استوقفتني يوم امس الثلاثاء مقالة الاستاذ الزميل ناهض حتر في صحيفة العرب اليوم الغراء ،هذا الزميل الذي احترم واقدر ولكن ما اثار استغرابي مثل الكثير من ابناء الاردن العنوان الذي تضمن ويتضمن تحديا ليس فقط للمشاعر وانما لارادة الغالبية العظمى من العرب الشرفاء وفي مقدمتهم ذوي الشهداء والجرحى والمفقودين والمشردين والمعتقلين في سجون الاسد والذين مر على بعضهم عقود طويلة تمتد ربما الى بدايات عهد الاسد الاب ونسيهم او تناسهم الاسد الابن.
بالرغم من معرفتي لحقيقة الزميل وانتمائه السياسي الماركسي العريق مذ كنت طالبا في الاتحاد السوفياتي وشغفي بالنموذج الاشتراكي وحبي له والعلاقة التاريخية التي ربطتني بالدولة السوفياتية والتي تمتد جذورها الى مطلع الستينات من القرن الماضي عندما غادرنا الاخ الاكبر للدراسة في موسكو اقف اليوم امام هذه المقالة مشدوها مستغربا كيف لزميل اممي التفكير ماركسي الانتماء الايديولوجي والتربية عربي الانتماء قبل كل ذلك يقف الى جانب ان لم نقل على راس الحراك الشعبي في الاردن ،داعما اللجنة العليا للمتقاعدين العسكريين في توجهاتها ومطالبها وعلى رأس حركة ما يسمى جايين في اربد وغيرها ،داعما للتوجهات الاصلاحية ومحاربة الفساد ومؤسسات الفساد والمفسدين يشهر ويسخر قلمه وبنات افكاره دفاعا عن نظام اسرة مستبدة متسلطة ديكتاتورية التوجه اقليمية البناء تقوم على الفكر القومي الضيق وهو ما رفضته وترفضه الايديولوجية الماركسية التي اذابت الثورة الاشتراكية في روسيا فوارقها القومية لتنطلق نحو الاممية بمفهومها الانساني العالمي.
فهل تحول الزميل الى الفكر القومي ونحن اليوم نشهد تراجعا لهذا الفكر في عالمنا العربي امام الفكر العقائدي الديني الآخذ بالزحف نحو الواجهة السياسية؟ام انه انقلاب من الزميل على المبادىء والمعتقدات؟ام انه مسايرة المصالح الشخصية والتكييف والتنميط مع الحال السائد خاصة وان السوفييت انتهوا والنظام الاشتراكي الذي كان يغذي ويدعم ما سمي بحركات التحرر(الانقلابات) على الانظمة الرجعية حسب الاعتقاد الشيوعي وقتئذ قد ولى بلا رجعة؟.
الغريب في مقالة الزميل والذي آمل ان يتسع صدره لسماع رايي المتواضع فيها انه يسوق لنا وصفا غريبا عجيبا عن ثورة شعبية بكل المفاهيم التي تعلمها الزميل في المدارس الحزبية ودور السياسة الاشتراكية يقودها شعب رفض الرضوخ والتبعية والخاوات التي فرضها ويفرضها نظام دكتاتوري مستبد نكل وينكل بهذا الشعب الذي خرج اليوم مطالبا بكرامته وحريته ،هذا الوصف حسب الزميل ان ما يدور هو حرب على الارهاب وضد عصابات مسلحة تعمل بدعم خليجي واجندة دولية خارجية لتقويض الدولة السورية قلعة الصمود والممانعة المزعومة وكأنما هذه الدماء التي تنزف يوميا في مدن وبلدات سوريا على طولها وعرضها ما هي الا خراف تذبح قربانا للغرب ومشايخ الخليج حسب توصيف الزميل .
معذرة ايها الزميل ساورد بعضا من مضامين مقالتك والتي لا تختلف عن باقي ما كتبت على المدى البعيد القريب في امتداح النظام السوري النازي منذ ان منحك هذا النظام مثل اخرين بيننا فرص الظهور الاعلامي على شاشات تلفزيونة كما هي قناة روسيا اليوم التي وهبتك الفرصة لامتداح نظام بشار وزبانيته في محاولة لتجميل صورته القبيحة على المستويين الداخلي والخارجي وهذا ما جعلك وللاسف الشديد تضمن مقالتك الاسد باق...مرتكزات ودعائم مستمدة من تصريحات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف والذي اصبح ظهوره وتصريحاته حول سوريا اكثر بكثير من ظهور وليد المعلم وفاروق الشرع واي مسؤول سوري اخر(الا يعني لك ذلك شيئا)؟وفي مقدمتها بان روسيا لن تسمح باي تسوية سياسية خارج رئاسة الاسد وان روسيا وايران لن تقف موقف المتفرج اذا حصل عدوان على سوريا وان روسيا تشغل راداراتها وانظمتها وامكاناتها للحفاظ على النظام السوري واشياء اخرى تدفع بي للتساءول حول هل يقبل الروس ان توجه لهم مثل هذه الاتهامات بدعمهم للنظام وتزويده بالسلاح والعتاد ؟ومن اكد لك في القيادة الروسية ان روسيا لن تقف متفرجة وانها مستعدة للمواجهة في سبيل الاسد؟اترك ذلك للرفاق الروس او السوفيات لانه كما يبدو اختلطت عليك الامور ولا زلت تفكر بان روسيا هي الاتحاد السوفياتي وترى في الاسد ونظامه حركة تحرر عالمي على غرار كوبا وتشيلي سابقا وغيرها من دول الفلك التحرري.
ولكن اسأل واستهجن ايها الزميل ما اوردته من قول بانه لم يعد هناك حراك شعبي ديمقراطي في سورية وانما تمرد مسلح مدعوم اجنبيا بهدف تقويض الدولة السورية لاسأل هل نسيت ام تناسيت الدعم السوفياتي الذي كنت انت بالاكيد مؤيدا له لما اسموه الثورة الافغانية وبابراك كرمال في سبعينيات القرن الماضي والمليارات التي هدرها الرفاق السوفيات في حرب ضد ما اسموه الدوشمان ومن اجل بناء النظام الاشتراكي في دولة غلب عليها طابع الجهل والامية واودت تلك الحرب الى نهاية لا زال الرفاق يعيشون ويتذوقون مرارتها ؟.
وكيف تسمي ثورة السوريين بانها تمرد وهي من الشرعية تضاهي ثورة الرفيق فيدل كاسترو وتشي غيفارا كونها تطالب بالتحرر من العبودية والظلم ام ان هناك فوارق في المصالح يا زميل وما تعده ثورة في كوبا هو تمرد في سوريا؟وتحاول ايها الزميل عبثا التذكير بنموذج سيء الذكر بالرغم من انه مكون من التاريخ الاردني عندما تشير الى ايلول عام 1970 لاطمئنك ان الفرق وانت مدرك لذلك بانه مختلف جدا كالسماء والارض من حيث الوقت والاهداف والسيادة وما كان النظام الاردني حينها الا داعما ومحتضنا للثورة الفلسطينية وعناصرها ويمدها بالمال والعتاد والدعم الكامل لمحاربة اسرائيل حتى انحرف بعض عناصرها عن هدف محاربة اسرائيل وتوجيه السلاح للداخل ليصار الى تسوية الامر ومن خلال تدخل الدول العربية وعبد الناصر رحمه الله وانهاء الحالة العارضة التي لم تؤثر على اللحمة الوطنية التي زادت رسوخا وعملت القيادة الاردنية وتعمل اليوم جاهدة لدعم الاشقاء في فلسطين وفي مختلف المحافل الدولية حتى يتحقق الحلم باقامة دولتهم المستقلة فليس هنا اي وجه للمقارنة يا زميل ولا حاجة للتذكير بالاسوأ لان تاريخنا الاردني يزخر بالخير والنور افلا ترى الورقة البيضاء الكبيرة او الحائط الابيض العريض وترى نقطة الحبر الاسود فقط داخلها؟.
اوردت ايها الزميل "اصبح من الواجب على الجيش العربي السوري القضاء على العصابات المسلحة والبؤر الارهابية بالقوة"، لاسألك واحلفك بالله يا زميل:هل هناك ارهابا في المنطقة وعلى مستوى الدول اشد واكبر من الارهاب الذي مارسته وتمارسه اسرائيل ضد العرب الفلسطينيين والسوريين باحتلالها الجولان ؟فلماذا لم يتحرك هذا الجيش الذي نقدر ونحترم ونثمن دوره العربي لمواجهة هذا الارهاب والاحتلال منذ 1967؟واكتفى قائده الاسد الاب بعد حرب ال1973 باعلان النصر المزعوم والذي قال عنه بان اسرائيل في حربها كانت تهدف الى تقويض الانظمة العربية ولكنها لم تستطع وها نحن باقون في الحكم،هذا هو النصر الذي حققه هذا الجيش العربي في معركته مع العدو؟وهل انحصرت مهمته حينها في المحافظة على راس النظام؟.
اليس من العار ان يسخر جيش كما تقول مجهز ومدعوم روسيا وايرانيا لخدمة النظام فقط والمحافظة على بقاءه؟ الا ترى يا زميل الانشقاقات التي يشهدها هذا الجيش يوميا؟هل تعلم ان بشار لو سمح لهذا الجيش العربي بحرية الحركة لانقلب عليه وسحله في شوارع دمشق منذ زمن بعيد؟انت والكل يعرف اي جيش يسخر ويستخدم بشار في قمع الشعب السوري فالجيش العربي السوري الذي تتحدث عنه ونفتخر به لم ولن يشارك في قتل الاطفال والنساء او تعذيب الشيوخ والشباب او هدم المساجد.
وتقول ايضا ان الجيش السوري لا يرتكب مجازر بحق المدنيين وانما يقوم بالاشتباك مع متمردين مسلحين واسألك هنا ماذا تسمي مجازر الحولة وبابا عمرو والتريمسة وسجن دير الزور والقتل في درعا وريف دمشق واللاذقية وحلب وكل سوريا؟هل هي نزهة لشبيحة الاسد؟.
واخيرا يا زميل اقول بامانة وتجرد بان هذا النظام الذي تدافع عنه زائل لا محالة وادعوك للبقاء مع الصف الوطني كما تحاول ان تظهر على الصعيد الداخلي في مواقفك من الحراك والاصلاح واقبل للاخرين ما تطلبه لنفسك وشعبك الاردني لان للسوريين الحق ايضا في العيش الكريم والانحياز دائما للحق والعدالة وان تغلب مصالح الشعب السوري الذي يسطر تاريخه الحديث على جميع المصالح الاخرى لان الشعوب هي الباقية ام الانظمة الديكتاتورية فهي زائلة لا محالة وهذه حتمية التاريخ التي جاءت في المادية التاريخية يا رفيق فالاسد لن يبق وان كان باق فعلى وتد كسابقه العقيد الليبي معمر وان غدا لناظره قريب وها نحن وانت معنا نشهد في هذا اليوم المبارك الذي سيظهر فيه هلال شهر رمضان المبارك الحدث الاهم والابرز في الثورة السورية التي حصدت رؤوسا اينعت منذ زمان وجاء قطافها اليوم كمقدمة لانتصارات جديدة وترويع لاسرة بشار نفسها والتي اصبحت في حالة هستيريا حقيقية بعد مقتل بعض رموزها من مصاصي الدماء ،فلا تغرنك الفضائية السورية ولا الاخبار اللبنانية ولا حتى روسيا اليوم لان فضاءات الوطن اغلى واوسع وهلم الى التاريخ لا البقاء خارجه لان الوطن يحتاج الجميع.