امرأتان

امرأتان

29-06-2012 03:51 PM

 موضوع المقالة السابقة كان عن مشاركة المرأة في العمل الوطني باتجاهاته، أمّا موضوعنا اليوم فهو عن المرأة التي لا تجذبها فكرة التوسّع في هذا العمل وإن انخرطت في صفوفه، فتعرف أين تقف وأين تخط حدودها التي رسمتها لحياتها جيداً، فهذه النائبة والناشطة الفرنسية أكسيل لومير تشارك في برنامج تلفزيوني يبث على الهواء، فتتلقى اتصالاً من رئيس الجمهورية هولاند يدعوها إلى منصب وزيرة دولة لشؤون الفرنسيين المقيمين في الخارج، فلا ترتبك الشابة ولا تحتار، ولا تأخذها مفاجأة اللحظة باتصال الرئيس، وإنما تقرر من فورها أنها لا تريد تغيير نمط حياتها، ولاسيما أنها أم لطفلين صغيرين، فتعتذر من الرئيس بكل هدوء وأدب بعد أن تشكره على ثقته بها، فيا له من اقتناع ومن وضوح في الرؤيا! وكي تستوعب حجم هذا الاقتناع الذاتي، تصور لبرهة أن يتصل بك رئيس دولتك وعلى مسمع من الملأ ويعرض عليك منصباً مهماً، فتبتسم له وتعتذر عن عرضه لأنك راض عن سير حياتك، فيتقبل رئيس الدولة اعتذارك بكل مهنية، ولا يوصمك الجماهير لا بالغباء ولا بالجنون، ثم تعود إلى بيتك فلا يزفونك أهله بألسنتهم لإهدارك فرصة العمر بأنانيتك.

ثم وبعد هذا كله نتساءل عن مفهومهم للتحضّر ولاحترام مساحة الشخصية، واختلافهم عن تحضّرنا ومفاهيمنا! هناك فرق ولا شك، ولكن لنحصر طرحنا في مسألة الاقتناع بالدور الذي ترى المرأة العربية نفسها فيه، ولا يغريها غيره، وبقطع النظر عن موقعها الحياتي الذي بإمكانه أن يتيح لها مزيداً من التمدد ببعديه الطبقي والهيكلي، فماذا عن السيدة تحية كاظم حرم الرئيس عبدالناصر كمثال اكتفائي عن امرأة مسؤول انحسرت مهامها في تربية الأبناء والاعتناء ببيتها وزوجها؟ والظاهر أن حرم الرئيس المصري الحالي، أو الحاجة أم أحمد، لن تبتعد عن الحياة البسيطة - غير المتشعبة كثيراً، أو على الأقل هذه هي الصورة المنقولة عبر موقع «إخوان أونلاين» من خلال تصريحات الحاجة واستبدالها لقب سيدة مصر الأولى بخادمة مصر الأولى، أم أحمد، أو الأخت نجلاء التي لم تشارك بأبعد من الأنشطة الخيرية، والتربوي منها تحديداً، أثناء تواجدها مع زوجها فترة دراسته في الولايات المتحدة، يعني المسألة برمتها لن تتعدى أدبيات الإخوان في رؤيتهم لمهام الزوجة والمرأة عموماً.
 
إنما السؤال: هل اكتفاء الزوجة والمرأة العربية بدورها أياً كانت ملامحه وحدوده الضيقة هو نابع عن اقتناعها الشخصي وإرادتها الحرة، أم إنفاذاً لرغبات الأب أو الزوج أو السلطة الذكورية؟ وهذا بالذات ما يميّز المرأة الأجنبية عن المرأة العربية، وللإجابة، ستجد امرأتنا تسارع لتؤكد على أنه قرارها واختيارها، وهو قول مبرر، فكل يدافع عن ملكيته الفردية، ولكن السؤال الأهم: لمن تؤول حقيقة هذه الملكية حقاً؟ فما يطفو على السطح هو تجسيد وعينة صغيرة لعالمنا ولوضع المرأة فيه، قد يختلف في التفاصيل والفوارق هنا وهناك، ولكنه يبقى واحداً في جوهره، فالمرأة العربية ملك للرجل يوجهها ويقدمها كيفما يشاء، ولكن الأعمق وجعاً من تلك الثقافة، أن تظهر بين الآونة والأخرى امرأة ملكت قرارها إلى حد كبير، فتسيء توجيه هذه النعمة، وتخرج بأتعس نموذج يُحتذى، فيشير إليه القوم ويتساءلون: أهذه هي المرأة؟ نعم، المرأة أكثر ما يسيء إلى المرأة لأن أقوالها وأفعالها دائماً ما تكون تحت مجهر المتصيّدين، ولذلك تجد فئة من رجالنا ونسائنا تؤثر راحة الظل على شغب العلن وانتقاده ولسان حالهم: ماذا جنى السابقون من خروجهم! وهو منحى انهزامي، إنما عادة ما تتبنى المرأة ما يمليه عليها المحيطون لتتواءم مع المجتمع تبنياً كلياً أو جزئياً، مبدية المظهر دون المخبر، مختلجة في أعماقها مشاعر الغضب والاحباط والميل نحو العنف وربما الانتقام، وعندها يكون السؤال: فهل إن اعتذرت المرأة الأجنبية للمسؤول عن المنصب تكون في حقيقة إعراضها كمثل المرأة العربية حين تعتذر؟
 
suraya@alhayat.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد