الالتفاف الغربي على الثورات العربية

mainThumb

28-07-2012 09:45 PM

 حتى نجاح الثورة المصرية (نسبيا) كان الغرب كغيره في حالة الصدمة الأولى، وصراع الاستيعاب لما يحدث، وتسابق للعقل مع الأحداث التي وضعت منطقا جديدا للثورات الشعبية، لم يعهدها العالم ولم يتخيلها أكثر المنظرين ثورية.

         ثورتا تونس ومصر لم تكونا انتفاضة تطال النظام داخل حدودهما فقط، بل كانتا ثورة على النظام العالمي الرأسمالي بكل مكوناته وما أنظمتنا إلا صوره مبسّطه من الوكلاء لذلك النظام العابر للقارات، الذي صنعها وحماها منذ خروجه مهزوما يجر معه أحلام استعماره المفقود على يد المقاومة العربية الشعبية، حينها التفّ الغرب على المشروع التحرري العربي عن طريق زرع أنظمة تدين بالتبعية لمستعمر الأمس،فكانت مخرجات حكمهم مزيدا من التجهيل، وإخراج العرب من خارطة العالم المتقدم،وزجّه في أتون التخلف والفرقة والنزاع.
         نعم جاءت الثورات العربية لقلع أركان المستعمر، وبالتالي مشروعا وطنيا تحرريا من التبعية والانقياد ومن سطوة رأس المال الغربي الذي حولنا عبيدا مستهلكين لمنتجاتهم،وزاد من فقرنا وغناهم .
        الثورات العربية أذهلت الغرب، وأحدثت هزّة أفقدتهم السيطرة على مجريات الأمور (لفترة طويلة نسبيا) لأوّل مرّة في تاريخهم،لأنها الثورة العابرة للقارات،التي هددت أركانهم في بلادنا أولا،وهددت أنظمتهم الداخلية القائمة على سطوة المال والحرية المزيفة ثانيا.
         إذا عدنا بذاكرتنا قليلا إلى الوراء نجد أن الثورات العربية عبرت الحدود بالفعل، وبدأت بوادرها في الغرب، من ميدان الشمس في مدريد إلى ميادين اليونان وبلجيكا وفرنسا ،وميدان (سينتاجما) بوسط أثينا، وفي أمريكا، في شارع ( وول ستريت) في نيويورك بهدف احتلاله لأنه يُعد مركزا لرأس المال العالمي، ورمزا للنشاط المالي والاقتصادي العالمي. وحتى داخل الكيان الصهيوني كان هناك حراكا للانقلاب على النظام الصهيوني بكل مكوناته.
         ولأنّ خير وسيلة للدفاع، الهجوم، كان لا بدّ من الالتفاف على الثورات العربية، من خلال الاتصال ودعم جهات معينة، بعيدة عن معاني الثورة الحقيقية، وتحويل الأمر في أوله إلى مجرد صراع على السلطة، ثم طوّروه ليصبح صراعا طائفيا قميئا، وهذا ما طبقه الغرب (وبعد استعادة توازنه) في ليبيا وسوريا.
        من هنا كنّا نرى في مصر، محاولة من شباب الثورة على استمرارها، ومحاولة قوى الشدّ العكسي مدعومة بمال النفط للإطاحة بأخلاقيات الثورة وبرنامجها العابر للقارات،لأنّ البنية الأخلاقية للثورة، وقيم التحرر هي التي تبني المجتمعات،وهذا ما حصل مع اليابانيين مثلا (مع فارق المعركة) بعد الحرب.
 
 
       لقد أراد الغرب لهذه الثورات أن تتحول إلى حالة دموية مرعبة، لتكون درسا مشوّها لشعوبهم، فهم يعلمون أنّ هذه الثورات لم تكن انقلابا على صور القادة التابعين لهم فقط، وإنما على النظام العالمي الرأسمالي، وشركاته العابرة، التي ترتشف دماء شعوبنا بسلاحها وسلعها.
 
      الغرب ينقل الآن صورة ما آلت إليه الثورات، بأخلاقياتها المشبوهة في محاولة منهم تقديم صورة مشوّهة تراها شعوبهم مليئة بالدماء، هم من شوّهها،واستطاعوا التأثير في مجرياتها ونتائجها،ليكون بذلك التفافا على الثورات العربية وأخلاقياتها.
 
raidazzam@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد