على الرغم من مرور حوالي ثمانية عقود على قيام جماعة الإخوان المسلمين في مصرعندما كانت خلالها خاضعة للاحتلال البريطاني,إلا إن التجربة الأولية لتوليهم السلطة لأول مرة تفاقمت فيها تناقضات مفاهيمية ومواقف مرتبكة في فكرها وتلاطم تفسيرات لمواقف محرجة لأعضائها الذين يقعون في فخ الدفاع عن السياسة وعن ردود أفعال السياسيين في كل ما يتوالى من مواقف حكومية يومية حول أحداث محلية ودولية واللجؤ إلى أسلوب التبرير ضعيف المنطق والحجة ووعود تدالوتها أوساطهم وتهربت من مسؤولية عدم الوفاء بها.
حكم الإخوان في أكثر من مرة في أقطارعربية أخرى وهم يحكمون في قطاع غزة بعد انقلاب (ثوري) دموي وتجزئة السلطة الفلسطينية إلى حكومتين ,إلا إن مجريات ما يحدث في القطر المصري على مختلف الصعد يظل محط متابعة واهتمام لما يزخر به من مثقفين ومفكرين وتجارب غنية تستحق المتابعة .
من المحزن حقا أن نجد المجاملة الفكرية للقوى والتيارات السياسية التي تعمر بهم الساحة المصرية تطغى على أحاديث المتحدثين من الإخوان المسلمين والناطقين المعبرين عن حزب التنمية والعدالة الذي يدين للإخوان كوليد سياسي تابع لحركة المفروض إنها حركة دعوية دينية.ولأن المجاملة في غير مجالها الاجتماعي المرتبط بأدب المعاملة مع الضيف أو الضعيف او الغريب, فيها الكثير من المغالطة وتلجأإلى المراوغة في قول الحقيقة بصيغة مباشرة من المفترض أن ينحلى العقائديون بها ومجانبة الصواب في شرح الأسباب المؤدية إلى واقع لالحال, وإنكارما قيل على لسان القيادات الحزبية أو السياسية بالتعذر بعبارة( أذا قيل) للتشكيك والاتهام بالفهم الخاطئ لأقوال معانيها مباشرة لا يلتبس الفهم فيها.... والالتفاف على معاني المصطلحات المتداولة في أدبيات السياسة وأصول الحكم وفكرهما في مختلف أنحاء العالم وتحريفها وإدخالها في إشكالية المعنى والتوصيف على مراميها المفاهيمية والتطبيقية في الحكم وإدارة الشأن العام في المجتمع.
ليس كل الفشل أن يمتلك المرء الجرأة على الاعتراف بالفشل ويفسر أسبابه بموضوعية,مدعاة الفشل التام ومسبباته افتقاد الجرأة على الاعتراف بالفشل وتبريره بمزيد من الزيف وخداع النفس.تبريرالفشل في حد ذاته,ضعف رؤية وضيق أفق,إذا سلكه القادة دخلوا في مسارهبوط سحيق.
ونستمع إلى كثير من المفردات المتداولة في خطاب متحدثي الإخوان الحواري بغرض تطييب الخواطر و تليين المواقف المتسببة في النقد, بما لا يتفق بل ويتعارض مع النوايا ولا ينسجم ويتناقض مع البرامج التطبيقية والإجراءات العملية التي تلجأالسلطات التنفيذية المقبوض عليها من أعضاء الحركة وأنصارها إليها في تحقيق مبادئها.وقد وقعوا جميعهم في مختلف الحوارات التي تتجاذب حلقاتها قوى علمانية وليبرالية وقومية ووطنية وناصرية مع المنتمين إلى الجماعة فكرا وتنظيما,وقعوا في حبائل الاضطرار للدفاع عن السياسة الحكومية خاصة منهم أولئك الذين لا يشغلون مناصب حكومية بل مرتبطون بانتماءات تنظيمية مما أربك حججهم ,وأدخلهم في أتون التناقض المتوقع بين منطلقات الهوية السياسية وألاعيبها وظروفها الواقعية وبين منطلقات العقيدة الدينية وسموقيمها فيما يبدو وكأنه تعمد وتقصد التواطؤ على الحقائق ووتعد مباشرعلى المفاهيم الراسخة في ثقافة السياسة والاقتصاد وفنون الحكم وأصوله,وهومحذور كان من المتوقع أن لا تقع فيه حركة مسيسة للعقيدة الدينية جاوزعمرها ثمانية عقود من العمل والجهاد بالتنسيق مع الحكومات التي تعاقبت على حكم مصرمرة وبالعداء والمقاومة والمعارضة في مرة غيرها تبعا لما كانت ترى فيه مصلحةالجماعة الإقتصادية والتمويلية والتربوية والتنظيمية.
تكرارالحديث الحواري والتصريح السياسي والمقولات الفكرية من منطلقات عقائدية شمولية حول مدنية الدولة وديمقراطيتها يعيب فكر المدنية والديمقراطية ومفاهيمهما ومعانيهما المستخلصة عبر قرون من التطورالفكري والمفاهيمي والتغير والتعديل في الأشكال والأنماط والتحويرفي العلاقات بين السلطة وبين الشعب إلى أن استقرت الأوضاع المدنية والديمقراطية على أوصافها المعاصرة والمتحضرة التي لا تقترب من تسييس الدين ومن مزاوجة الشمولية بالديمقراطية ولا تتفق مع أي علاقة بينهما فيما يتعلق بإدارة الحكم ومفردات السلطة في أي مجال أتت عليه تلك السلطة,حكومية أو مدنية أومؤسساتية.
في العبارات التي تخرج عن سياق مفاهيم مصطلحاتها خروجا صارخا ما يكرره الفكر الإخواني حول إيمانهم بإقامة دولة بالصفات السياسية المؤدلجة بالقول :- مدنية ؛ ديمقراطية ؛ تطبق الشريعة الإسلامية.
لا يمكن تبرئة مثل هذه الصفات المتناقضة فيما بينها وبين الشريعة من نكهة انتهازية سياسية تفتقرإلى الفطنة السياسية لأنها تفترض السذاجة بالمتلقين.فهي تقصد مرضاة الحركات المدنية غيرالمسيسة للدين بمختلف انتماءاتها السياسية والدينية والطائفية,وتبتغي بسذاجة (الأميركيون يعرفون حقائق الوضع في غالبية الدول العربية ومنها مصرالتي تكتسب أهمية في التخطيط الأميركي لمستقبل المنطقة) أيضا تطمين الإدارة الأميركية وكسب رضاها العلني,إلى إن منهجها في الإدارة سيكون ديمقراطيا مدنيا.
من بدهيات أحد مفاهيم الدولة الدينية إنها الحكومة التي تطبق شرائع دينية ,أوالشكل الحكومي الذي يحتكم إلى مراجع سماوية,بغض النظر عما إذا كان من يطبقها رجال دين أو زعماء مذاهب دينية ومرجعياتهم أو مدنيون يدينون بها ويعملون على تطبيقاتها على قاعدة الحكم لله,وهذا هو منهج إخواني معلن,وتجاهل مثل هذه المعاني أوإنكارها لا يعفي صاحبها من التلفيق والمداهنة,حيث لا مبررللإخوان إخفاء نية الحكم بمقتضى الشريعة الإسلامية بالالتفاف على بدهيات مقاصد المصطلحات ولي معانيها ,وهذا من شأنه أن يؤثر على مصداقية الحركة وثقة الناس بمناهجها,فهي تأسست على مبادئ دينية.
إن علاقة الديني والمدني في مناهج الحكم لا يمكن لها أن توضع في معادلة يمكن تطبيق نصوصها مهما أحكمت الصياغة جمالها. فالديني عند المدني قضية تخص الفرد وحده في علاقة الإنسان بخالقه وعلى الدولة أن تضمن حقوق العبادة وممارسة الحريات الدينية للجميع,وليست الدولة مؤسسة دينية أو معبدا أومعهدا للدروس الفقهية,أو مرجعية قيم أخلاقية. أما الديمقراطية,فإنها ليست مجرد انتخابات (نلاحظ إصرار الدكتور مرسي على تذكير الناس في مصروخارجها في معظم خطاباته على الابتهاج بأنه الرئيس المنتخب, وكأن ذلك لا يحدث سوى في مصر),وإن الديمقراطية والتعددية والحرية ركائز للمجتمع الذي يستحق لقب المجتمع الديمقراطي الذي يحترم المقدسات ويضعها في موقع يليق بقداستها,وهي ركائزمتزامنة متكاملة متعاضدة ولكل منها أسسه وقيمه ومعانيه العصية على التحريف واللي,وكل منها يتعارض مع الرؤى السياسية الشمولية التي يزخرالتاريخ بنتائج تجاربها الفاشلة,وهذه المعاني شائعة ومتداولة ومعروفة لكل دارس يتخطى حدود أحادية الثقافة وما تجره على صاحبها من تجهيل فيى عصرمتمدن متعدد الثقافات والسياسات والأعراق والأديان والتوجهات والرغبات ....