القمع، والحرمان، وسطوة الحكومات الفاسدة، واضطهاد الأمة المصرية. رئيسا يخرج بمصر إلى مرحلة العمران، والإصلاح، وسيادة القانون، والمساواة، والنهضة. رئيسا لن يسمح برفع الأذان في قاعة البرلمان بدل المسجد والمئذنة. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد