لم يعد خافيا على المتابع لأحداث سوريا انكشاف الأسباب التي كانت بمثابة الأسرارالساذجة بالتحولات التي أخذت شكلها النهائي في الإعداد لإنهاك القدرات السورية الوطنية والقومية ,وإشغال قواها الأمنية والعسكرية في مواجهة قوى أجنبية ومعادية وأخرى مجاورة حاقدة وغيرها حاسدة لموقف سوريا المستمروالدائم الداعم لقضيتي تحريرفلسطين والتحررالوطني برفض رهن الإرادة الوطنية لمؤسسات إمبريالية وصهيونية تاريخها مكشوف ونواياها السيئة معلنة بكل صلافة واستهانة بمشاعرالمواطنين العرب وانتماءاتهم السياسية والوطنية والنهضوية. ويجيئ ثبات المواقف السورية تلك على الرغم من كل التهديدالي تعرضت له منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمن , وحماية لكرامتهم من قبول العروض السخية من المساعدات المالية والعينية والمعنوية التي تُعد الوسيلة الأكثرإغراء والأعمق ترسخا في الممارسة السياسية الأميركية وحلفائها الغربيين وأتباعها المطيعين في الشرق والغرب.
بدأت التظاهرة في سوريا مقترنة بمواجهة أمنية ,كما تفعل كل الأنظمة العربية,وفجأة وفي إعداد بدى بأنه مبيت ومقصود أثبتته صورواضحة إطلاق النار من مجهولين على المتظاهرين ,لتنتفضقوى السلام والحلم والمحبة !!الأميركية وخليلاتها فجأة,وكأنها غير تلك القوى التي فعلت ما فعلته من مآس إنسانية وأخلاقية في العراق الذي ما زال يعاني من نتائج تحريره!!من قتل وتدمير وسرقة التراث التاريخي الذي تتغنى به الحضارات العريقة ونقله إلى أميركا التي هي في الداخل الأميركيحصن الحرية وحقوق الإنسان ولكن سلوكها في الخارج يعاني من انفصام حاد يتناقض مع قيم الداخل وأسسه,وإذا بها تتحول بإرادة سياسية ضيقة الأفق ,حاملة الهم الصهيوني على أكتاف محافظيها الجدد إلى مخزن المسروقات لتراث ضخم لمعالم صنع التاريخ ,كي تحرم العرب عامة والعراق خاصة من مجرد ذكرى تاريخية تشهد عليها شواهد الحضارة العريقة.
تنادى بعض الكتاب,العرب منهم والأجانب,الجاهزة أقلامهم بأفكارمعدة مسبقا بصياغات موضوعة بلغة قوى معادية لسوريا وتاريخها ومواقفها وتتنهد بالتباكي على المتظاهرين السلميين الذين يتعرضون للقتل والقصف الصاروخي والمدفعي والجوي اليومي!!. وإذا بمحطات فضائية عربية معروفة بأهدافها لمن يقرأ خلف السطوروأمامها, ويتمعن في قلب الصوروتواريخها ومواقعها الحقيقية ,ويحظى بفضيلة المقاربة بين الحدث وبين مسببيه ودوافعهم, تساهم ليس في عمليات التضليل والفبركة والفذلكة الخطابية , بل وفي إرسال الرسائل المشفرة في نشراتها الجوية وفي خرائط تحليل (مفكريها الاستراتيجيية !!) في كيفية مواجهة المتظاهرين السلميين!! لقوات الجيش العربي السوري بأسلحة مضادة للدبابات والطيارات, والتفاخربقتل ستة طيارين عسكريين سوريين وعمليات قتل واغتيال للعسكريين والمدنيين,وارتكاب مجازر يستدرون بها عطف سياسيي أوروبا منبع سياسيي الشوفينية ومولد عباقرة النازية العنصرية والهدامة و ويذكرون أميركا باللجوء إلى مجلس الأمن لحماية الشعب السوري من جيشه !!!. وتنادى الحقد في صدورالبعض والإحباط الذي أعمى بصائرهم, فدفعهم إلى المطالبة بضرورة أن تعمد القوى الامبريالية إلى التصرف دون العودة إلى مجلس الأمن ,كما فعلت أميركافي العراق حيث ما زلنا نتذكر مأساة العراق الشاخصة أمامنا, ومأساة أفغانستان المربكة لقوى الشر والعدوان, المصوغتين بالشعارات الأميركية – الأوروبية والمدعومتين من حلفائهما من دول معظمها عاجزة عن حماية نفسها بنفسها ولكنها تسل سيوفا دون مقابض فلا تقوى على حملها ولا على فعل شيئ وتستنجد بحماتها من الطامعين بثرواتها كلما شعرت بالتهديد.
يبدو أنه من أبرز صفات أعمى البصيرة ما يلي :-
- يـرى بعـيـنين ولا يـميـز؛
- يسمع بأذنـيـن ولا يـفهم ؛
- يلمس بيدين ولا يـتيقـن ؛
- يسيرعلى قدمين ولا يصل .
من جانب آخر,فإن صناعة المستقبل لمصيرأمة ما ,أو شعب ما , أوفصيل ما , تمثل جوهر ثقافة كلا منهم , وبصيرة رؤية مفكريهم ومثقفيهم ,وهي مهمة مرتبطة بعقول صناعها , وإنجازات أبنائها, وواجبة على أعضائها , مستهدفة مصالحهم في الحفاظ على استقلالهم واستقلالية قرارهم .
لايصنع الآخرون مستقبل أمة أو شعب أو فئة , بل هذه مهمة منوطة بأبنائها فقط ,ولا تستقيم الاستعانة بأعداء أمة ما أو الطامعين في ثرواتها وخيراتها في صنع هذا المستقبل ,لأنهم بطبيعة تكوينهم السياسي معادون لهذا المستقبل وجادون في الوقوف بوجه كل محاولات صنعه أو إصلاحه , أو التفكير بمثل تلك الجهود.
ومن الجديربنا أن نستذكردوما,كلما نظرنا في وأقع أمتنا العربية المعقد والغامض والمحزن, وفيما تتعرض له من أحداث متصلة ومفاجئة مركبة ومعقدة مقصودة ومتعمدة تجعل منا ضحايا أخطاءنا,وتستنفذ فينا قوانا البناءة , وتحبط ثقة بعضنا فينا من الجدير بنا, ونحن أبناء حضارة ولسنا دخلاء على ثقافة الحقوق الإنسانية وقيمها أن لا ننسى أو نتناسى ولو للحظة,إن أقسى سلاح في يد أعدائنا والطامعين بنا,هوخلخلة أسس التكوين التعددي وإضعاف أعمدته وإعاقة جهود ترسيخ قيمها الخلاقة في مجتمعاتنا , وتحويل الحالة التعددية إلى حالة صراع تنازعي وليس صراعا تنافسيا, وشقاق وتفتت وانشقاق يجعل منا أمة تضعف ذاتها بذاتها بدعم من أعدائها للبعض من مكوناتها تحت شعارات براقة ولكنها خادعة ومكشوفة وهذا ما يحير العقل من تصديق البعض لها والانسياق في ظلماتها .
ولا بأس من التذكير,بأن العودة إلى التاريخ مهمة سهلة وضرورية وتوعوية , ولكن العودة بالتاريخ لإسقاطه على واقع الحاضر,حمل ثقيل منهك وعبء على حامليه.