الماء غذاء الحياة والرأي الآخرغذاء العقلية

mainThumb

30-09-2012 03:18 PM

الرأي والرأي الاخرمن الثنائيات المتآخيات في الثقافة وفي الحوارالثنائي والجماعي والجدل الذي يأخذ  مجراه حول مختلف الموضوعات التي نتناولها في حياتنا اليومية التقليدية وفي متاهاتنا السياسية ونظرياتنا الاقتصادية وشعاراتنا الوطنية وخطبنا السياسية, وفي الكتب والمجلات والدوريات والصحف ندوات الأدب ومحاورات الفكرولقاءات التعارف. 
 
وعندما أيقن الإنسان أهمية العلم وضرورة التعلم ولزومه للوصول إلى المعرفة التي أصبحت الوسيلة   الفعالة في ممارسة أعمالنا اليومية وفي صنع الحدث التقدمي والمنجز التطويري في مجتمعنا, أدرك في الوقت ذاته أن المعرفة تولد معرفة,أي انعدام وجود حدود معرفية يمكن للفرد أن يتسلق إليها ويدعي احتواءها واختتام مصادرها وموضوعاتها. وإن كل زيادة في المعرفة تكشف الحاجة إلى المزيد من التعرف على وقائع وحقائق ومعلومات أخرى جديدة تكتسب بعد البحث فيها والكشف عن معاني مفرداتها ومضامينها صفة المعرفة .
 
لم يعد من حقنا,في هذا العصرالحديث الذي اكتسب عن جدارة أحقية تسميته بـِ عصر المعلومات     والمعرفة بمجتمعاتها ومدنها وحدائقها التي أصبحت تتزين بها الأمم الحية في المعترك الحضاري  والمنافسة الوجودية كاملة السيادة مالكة التحرر من كل أنواع القيود والمعيقات التي ترسخ أسباب التخلف وتراثه, وليس هو من واجبنا أن نسترسل في البحث المفضي إلى تحديد أهمية المعرفة وضرورتها ,وننمق صياغة جملنا كي نشجع أبناءنا واحفادنا على التعلم سعيا لنهل المعارف من مختلف مصادرها,لأن المعرفة اليوم هي وسيلة وغاية, وهي بداية بلانهاية , وهي مادة إن افتقدها المرء فقد القدرة على صنع مستقبله وعلى كسب قوت يومه بكرامة وعلى حقه في المشاركة في الحياة العامة في مجتمعه.المعرفة منذ القديم وحتى اللحظة قيمة تقع في أهميتها فوق حدود الأهمية, و في ضرورتها فوق مستويات الضرورة وفوق الحاجة للإنسان,ولزومها يقع في مقدمة كل لازم من لوازم التعايش والمعايشة.فقد أصبحنا نبحث,بعد أن استمد وعينا بصيرته العلمية ,في نوعية المياه الصالحة لمختلف الاستعمالات,ولم يعد من قيمة أو أهمية علمية للحديث عن أهمية الماء وضرورته للحياة ,كل أنواع الحياة ,(وجعلنا من الماء كل شيئ حي).  وأصبح مثل هذا الموضوع خارج حلقات البحث أوالجدل والنقاش.وهكذا الحال بالنسبة للمعرفة وأهميتها وضرورتها,حيث لم تعد هناك حاجة فقهية أو فكرية أو فلسفية أو مبرر للبحث في أهميتها وفي ضرورتها, بل ينصب التفكير والبحث والجدل في مجالاتها وفي تخصصاتها وفي مصادرها وفي تجدد معانيها وتنوع ميادينها ومتابعة جديدها وتنوعاته.
 
الرأي الفردي أو الجماعي, مصدره معرفة تكونت في عقل صاحبها أصحابها (تجمعات ثقافية – سياسية - حزبية – مهنية ..) فحددت له موقفا من القضية المتعلقة بها. والعقلية هي المرجعية يُعبر بها صاحبها في سلوكه وفي تبنيه لأي قضية عما يعرفه ويؤمن به من معارف ومعلومات حول تلك القضية,ونسبها إلى المرجعية التي تولدت في استيعابه العقلي لمبادئها وأهدافها . والرأي الآخر أيضا مصدره معرفة تنوربها  عقل آخر قد تكون من نفس المصادروالخبرات التي شكلت العقلية التي يتبناها البعض من خلال استيعاب مختلف في إدراكه لمعانيها ومقاصدها , وقد تكون من مصادر وخبرات أخرى لم يتسن لطرف معاينتها   بعقل منفتح وحيادية واعية لقدرالإنسان ومصيره . فالاستيعاب قدرة إنسانية يختلف عمقه بين شخص وآخر وتتفاوت مديات أبعاده المستقبلية تبعا لعوامل عديدة شديدة الصلة بالذكاء من جانب,وبسعة الاطلاع من  جانب مقابل وبالتخصص العلمي والمعرفي من جانب ثالث, والتشوق والدافع لمزيد من المعرفة من جانب رابع, إضافة إلى صفات أخرى تختلف درجات تأثيرها على تكون عقلية الفرد وعلى ثقافته وعلى شخصيته في الاستجابة ورد الفعل على الرأي والحدث والموقف ...
 
وحتي نوضح ما  للرأي الآخرمن دور يفوق أي أدوارأخرى لجهود الفرد الخاصة به على الاطلاع على مصادر المعلومات المختلفة دون أن يقيد نفسه بمصادر تبحث في موضوع محدد,حيث تظل في مثل هذه الوضعية, فضيلة المعرفة المتصلة بموضوعها محدودة في بعض الأحيان ومبتورة في أحيان كثيرة,يجد المرء فيها, أي الرأي الآخر,حيوية وجوده وفاعلية دوره .ولنتخيل الألم الذي يعانيه شخص في حياته من تحسسه  للماء استقاء أو اغتسالا,وكيف تكون معاناة مثل هذا المصاب على مجرى حياته جراء هذا المرض اللئيم .معاناة جسدية وآلام نفسية وإحباط يرى في الموت راحة وخلاصا من كل عذاباته.
 
الرأي الآخرفي كثير من الأحيان,مصدرمعرفة نبيل ومصدر النبل في الرأي الاخر إنه يختزل كما كبيرا من المعلومات تعرف صاحبها على مقصدها بذكاء وتبصرقد لا يتوفر لدى كثيرين منا وحصلنا عليها عن طريق الحواروالاطلاع والبحث.وهو أيضا حيوي لأنه , في حالات كثيرة تعبيرعن خلاصة خبرة أمينة لمعترك تجارب صادقة ومخلصة في تقييمها للمعلومات الخاصة بها وفي الاتعاظ من تجاربها.ولعل اعتبار المعرفة حاصل جمع معلومات وخبرة,يختصر لنا العظة التي تقف وراء الاهتمام بالرأي الآخروالتفكر   في طروحاته بفيض من الوعي والإدراك.وما الحجْرعلى الرأي الآخرسوى محاولة اختفاء وراء جدار  وهمي مكشوفة كل عيوبه الإنشائية.وفي أفضل حالاته فإن الرأي الناضج حول قضية لا يمثل أكثر من  50% من المعرفة,تكتمل هذه النسبة بمعرفة الرأي الاخرحولها قراءة أو كتابة أو جدلا ونقاشا أو استماعا.
 
والرأي الآخرفي أقل منافعه تحصيلا, فيه معرفة بمواقف أخرى لا تتفق مع موقفنا ولكنها تنبهنا إلى  معرفة وجودها,فإذا كنا من الحكمة المتبصرة بدورنا بكفاءة نسعى سعيا حثيثا على تتبع مصادره والمعلومات التي تأسس الرأي على تركيب مفرداته للتعبيرعنه بوضوح.ولا ننسى إن معرفة الاخرليس مدخلا لاحترامه أو عدمه ولا مدعاة للتعبيرعن رأي مخالف لمجرد الجدل البيزنطي الذي يتحول فيه الحوار إلى هذيان فكري مضطرب ومنفر,وإنما لاحترام ذاتنا في تنمية قدرتنا على التعامل الواعي معه بما يخدم قضية وطنية أو إنسانية أو خيرية أو علمية و صحية ....وفي شرع الحكماء, فإن في الرأي الاخرفرصة كي نتعرف على أخطائنا ونستدرك الغلو في أقوالنا ونحافظ على الآداب في سلوكنا, ونتخذ الحيطة والحذر وفي مواقفنا للتعبيرعنها بدقة وموضوعية,وهم أي الحكماء والعاقلون والشخصيات الرزينة يقيسون,في أحد معاييرهم, مصداقية فكرهم وصلاحه لمجتمعه من الإصغاء للرأي الآخر بتجرد العالِم وذكاء المفكِرومقارنة معارفهم بم يُطرح عليهم من معارف وآراء.
 
مجتمع المعرفة هو المجتمع الذي تخلص بمعارفه من كم هائل من الأوهام,وقلص حدود الخيال الواهي في تقييم الذات وتفخيم الأنا المعبرة عن فردية مزمنة والمحفزة للسلوك المتعالي المنفروالمستعدي على التراث الفكري والقيم الثقافية, وقلص مساحة تحرك الطابورالخامس في بث الإشاعات المغرضة وإثارة الرعب والاضطراب في المجتمع.وكشف السترعن المعلومات الخاطئة التي من شأنها  تبرير مواقف الآخرين الخاطئة وسلوكهم الشاذ تجاهنا ويعود ذلك في أحد أسبابه إلى التزام نمط معرفي موحد المصادر والمنابع,ويحرض على عدم الاطلاع على ثقافة الآخرورأيه . وفي هذه المجتمعات,أي مجتمعات المعرفة, يتخلص التراث الحضاري من خطيئة محاكمة النوايا وما تسببه هذه الحاكمة الظالمة من تشنجات وتوتر, وافتعال المخاصمة مع الآخرين ومحاربة التحريف الذي يطال الوقائع المسببة والمفسرة أسبابها لتاريخ التراث وقيمه.
 
لا يمكن, ولا يجوز اعتبارالرأي الآخراتجاها معاكسا لِما نعلم أو متعاكسا مع ما نعرف,فهذا فهم تفرضه أهداف قبيحة ومبيته للتضليل وإثارة الخصومة وتشويه أهمية الرأي الآخر ودوره المعرفي والتوعوي, وزرع بذور العداء بين أطراف الرأي والرأي الآخر وربما خدمة أهداف سياسية صغيرة بكلفة ضررها كبير!.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد