الجنرال والنار والأسرار

mainThumb

21-10-2012 11:23 AM

 هذا الجنرال وقح. لم يمش على جبهته. لم ينكث بقسمه. لم يبع دم مرؤوسيه. لم يتسلق على جثثهم. لم يوظف سيفه في بلاط الاستبداد. ولا حنجرته في مطبخ التضليل. لم يطرح ضميره في السوق كالشقق المفروشة. لم يحول أوسمته ممسحة. ولم يتعر ليغطي الاغتيالات بثيابه. لم ينقل البارودة. ولو فعل كانوا كافأوه بشهادة الوطنية. وربما بمقعد نيابي. أو كتلة برلمانية. أو حقيبة وزارية. ومن يدري ربما كانت حقيبة الاتصالات، شرط أن يحترم «خصوصيات» اللبنانيين الغارقين في مواسم الحب والغزل. وخصوصيات المرتكبين الغارقين في دم اللبنانيين.

 

هذا الجنرال وقح. أعني ما أقول. وشروط الفوز بالصفة صريحة. يعتبر الجنرال وقحاً إذا كان سيادياً. إذا طالب بوجود دولة في لبنان. أو شبه دولة. وبوجود قضاء مستقل. وأجهزة أمنية مرجعيتها الدولة وحدها. وواجبها حماية اللبناني من القتل لا الاكتفاء بتدبير جنازة لائقة له.
 
اخلّ الجنرال الوقح بالقاعدة الذهبية. القاعدة الوافدة من تراث الاغتيالات في لبنان. تقضي سلامة الوطن أن تبقى الجريمة ملتبسة. غامضة. وأن يبقى ملف التحقيق فارغاً. وأن يجبن المحقق والقاضي. وأن يعلق الأمر على انتظار نتيجة التحقيقات. وإذا تصاعد غضب المجروحين يقال لهم إن العدو الإسرائيلي هو المرتكب. وجسم العدو «لبيس». وهو قاتل أصلاً. لكن يصعب الاعتقاد انه القاتل الوحيد. وإذا بالغ أهل الضحية في الشكوى، عثر على من ينبري لانتهارهم. إنكم توظفون دم شهيدكم في الاستغلال السياسي. تستبقون نتائج التحقيق. تهددون بوقاحتكم السلم الأهلي واللحمة الوطنية أو العلاقات الأخوية. ثم من يضمن ألا تكون الجريمة شخصية. أو مالية. أو عاطفية. اتركوا شهيدكم يرتاح واكتفوا بالبكاء قرب صورته في البيت وبعد إسدال الستائر. ولا حاجة لأن نذكركم بأنه ليس الشهيد الأول. ليس الأول ولن يكون الأخير. واللياقة تقضي ألا تعرقلوا دورة العمل في مصنع الشهداء.
 
هذا الجنرال وقح. تمرد على موسم الذل الطويل والخطوط الحمر. عاد إلى الخدمة ليكشف لغز اغتيال رفيق الحريري. نصحوه فلم ينتصح. ارسلوا إليه ضابطاً جريحاً فلم يقتنع. ارسلوا إليه ضابطاً قتيلاً فلم يرتدع. أصر على متابعة الحفريات في منجم الاتصالات. وكان ما كان.
 
طور الضابط الشاب شعبة المعلومات. تقنيات حديثة وإرادة حديدية. وسع قوس الاتصالات والتبادل. صار الجهاز يستشعر ويعرف وينبه. اسقط شبكات العدو الإسرائيلي بسرعة قياسية. اصطاد في بحثه عنها جنرالاً من حاشية الجنرال الذي عشق الممانعة متأخراً. لم يعتبر أن من واجبه مطاردة شبكات وغض النظر عن شبكات أخرى. أربك حسابات مطبخ الاغتيالات فهبت العواصف عليه بلا رحمة. قبل شهور وزع نصائحه على المرشحين للاغتيال ولم يكن غافلاً انه في طليعة المرشحين.
كان العميد وسام الحسن يعرف أنه يلعب بالنار. وأن الحريق السوري أطاح كل القواعد والأعراف والضوابط. آخر ارتكاباته كان ضبطه ممانعاً اسمه ميشال سماحة متلبساً بالهدايا التي نقلها عبر الحدود. ضبطه بالصوت والصورة معاً. وبدا الحسن كمن يحث الخطى نحو قبره. وساد الاعتقاد انه سيدفع عاجلاً أم آجلاً ثمن «وقاحته» و «تماديه». لفتني البارحة أن الرئيس نجيب ميقاتي لم يستطع أن ينأى بنفسه عن التفكير في الرابط بين ضبط شبكة سماحة-مملوك واغتيال الحسن.
في الفترة الأخيرة صار وسام الحسن لاعباً أمنياً بارزاً على خط الزلازل. يحفر بحثاً عن مصادر الشبكات الإرهابية وممراتها وتمويلها وأسمائها المستعارة ومشغليها. صار لاعباً كبيراً وموثوقاً ومخزن معلومات. تحول مشكلة وعقبة. صار في الأمن في وضع يشبه ما كان عليه وضع رفيق الحريري في السياسة. رجل لا يتسع له المكان.
 
منذ سنوات يلاعب الأخطار. دائماً يترصده قاتل. وتبحث عنه رصاصة. وتنتظره سيارة مفخخة. أو تهمة جديدة. شطب هذا اللاعب يصيب الدولة وسعد الحريري وطائفته و14 آذار. لم تفقده الأخطار ابتسامته. ولم تخرجه الحملات عن رصانته. معرفته بقوة أعدائه لم تنل من إصراره. ظل يقاومهم ويحث الخطى إلى قبره.
 
تقول التقارير إن رفيق الحريري سمع الانفجار وأدرك انه اغتيل ثانية. وتقول إنه بكى على وسام الحسن كما تبكي الجبال على الجبال. سيستقبله الليلة بعناق طويل. اغلب الظن انه سيسأله عن اسم الشهيد المقبل.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد