كيف نربي أولادنا على حب الوطن ؟ إن تربية الأبناء تحتاج إلى الجهد الكبير ، والعمل المتواصل ، والدراسة والتدريب ، هذا لمن يريد لأولاده أن يكونوا نافعين لدينهم ولوطنهم .
وإن تربية الأبناء على حب الوطن من المعاني المهمة التي يجب أن يعتني بها الآباء والمربون ؛ لأنه يولّد عند الأبناء الولاء والانتماء والعمل المتواصل لنهضة ورفعة وطنهم ، كما أنه يعلمهم أن هناك هدفاً أكبر يعيشون من أجله في هذه الحياة ، يتعدى هذا الهدف المصلحة الشخصية إلى المصلحة العامة الجماعية .
وهناك العديد من الوسائل التي قد يتخذها الآباء والمربون لتربية أبناءهم على حب الوطن وتعميق المواطنة ومنها :
1- القدوة العملية من الآباء والمربين
عندما يرى الأبناء دائماً والديهم يتابعون الأحداث والقضايا المهمة المتعلقة بالوطن ، وعندما يجدونهم مشاركين بفاعلية في هذه الأحداث فإن ذلك هو خير وسيلة لتربية الأبناء على حب وطنهم والانشغال بقضاياه .
- الأب والأم دائماً متابعان للأخبار بشغف .
- يتأثران بما يحدث من أحداث سواء بالفرح والسرور أو بالحزن والهم .
- يألمان لإخوانهم إذا أهمهم هم أو ألمت بهم مشكلة .
- كذلك يفرحان لإخوانهم في الوطن إذا رأوهم في خير وسكينة واطمئنان .
كل هذه المشاعر الصادقة تنتقل من الوالدين إلى الأبناء بتلقائية ، لأن الوالدين هما القدوة للأبناء .
2- حب الأوطان من الإيمان
وذلك عن طريق أن يقص الآباء والأمهات القصص التي تنمي روح الوطنية وحب الوطن في نفوس الأبناء ، والتي تربط حب الأوطان بالإيمان .
فها هو النبي – صلى الله عليه وسلم – يضرب أفضل الأمثلة في حبه لوطنه عندما خرج من مكانه وبلده الذي ولد فيه مكة ، فكان يخاطبها وعيناه تسكبان الدموع والله يا مكة لأنت أحب البلاد إلى الله ، وأحب البلاد إلى قلبي ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت .
وكذلك سعيه – صلى الله عليه وسلم – في نهضة بلدته وأمته بنشر قيم الخير والعدل ، ومحاربة قيم الظلم والشر ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- جلس في مكة ثلاث عشرة سنه لم يكل ولم يمل ، ولكنه ثابر وصابر من أجل هداية قومه وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، ويظهر ذلك جلياً من خلال صعوده – صلى الله عليه وسلم – على جبل الصفا ونداءه على قومه وإبلاغهم لرسالته .
يستعين الآباء والمربون بهذه القصص لتربية أولادهم على حب الوطن وأنه من أساسيات الإيمان .
3- تدريب الأطفال على إظهار حبهم لوطنهم
وذلك عن طريق :
- اصطحاب الأطفال في الأماكن التي تبرز فيها الروح الوطنية كالوقفات والمظاهرات والندوات والمؤتمرات مما يعمق حب الوطن لدى الطفل منذ الصغر .
- شراء الأعلام والرايات والتي تبرز معنى الوطنية وحب الوطن .
- حفظ الأناشيد الوطنية مما لها أكبر الأثر في تنمية الحس الوطني .
- الاستعانة بالرسومات على الوجه في المناسبات الوطنية والتي تعبر عن حب الوطن .
- تشجيعهم على إبراز حبهم لوطنهم بالتعبير عن ذلك الحب بالكلام والكتابة والشعر والمناقشات بينهم وبين الوالدين .
4- تبسيط المعاني والمفاهيم المجردة بالمفاهيم المحسوسة
فقد تكون هناك ألفاظ لا يستطيع الطفل استيعابها ، فيستعان بذلك بتقريب المعنى بما يناسب طبيعة ومرحلة الطفل .
وعلى سبيل المثال إننا لن نستطيع أن نفهم الطفل معنى الثورات وأهميتها بالنسبة للأمة ، ولكن يكفينا في ذلك الاستعانة بالقصص التي يحبها الطفل والتي توصل لهم المعنى بطريقةٍ مناسبة لسنهم .
5- تدريب الأبناء على المواطنة
وذلك عن طريق تدريبهم على التعامل الحسن مع إخوانهم في الوطن ممن يحملون ديناً آخر غير دينهم ، فنعلمهم كما أمرنا ديننا الحنيف بأن نحسن إليهم ونبرهم ، فهم شركاء معنا في هذا الوطن ، وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا .
6- العقيدة والدين
وينشأ ناشئ الشباب منا على ما كان عوَّده أبوه ، فالأمم لا يمكن أن تُقاد إلا بعقيدة ودين، ولهذا كان المنطلق الديني هو الأساس في قضية التنمية وحب الوطن، ففي فترة من الفترات كان حب الوطن مناقضًا للدين، وقضية أن حب الوطن لا بد أن يرتقي إلى القيمة العليا وهو حب الأمة الإسلامية بجميع أوطانها ، الأمة التي كانت تمثلها في فترة من الفترات الخلافة الإسلامية ثم جاء عصر تقسيم الدول الإسلامية، فأصبح في فترة من فترات التاريخ الانتماء إلى وطن أو جزء معين يعتبر مناقضا للفكر الإسلامي، ولهذا كان الشاب لا يشعر بالانتماء إلى تراب أو إلى مكان، وإنما انتماؤه فقط للأمة، وهذا التصور التاريخي أو الديني الذي انتشر في فترة من الفترات عند الشباب جعل الكثير من الشباب يشعر أن حب الوطن ليس له أي قيمة وليس له أي أثر، وهذا خلاف الفكر الإسلامي الصحيح الذي نحن نريد من خلال هذه المقترحات ، أن نؤسسه في نفوس أبنائنا، ومن الحكم المشهورة وبعضهم ينسبها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي ليست بحديث منسوب إلى النبي ولم يقلها عليه الصلاة والسلام، لكن المعنى صحيح وقوي «حب الوطن من الإيمان»، فالفطرة السليمة والنفوس جبلت على حب المكان الذي نشأت فيه، ولهذا يجب أن ننشئ الجيل من صغره على أن حب الوطن من الإيمان، وعبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لما خرج من مكة المكرمة مهاجرا إلى المدينة المنورة وقف (مكان مرتفع) ونظر إلى مكة مدينته التي نشأ وترعرع فيها، قال: «والله إنك لأحب، بلاد الله إلى الله، وأحب، بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت»، والصحابة كذلك لما خرجوا مع رسول الله إلى «المدينة»، كان فيها بعض الأوبئة، فمرض الصحابة رضوان الله عليهم وما استساغوها، فدعا الرسول ربه في تلك اللحظات «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة»، وتتحدث بعض الروايات أن رجلاً من الصحابة اسمه (أصيل) جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى «المدينة»، ولما تفتح مكة بعد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: حدثنا يا أصيل عن مكة، فأخذ يتحدث عن هوائها ونسيمها وأماكنها ومن فيها حتى بكى النبي، وقال: يكفيك يا أصيل: «دع القلوب تقر»، فليس هناك من تعارض بين حب الوطن، وبين حب الأمة الإسلامية، لكن كما يقال في الأمثال: الأقربون أولى بالمعروف، فالوطن الذي نشأ فيه الإنسان هو أولى القضايا التي يجب أن يدافع عنها، إذا كانت الأمور بهذا التوصيف الرائع، فكيف نعزز حب الوطن في النفس؟
هذا سؤال كبير وعريض، لكن نستطيع أن ننمي هذا الشعور من خلال العناصر عبر دور الأسرة والمجتمع والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام، وأن منهج (التربية الوطنية) فشل لبعده عن الواقع والتطبيق وواقع شبابنا خير دليل، وأخاف كذلك أن (التاريخ الوطني) سيفشل، إذا لم يكن هناك تفعيل تطبيقي، فبعض الأمم يأخذون الابن من الروضة على الشوارع، ليعلموه كيف يحافظ على نظافة هذه الشوارع، كما يأخذون الأبناء للمستشفيات، وإلى شرطة السير لتربيتهم على حب الوطن والحفاظ على المرتكزات، وإذا وصلنا إلى هذا الجانب التطبيقي لن يخرج الشباب في اليوم الوطني في تظاهرات تسبب إزعاجا للآخرين، ولهذا ينبغي أن نوفر لهم أماكن يحتفلون فيها باليوم الوطني. السؤال لمجلس الأمة : هل حدث وأن تابع أو ناقش أعضاء مجلس الأمة (النواب والأعيان) البرامج والخطط التي تقدمها الدولة للشباب في التنمية بصفة عامة وهل كان يوماً من منظورهم الاهتمام بهذه الفئة من غير شعارات؟
هناك قضية كانت وما زالت مشوشة في أذهان الناس، وهي أن ليس لنا نشيد وطني، لأنه كان في ظن المتنفذين بدعة، وندعو جلالة الملك أن يأخذ على عاتقه المسؤولية بأن يأمر الحكومة أنه يجب أن يكون لنا نشيد وطني، ويجب التفكير به حتى يكون لنا يوماً وطنياً كبقية دول العالم ، وأعتقد أن حب الوطن امتداد لحب الدين الإسلامي، وانتماؤك للأرض التي أنت عليها هو انتماء لأرض الأمة الإسلامية، وبالتالي ظهور منهج (التربية الوطنية) الذي يدرسه الطلبة برغبة لا عنوة؛ لأن (الحب) لا بد أن يكون بالتطبيق، وبشعور داخلي وانتماء، والنقد الموجه الآن لمناهجنا أن هذه المناهج لا تراعي الأهداف السلوكية التي أوجدت من أجلها، كما أن عندنا أمرًا مفقودًا وهو دور الأسرة، فالمدرسة تعلم المعارف والأهداف والسلوك ، لكنها لم تطبقها، لكل مرحلة من مراحل التعليم العام أهداف تعليمية، وللمناهج أهداف سلوكية وأدعو وزارة التربية والتعليم إلى إعادة مراجعة أهداف المراحل التعليمية والمناهج الدالة على وجودنا.
7- خطط التنمية والشباب
هناك ملامح لخطط التنمية في السياسات العليا رسمت من أجل الشباب، تركز على توفير فرص عمل لهم تنسجم مع ميولهم وقدراتهم وثقافتهم العلمية وزيادة إسهامهم في القوى العاملة ومكافحة البطالة في صفوفهم، وتقترح الخطة تنشئة جيل من الشباب يتمتع بصحة بدنية ونفسية جيدة، أما السياسات هي تمويل خدمات الإرشاد الأسري للشباب والآباء معًا، والتوسع في إنشاء مشاءات رياضية صغيرة متوسطة الحجم في الأحياء واستخدامها في المدارس في تنظيم الأنشطة الرياضية والشبابية لاستيعاب ساعات الفراغ وتوجيه الشباب في شيء مفيد بدلاً مما نراه من تسكع وتسعى السياسات إلى جعل المدرسة أكثر ارتباطًا بالمجتمع.
وتقترح الخطة أيضًا تشجيع نمط الحياة الصحي في التغذية والسلوك؛ لأن كثيرًا من الأمراض المنتشرة الآن في صفوف الشباب نتيجة عدم وجود سلوك غذائي صحيح ، وتقترح الخطة الحد من انتشار السلوكيات الضارة والخطرة ومعالجتها كالتدخين والمخدرات وتهور الشباب في قيادة السيارات ، وتقترح الخطة اعتماد المنهجيات والإجراءات اللازمة لتحقيق أعلى مستويات الدمج الاجتماعي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة كما تهدف إلى تشجيع العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية للشباب في جميع الحالات، وقد وجدنا في الفترة الأخيرة أن لشباب جدة دورًا في مواجهة السيول، فيما يؤدى شباب مكة دورًا متميزًا في أوقات المواسم كالحج، واعتقد أن تشجيع العمل التطوعي هو في ذاته يعطي بما يسمى بالتمكين، وإذا كانت الرياضة اليوم بشهادة الأطباء تساوي الصحة فإننا نهمل بذلك نصف المجتمع لعدم إعطائهم حقهم من الممارسة الصحيحة المنسجمة مع ميول المجتمع، وهذه ملامح من خطط التنمية التي نطالب المعنيين بتنفيذها، والأردن وقع على ما يسمى (المنشور العالمي لحقوق الإنسان) ، والذي كان له دور كبير رحمه الله في تعديل بعض مواده، واليوم هناك إعلان عالمي جديد والأردن ضمن المجموعة التي تعمل على هذا الإعلان بعنوان (الإعلان العالمي لواجبات الإنسان(.
8- قضية تاريخية
أتمنى ألا تأخذنا نظرية (أفلاطون) والدولة الفاضلة؛ لأنه دائمًا فاقد الشيء لا يعطيه، وأريد أن أقول للشاب: أنت لا زلت شابًا عاقلاً، ينبغي عليك أن تعطي لوطنك، وأن تدرك كيف كان وطنك في يوم من الأيام؟، لأن الحضارة اليوم جعلت الشاب ينتظر أن تحقق له كلَّ شيء وإلا أصبح متمردًا على كل شيء، ونحن في البلاد العربية نختلف ، لأنه في يوم من الأيام عندما فقدت الدولة الفلسطينية، فقد الناس الحياة الاجتماعية والأمن والتجارة وتاريخ العرب ليس غزوات وحروب فقط ، بل انضم إليهم الناس حينما فقدوا الأمن ولهذا فالنعمة التي نحن الآن فيها لا بد أن ننقلها لشبابنا ليكونوا رجال عطاء، نعم للدولة حقوق وعليها واجبات، لكن الواجبات تأتي على مراحل وعلى شبابنا أن يتفهم هذه الحقيقة لقد أصبح لدينا نوع من الانفصام في الشخصية ما بين الواجبات والمتطلبات، ومن هنا أتمنى أن نبرز الجوانب التاريخية والعقدية من خلال كافة المؤسسات المجتمعية بما فيها وزارة الثقافة والإعلام ووزارة التربية ودور العبادة والجامعات.
9- الشباب فيهم الخير
ثقافة العمل لدينا مرتبطة بالعمل الوظيفي، وهذا (غلط ولغط)، يجب أن تكون ثقافة المواطن والشباب تحديدًا مبنية على علاقة الحب لله ثم الوطن وولي الأمر وهذه عوامل التربية الصحيحة، التي تقف في وجه أي تشويش لعقول الشباب، وبلادنا الآن تحظى بمنجزات حضارية كبيرة جدًا والطريق طويل والخطوات جبارة، ولو كرسنا في ذهنية الشباب ما تقدمه الحكومة لهم سنجد التفاعل من المواطنين وانتماءه للوطن، كما ينبغي الابتعاد عن بعض النظريات السلبية السابقة (الشباب ليس فيهم خير، لا عمل لهم سوى الإنترنت والتواصل الاجتماعي، واللبس المخل والشعر المخالف ، وغيرها من النظريات السلبية)، لكن انظر إلى الشباب الفاعل ، فعلينا أن نبتعد عن السلبيات النقدية القديمة، ونحاول أن نُفعِّل في الناس حب الوطن والانتماء للوطن.
هذه بعض الوسائل التي تحبب أبناءنا على محبة أوطانهم ، وتنمية هذه الروح منذ الصغر عندهم ، وتعلمهم الانتماء والولاء الحقيقي لوطنهم وحبذا لو جعلنا هذا الوطن يتعدى الحدود الجغرافية ويشمل كل بلاد الإسلام والتي ينطق فيها بكلمة التوحيد .