قراءة في المشهد .. مسيرة 5/10 وما بعدها .. !!

قراءة في المشهد  ..  مسيرة 5/10 وما بعدها .. !!

09-10-2012 03:58 PM

حالة الانسداد من الاصلاح المقدم من النظام وضعت غالبية المعارضة الأردنية وخاصة الاسلاميين وشركائهم في الشارع أمام الحائط والذي لم يستطع الاسلاميين تجاوزه أو القفز عنه سواء ميدانياً من خلال حراكهم أو من خلال تصريحاتهم, بل على العكس نجدهم قد تراجعوا في حدة الخطاب حتى وصل إلى عرض الصيغ التوافقية مع النظام. الخطاب الرسمي في المقابل وخلال طيلة فترة الحراك الشعبي كان موجهاً إلى الغرب وليس إلى الداخل بأن الاجراءات الإصلاحية مستمرة وهي استحقاقات تقادمية تعتمد على تطور المجتمع سياسياً وكفيلة بنقل المواطن الأردني إلى التنعم بالديمقراطية الحقيقية في نهاية المطاف, حيث استطاع إقناع دوائر صنع القرار في الغرب بأن التدرج هو الأنسب لطبيعة الشعب الأردني التي نقلها صانع القرار, فالشعب غير قادر على حكم نفسه ولا يستطيع تمييز اليمين من اليسار, وما شهدته فترة ما قبل مسيرة 5/10 من تحشيد بين من كان مؤيداً للمسيرة وبين من كان يعارضها وحالة العصبية والتهديد التي سادت, لرسم صورة قاتمة ومرعبة وتأكيداً لألوان ما تم رسمه من صورة للشعب الأردني أمام الدوائر الغربية وما يحمله من تناقضات واختلافات ستقود حتماً إلى العنف والاقتتال وبالتالي المساهمة في عدم استقرار المنطقة وأمنها.
 
مسيرة 5/10 كانت ناجحة من حيث التنظيم والتحشيد والسيطرة على الجموع البشرية والمحافظة على الخطاب العام سواء في الهتاف أو الخطابة التي مورست, ولكن في المنظور السياسي لم تحقق أي شيء يُذكر سوى التأكيد على المطالب السياسية المتعارف عليها من رغبتهم في مشاركة النظام في الحكم وبالحدّ الأدنى الذي يسمح به النظام نفسه, فكانت رسالتهم واضحة باتجاهين: الأول- إلى النظام بتأكيدهم أنهم جزء من النظام والاستمرار في ذلك وبالنهج القائم إذا تحققت المشاركة, والثانية- إلى الحراك الشعبي بوجوب الرجوع عن أي فكرة خارج هذا العنوان, بل نراهم العكس إستطاعوا أن يمارسوا دور الضابط الميداني للحراكيين ومنعهم من محاولة القفز عن الحائط والتحول إلى بداية ثورة...في مسيرة 5/10 كان بامكان الاسلاميين أن يكونوا أكثر تأثيراً على النظام سواء من خلال الشعار أو الهتاف, ولكن دون اطلاق شعار الاسقاط , وذلك بالامتناع عن اطلاق شعار إصلاح النظام, أو بقيادة الجماهير في مسيرة ولو لمسافة قصيرة لأن حركة الجماهير رسالتها تكون أكثر وضوحاً بأنها رافضة, أما السكون والتحول إلى مهرجان خطابي يعني المطالبة ببعض التحسينات للمكاسب.
 
بعد المسيرة كانت تصريحاتهم ذات نسق هاديء جداً بل هبوط في الطرح السياسي والمنحاز لمصالحهم وحدهم, فقدموا حلاً يتوافق مع النظام بإعلان حالة الطوارىء للحصول على المكاسب السياسية التي يطمحون لها ويُحقق للنظام في الوقت نفسه الشراكة الاقليمية والدولية في لعب دور ميداني لانهاء الملف السوري والمتمثل بالتدخل العسكري, وهذا ما تؤكده التسريبات من سيناريو أو صفقة قد تمت منذ فترة وجاهزة للتنفيذ حيث بدأت بوادرها تلوح في الأفق من خلال القصف التركي للعمق السوري حيث تقود الأردن من الجنوب السوري العملية العسكرية برفقة جنود مصريين ومشاركة رمزية قطرية وسعودية.
 
الضابط الميداني في الشارع الأردني سيؤدي الدور على أكمل وجه من المشاركة في خلق حالة رأي عام متوافقة مع الدور الأردني القادم والثمن مكاسب سياسية تتمثل في حصة لا بأس بها في البرلمان وبعض الحقائب الوزارية.
 
مؤشرات النظام نحو هذا السيناريو قد حملتها أكثر من مرّة تصريحات الملك ومقابلاته من أن التغيير في سورية حتمي وللنظام كاملاً -وليس بتنحي بشار فقط- وهي مسألة وقت لا أكثر.
 
الحراك الشعبي على مدار 19 شهراً أثبت أن ليس من قوى سياسية سوى الاسلاميين فاعلة ميدانياً وقادرة على التحشيد مترافقاً مع عدم توحد الحراك خارج هذه القوى السياسية التقليدية وخاصة القوى الوطنية, وهذا ما أراح النظام والاسلاميين معاً وفتح لهم مجالاً واسعاً للعمل بعيداً عن المطالب الحقيقية للشارع الأردني وفي مقدمتها تغيير النهج الاقتصادي القائم وما نتج عنه من تراجع كبير في القدرة المعيشية للمواطن وتحمله لأعباء إضافية, وفي هذا الجانب(النهج الاقتصادي) لا يختلف الاسلاميون مع النظام ولنا مثال على ذلك في عرض الوساطة لدى القايدة المصرية لإعادة ضخ الغاز المصري لتخفيف العبء المالي على خزينة الدولة -ويشكرون عليه- ولكن الأولى بالاسلاميين كونهم يسعون إلى السلطة أن يتقدموا بحلول ناجعة تسهم بشكل حقيقي في تخفيف عبء فاتورة الطاقة بدلاً من الاستمرار في استيرادها والضغط على النظام في تبنيها أو لإلتفاف الناس حولهم, ولكن ما يؤسف له أن الاسلاميين لا يملكون هذه الرؤية أو البرنامج القابل للتطبيق حتى في منظور متوسط, ولذلك سيبقون في حالة دوران في كنف النظام والبحث عن المكتسبات السياسية.
 
الخاسر الأكبر فيما يسمى الربيع الأردني هو المواطن الذي دفع عبر سنين وعقود ثمن السياسات الخاطئة وتحمل أعباء بيع مقدرات الوطن والاستمرار في تهميشه بشكل حقيقي سواء في صناعة القرار أو في التنمية الحقيقية واستمرار اللعبة السياسية بين أطرافها مع بعض التحسينات هنا أو هناك لبعض الأطراف وخاصة الاسلاميين.
 
في الأردن من السهل جداً صناعة الرأي العام سواء من النظام أو الاسلاميين, وهذا ما سيقومون به معاً في المرحلة القادمة, مرحلة ما بعد قانون الطواريء إذا ما تم اقراره واستصدار قانون انتخاب مؤقت, بأن الحل سيكون من خلال البرلمان, وبالتالي فإن ملفات الفساد الكبرى سيتم التأكيد على إغلاقها وعدم فتحها مرة أخرى, والاستمرار في النهج الاقتصادي القائم بالاعتماد على المنح والمساعدات والاقتراض وتعليمات صندوق النقد الدولي وعدم التحول إلى الانتاجية, وبالتالي لن يكون هناك تنمية حقيقية للأطراف وغياب العدالة في توزيع الثروة الوطنية, وستبقى القوى الأخرى في حالة من التشرذم والانقسام وغياب فاعليتها على الساحة السياسية باستثناء بعض الأشخاص من القوى اليسارية والقومية كأفراد, فالحالة العامة هي الشيطنة الحقيقية ليس ضد الاسلاميين وانما ضد الفئات الشبابية المندفعة سواء المنطوية في التيارات السياسية التقليدية أو القوى الوطنية ذات الميول اليسارية خوفاً من تأطيرها وإخراجها من دائرة التأثير الحقيقي لأنها القادرة على إحداث التغيير في بنية الدولة لامتلاكها الارادة والرؤية والبرنامج فالتأطير يمنحها القيادة الذاتية الفاعلة وغير النفعية.
 
التغيير القادم في المشهد الأردني الذي لا يحمل فك التبعية مع الغرب وسياسات التجويع لتمرير مشروع التسوية في المنطقة على حساب شعوبها مقابل أمن وديمومة اسرائيل, مترافقاً مع معالجة الفساد بالمحاسبة, و وقف الخصخصة, واعادة المؤسسات الوطنية, واسترداد الأموال العامة, وتنمية المحافظات بعدالة, وقوننة فك الارتباط وإشكالية المواطنة, واستحداث تشريعات دستورية وقانونية مانعة للتجاوز وتحافظ على المكتسبات وقادرة على تحقيق العدالة والمحاسبة والمشاركة الشعبية في صناعة القرار, ستكون عملية تغيير شكلية ومحاصصة بين أطراف اللعبة وتبديل للأدوار .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد