الـدول العصية على التقـدم

mainThumb

26-09-2012 08:56 PM

 إحراز تقدم في مجال ما يعني بداية للولوج في ميدانه حسب شروطه وتبعا لمعاييره بغية تحقيق المنافع والمكتسبات المرجوة منه,وقد تكون هذه المكتسبات مالية ,اقتصادية,علمية ,ثقافية,معنوية, عسكرية....أو غيرها ولكنها تقع في سياق استهداف التقدم وإحراز منجزات تكون بمثابة ركيزة من ركائز تتابع سبله وطرائق ديمومته.  

 
التقدم في أبسط معانيه وأكثرها وضوحا خطوة خطوات إلى أمام على طريق المعاصرة ,أي التعايش   مع العصر وبه بأدواته ومحفزاته وأدبياته وأفكاره.وهو اي التقدم,في مدلولاته التقنية والفنية,محصلة منجزات وأفعال وأعمال مبرمجة ومترابطة بروابط مهنية وثيقة ومعارف دقيقة وعقليات واعية لتطويرالوسائل والأدوات والمعلومات والأفكار والمفاهيم والمنطلقات التنموية مقولبة بقوالب العصر  ومرنة في استجابتها شروط الحداثة ومتطلبات التحديث المتواصل في مجالاته المتعددة وضرورته لمجارات مستجدات التحديث .
 
تشترط الحداثة وطرائق التحديث المتجاوبة مع مستلزماتها التقنية والمهنية الانتفاع المباشر والمعد له  مسبقا في غالب الأحيان,من المبتكرات , والمخترعات , والاكتشافات , وأفكارالعقول الإبداعية وآرائها المحلية بالدرجة الأولى والأكثر أهمية في بناء مبادرة التقدم وتبنيها وفي تأسيس القواعد الأساسية لبنى العلوم وبحوثها ومعارفها وهندسة التقنيات وتطويعها, وتجذب معها تبادلات إقليمية ودولية على درجة كبيرة من التكافؤ والندية,في ظرف وفرت فيه البنية البنى المتكاملة والمترابطة هيكليا وبشريا     المتماهية مع شروط للتقدم ومحفزاته ومنجزاته.مع الأخذ في الحسبان إن احتساب الجدوى الفنية والمالية والاقتصادية والعلمية والتقنية والفنية وتقديرها بمهنية وجدارة ضرورية في كل خطوة أو مرحلة من   خطى التقدم ومراحله. 
 
المعنى الدينامي للتقدم ,لا ينحصر في معناه التقليدي الذي يشير فيه إلى اختزال معناه في مجريات التقدم  في المنجزات الاقتصادية ومعدلات النمو الاقتصادي,وهو بهذا المعنى ليس فكرا اقتصاديا وحسب,وإنما جوهرمعنى التقدم يؤكد على ما يتحقق من منجزات لا تنعكس بالضرورة على نتائجها في النموالاقتصادي فقط ,بل في توطينها لثقافة التقدم وقيمه على الصعد السياسية والعلمية والمعرفية ونمو متواز مع تطورالآداب وتعدد منابرالفكروتنويع منابع المعرفة التجديدية والمتجددة بالتواصل مع كافة أطرافها  الداخلية والدولية.
 
يرتكز تقدم المجتمع وتطوره ومواكبته للحداثة والعصرنة على عدة أسس مترابطة الوسائل متناسقة  الآليات والوسائل المستخدمة بمهنية وتفان وهذه : القاعدة العلمية والتعليمية؛القاعدة الثقافية والتراثية ؛القاعدة الاقتصادية؛القاعدة السياسية؛القاعدة الفكرية والتربوية. 
 
ولما كان كل عمل منجز يتأسس على : فكرة مبنية على قاعد العلم ومخرجات المعرفة تحتاج إلى جهد إنساني لتحويلها إلى منتج , والجهد هذا يحتاج إلى تمويل مالي,نقيس في النهاية الأثرالاقتصادي للعمل ولكن هذا الأثرلا يمثل محصلة العوامل التي شاركت بترتيب تصنيفي في إنجازه , وإنما كأثر بالتتابع  لكلفة ذلك العمل المادية,أي إن الأثر الاقتصادي قيمة, ولكن الفكر وقواعد العلم والمعرفة فعاليات تنتج  عنها منجزات مادية يمكن تقديركلفتها و قيمتها المالية والتنبؤ بأثرها الاقتصادي,وتولد أفكارا جديدة تديم نشاط هذه الفعالية ولا يمكن تقدير قيمتها المالية,وإن جاز تقدير كلفتها الأولية , كما إنه لا يمكن  التنبؤ بأثرها الاقتصادي. 
 
هناك منطلقات أساسية لتمكُن الدولة,أي دولة من التقدم,وهناك أيضا معيقات رئيسة تحرمها عن السير  على طريق التقدم .وما يعنينا في عجالة هذا المقال هو الإشارة إلى المعايير الأساسية التي تجعل من عملية التقدم ميسرة,وعكسها أو ضعفها يحول التقدم إلى عملية معقدة وعاجزة عن تحقيق أغراضها التقدمية  وهذه:
 
-استقلال القرار الاقتصادي الوطني والابتعاد عن الوقوع في براثن قروض البنك الدولي والمؤسسات الأجنبية ذات التاريخ الاستعماري,والممارسات الامبريالية لأنها تضيق الخناق على الاستقلال الاقتصادي,وتوجه الثروات الوطنية نحو خدمة الدين والتحكم في مسار الاستثمارات النهضوية.  الهيمنة والنفوذ الأجنبي تردع كل محاولات التقدم وتئدها في مهدها.
 
-الاستقلال السياسي ,يتحقق الاستقلال السياسي بتحريره من الضغوط وبغياب المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات السياسية والاقتصادية بشكل خاص غير المتكافئة والمقيدة لحرية اتخاذ القرار  السياسي المنسجم مع المصلحة الوطنية, مع دول تميزت بالغطرسة العسكرية والمصالح الاستراتيجية ذات تاريخ الاستئثارالاستعماري.
 
- نظام حكم ديمقراطي ,تعددي يضمن الحريات الفردية لجميع المواطنين بالمساواة التامة بغض النظر عن انتماء الفرد السياسي أو القومي أو العرقي أو الديني أو الطائفي أو الثقافي ,أي تأكيد المبادئ التعددية وصيانة مكوناتها والاستقواء بالقانون بعدالة تحارب التمييز بين الناس ولا تقبل تميز إحد على غيره من أقرانه على كل محاولات النيل من أي من الحريات الفردية تحت أي ظرف تمر به الدولة أو مراحل تجتازها فتتجرأ على المساس بها.واحتضان الفكر الإبداعي وتشجيع الفن بجيع أشكاله وألوانه ومجالاته. 
 
-تقدم موقع العلم والتقنية وتطبيقاتهما وتسيد آثارهما على ثقافة التعامل وعلى أسلوب أداء الأعمال والفعاليات ووسائل الإنتاج المختلفة .  و رفع مستوى موقع تصنيف المجتمع في سلم مجتمعات  المعرفة وتعدد مصادر المعلومات ومنظومات التربية والتعليم في كل مراحله والاستجابة لنتائج البحوث العلمية والاجتماعية والدراسات التنموية والاقتصادية.
 
-احتضان الفكر الإبداعي , وتشجيع الفنون بجميع أشكالها ,وتكريم الأدباء والكتاب والشعراء  والمفكرين والمطربين والموسيقيين والملحنين وإشهارأعملاهم وفنونهم والرياضيين وبطولاتهم, فهؤلاء هم ,وكل منهم من يصنع السمعة الدولية الطيبة للوطن وتحسُن صورة ثقافته أمام ثقافات    العالم  حيث تعجز السياسة والاقتصاد وأهلهما عن فعل أقله !!.
 
لم يعد أمام الدول العربية من مجال واسع للحاق بركب التقدم.فمنها من يملك المال الوفير ولا يملك حكمة استثماره فيما يوطن عناصر التقدم والترقي, وامتلاك أسباب القوة التي تحمي به استقلالها السياسي والأمني,ومنها من وجد مبررا للتمسك بالسلطة بارتباطه بقوى الدول الكبرى ورهن قراره الاقتصادي لقروض البنك الدولي,وقراره السياسي باتفاقيات التخلي عن الحق الفلسطيني.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد